قبل نحو عشرة أيام، كانت الوقائع الميدانية في جرود عرسال تؤشر الى تمكّن «حزب الله» من تحرير مساحة تزيد عن مئة وخمسة كيلومترات مربعة من المجموعات التكفيرية.
نبيل هيثم
قبل نحو عشرة أيام، كانت الوقائع الميدانية في جرود عرسال تؤشر الى تمكّن «حزب الله» من تحرير مساحة تزيد عن مئة وخمسة كيلومترات مربعة من المجموعات التكفيرية. والجهد مستمر للاطباق على المساحة المتبقية التي تسيطر عليها تلك المجموعات والتي تزيد عن 140 كيلومتراً مربعاً... وأن ما قبل نهاية شهر رمضان لناظره قريب، على ما يؤكد حزبيون.
واضح من سير المعارك في ما تبقى من جرود عرسال وكذلك الجرود القلمونية، أن «حزب الله» اعتمد تكتيكاً جديداً في عملية قضم تلك المساحات التي تسيطر عليها المجموعات التكفيرية، إذ قد يبدو للمراقب أن ثمة بطئاً في سير العمليات العسكرية، لكن ذلك لا يعدو كونه «استراحة تكتيكية» تمهّد لما بعدها في الايام المقبلة، خاصة أن الحشد القتالي لـ «حزب الله» بلغ ذروة الاستعداد والجهوزية للحسم في الجرود على اساس المعادلة التي حددها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله والتي تقول: «لن يبقى ارهابي واحد في جرود عرسال».
إذاً، المعارك في الجرود تسير وفق الخطة المرسومة من قبل «حزب الله»، ولعلها حبلى بمفاجآت في أية لحظة، بما يقرب المسافات أكثر من الحسم المنشود.
الا أن اللافت للانتباه وسط تلك الأجواء، ان «اولويات إضافية تتسم بصفة الاستعجال والضرورة للاستئصال»، فرضت نفسها في الآونة الأخيرة. فإلى جانب اولوية الحسم الذي لا بد منه في جرود عرسال، ثمة اولوية باتت ملحّة وضاغطة اكثر من اي وقت مضى عنوانها: الحسم في الزبداني. وسيكون «حزب الله» رأس الحربة في هذه المعركة، والتحضيرات في هذا الاتجاه تجري على قدم وساق، ورصدت لها كل متطلباتها التجهيزية: البشرية واللوجستية والتسليحية.
لماذا الزبداني؟
تبلغ مساحة الزبداني حوالي 395 كيلومتراً مربعاً، ولطالما كانت تعد مصيفاً مهماً قبل الأزمة السورية. وأما خلال الأزمة، فقد شكّلت مدخلاً للسلاح والمسلحين من لبنان الى مناطق القلمون (اكتشفت فيها مجموعة كبيرة من الانفاق). ومع توالي الأيام تمت السيطرة عليها من قبل المجموعات التكفيرية (جبهة النصرة بشكل اساسي، والجيش الحر)، فيما حاصرها الجيش السوري النظامي من كل الجهات. وميزتها ايضا انها كانت «ساحة قتال» كاملة المواصفات وجاهزة للانفجار، ولكن بقدرة قادر تحولت الى «ساحة قتال مع وقف التنفيذ»، بحيث ذهب اطراف الصراع فيها وعليها، الى اعتماد قاعدة المصالحات، فكانت تنجح في مكان وتفشل في مكان وهكذا على مرّ الفترة الماضية.
أهمية الزبداني، انها تقع ضمن نقطة جغرافية حساسة جدا، وتتصف بما يجعلها نقطة شديدة الخطورة والحساسية وحاجة وهدفاً للسيطرة عليها من قبل كل الأطراف المتقاتلة على ساحة سوريا، للأسباب التالية:
ـ قربها من لبنان، حيث تبعد 11 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية ـ السورية.
ـ قربها من دمشق، حيث تبعد عنها 45 كيلومتراً فقط.
ـ اطلالتها المباشرة على خط بيروت ـ دمشق.
ـ وقوعها كنقطة وسط بين دمشق وحمص ومنطقة الساحل في الشمال.
ـ تشكل واحدة من المدن السورية الكبرى التي تسيطر عليها المجموعات التكفيرية.
ـ تتصل بالقلمون، وهذا يعني انها تتصل ايضا، بشكل او بآخر بجرود عرسال.
ـ ان الزبداني وبحسب تأكيدات سورية وحزبية، تحوي على ما يزيد عن 1500 مسلح، معظمهم لجأ اليها بعدما تم طردهم قبل فترة قصيرة من «قارة» وجرود عسال الورد، واتخذوا من الزبداني منطلقا لتحركاتهم، وباتوا يشكلون كتلة قتالية خطيرة يخشى في ظرف معين او لحظة مؤاتية ان يتم تحريكهم في الاتجاه الذي يوجع «حزب الله» والجيش السوري النظامي، كمحاولة تلك المجموعات التكفيرية في أية لحظة، الانقضاض على خط بيروت دمشق والسيطرة عليه، إما بشكل مباشر واما بالنار. فإن قدِّر للمجموعات أن تنجح في السيطرة على هذا الخط، فهذا معناه امران:
الاول، انها تؤدي الى عزل دمشق عن العالم الخارجي، وتفتح الباب امام تلك المجموعات لمحاولة التقدم نحو دمشق، او محاولة التقدم في الاتجاه الآخر لفتح جبهات جديدة وصولا الى الساحل السوري.
الثاني، انها توجه ضربة موجعة جدا الى «حزب الله»، فخط بيروت دمشق ليس فقط شديد الحيوية بالنسبة الى حزب الله، بل هو اقرب الى شريان الحياة لارتباطه بمستلزمات التجهيز والتسلح والامداد في المواجهة الدائمة مع العدو الاسرائيلي، وكذلك بمتطلبات الحرب المصيرية والوجودية التي يخوضها الحزب في سوريا. فسيطرة تلك المجموعات على هذا الخط، تقطع طريق الدعم على الحليف الرئيسي الذي يقاتل الى جانب النظام، اي «حزب الله»، وتصعب عليه لنقل مقاتليه من لبنان الى داخل سوريا.
ومعلوم ان تلك المجموعات المسلحة، كانت قد نفذت انطلاقا من الزبداني «إغارة» على خط بيروت دمشق (عند كفير يابوس) الى الشمال من نقطة المصنع عند الحدود اللبنانية السورية، وتمكن «حزب الله» والجيش السوري من احباطها.
ـ حسم معركة الزبداني، معناه:
اولا، ترييح الحدود اللبنانية بالكامل، ووقف الضغط العسكري على القرى اللبنانية القريبة من الحدود (النبي شيت والقرى المحيطة).
ثانيا، قطع الطريق نهائيا على اي دعم محتمل انطلاقا من الزبداني في اتجاه الجرود.
ثالثا، إلغاء أية مخاطر مستقبلية من قبل تلك المجموعات على خط بيروت دمشق.
رابعا، اغلاق آخر المنافذ من جهة لبنان، وبالتالي تأمين دمشق، وتضييق الخناق على المجموعات التكفيرية وإبعاد تهديدها عن العاصمة السورية.
خامسا، ترييح طرق الإمداد.
سادسا، ان هذا الحسم يشكل عاملاً مساعداً كبيراً جدا للجيش السوري، في القيام بعمليات عسكرية مريحة في مناطق تواجد المجموعات التكفيرية في ريف دمشق. لابعادها او محاصراتها او الحد من امكانية تحركها.
كل ما تقدم ، شكّل منذ بدء الازمة في سوريا سبباً دافعاً لاشتعال حرب الزبداني والحسم فيها، لكنها تأخرت، ربما لأنها كانت جبهة ثانوية في ما مضى، وممسوكة الى حد ما من قبل الجيش السوري الذي يحاصرها من كل الجهات، وربما لأنها كانت تشكل عامل ازعاج فقط، وليس عامل اقلاق ينذر بمخاطر كبرى على النظام. ولكن لماذا ارتفعت اسهم الحسم في الزبداني في هذه الفترة؟
يقول معنيون بالميدان العسكري السوري، إن أحد اهم العناصر التي أمْلت قرار الحسم هو فشل «عاصفة الجنوب»، وتمكن «حزب الله» والجيش السوري من منع المجموعات التكفيريّة ومن هم خلفها، من تحقيق الهدف الذي حددوه في معركة اسقاط درعا الاخيرة، والتوجه بعدها الى دمشق.
يذكّر هؤلاء ان النظام السوري، ومنذ بداية الأزمة، يتصرّف من الاساس، على قاعدة ان المخاطر الكبرى والحقيقية والمصيرية، لا تتأتى من الشمال السوري، وإنما من الجنوب. وهنا يستحضر هؤلاء كلاما للرئيس السوري بشار الاسد، قاله في حضور سياسيين وأمنيين وعسكريين سوريين، حين سئل عن تقييمه للمخاطر على سوريا، يومها اشار الى مخاطر متأتية من الحدود العراقية ومن الحدود التركية، انما المخاطر الفعلية والجدية تأتي من الجنوب (المقصود بالجنوب هنا درعا تحديداً).
اما لماذا تشخيص الخطر الأكبر من الجنوب، فمردّه، كما يقول المعنيون بالميدان العسكري السوري، الى وجود اسرائيل على الحدود وكذلك الأردن (ساحة حشد وتمرير المسلحين الى سوريا)، وأيضا الى قرب المسافة من دمشق، اذ ان المسافة بين درعا ودمشق 90 كيلومتراً فقط.
ويعود هؤلاء المعنيون بالذاكرة الى «الهجوم على دمشق في آب 2013، والذي حضّر له الامير السعودي بندر بن سلطان في الغوطة، بعد «فضيحة قصف الكيماوي» التي كشفتها الولايات المتحدة الاميركية وأشارت إلى دور للامير بندر فيها، ومحاولته تحميل المسؤولية للنظام واتخاذها مبررا للهجوم المباشر على دمشق».
ذلك الهجوم ، يضيف هؤلاء المعنيون، «تمت إدارته من الاردن، وكانت الخطة تقضي بتحرك مزدوج عبر ادخال ثلاثة آلاف مسلح عن طريق الاردن واسقاط درعا، ومن ثم التوجه نحو دمشق، بالتوازي في الوقت نفسه مع عملية عسكرية ضخمة تقوم بها المجموعات التكفيرية انطلاقا من داخل الغوطة الى خارجها تترافق مع هجوم باتجاه دمشق. الا ان ذلك الهجوم قد فشل وسقط ما يزيد عن 500 قتيل في صفوف المهاجمين، ومعلوم كم كان دور حزب الله فاعلاً وأساسياً في ردّ هذا الهجوم وإفشاله».
وفي السياق ذاته، يلفت المعنيون بالميدان السوري، الى أن «عملية القنيطرة» التي نفذها «حزب الله» مع الجيش السوري، لم يكن هدفها كما قيل يومها اقامة شريط حدودي ايراني مع الجولان المحتل، بل كان الهدف هو قطع الطريق على المخاطر المتأتية من الجنوب على النظام السوري والعاصمة دمشق.
ويختم صاحب هذا الكلام بلفت الانتباه، الى ان المجموعات التكفيرية سيطرت على ادلب وجسر الشغور وتدمر، وبرغم ان سقوطها يشكل خسارة للنظام، الا انه لم يتأثر بها او تؤثر على عزيمته، لانها بعيدة عن العاصمة. الا ان تلك المجموعات ومن هم خلفها ما زالوا يعولون على معركة الجنوب «لكي يشرق منها النصر على الاسد»، كما قالت احدى الشخصيات السعودية لحظة انطلاق ما سميت «عاصفة الجنوب» حيث هلل مع بدايتها قائلا: «لن تنتهي هذه الليلة من رمضان الا وتكون درعا عاصمة الجنوب قد تحررت». واضح ان السعوديين يراهنون على سقوط درعا، لانهم يعتقدون انهم بسقوطها يقلبون الموازين على الأرض. وبدل ان تكون معركة حمص هي الاولوية بالنسبة اليهم، فسقوط درعا يعطي الاولوية لمعركة دمشق على طريق الحسم واسقاط الاسد.
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه