24-11-2024 04:10 AM بتوقيت القدس المحتلة

قيام داعش ... أساليب صهيونية وأزمة هوية

قيام داعش ... أساليب صهيونية وأزمة هوية

لم يكن إعلان ابراهيم عواد البدري الملقب بـ "أبو بكر البغدادي" الخلافة في العراق وسوريا حدثاً، بقدر ما كان تتويجاً لأزمة الهوية وغياب الإنتماء

احمد فرحات

لم يكن إعلان ابراهيم عواد البدري الملقب بـ "أبو بكر البغدادي" الخلافة في العراق وسوريا حدثاً، بقدر ما كان تتويجاً لأزمة الهوية وغياب الإنتماء، لدى العديد من أبناء الشعوب الإسلامية، جراء سياسات تعاقبت عليها حكومات ودول، منذ الدولة العثمانية، حتى وقتنا الحاضر.

يحدثنا التاريخ الإسلامي، كيف أن عين الأتراك كانت دائما على المنطقة العربية، وتجلى هذا الأمر ابان الدولة العباسية، إلى أن استتب الأمر للعثمانيين، وانقلبوا على ابناء جلدتهم المماليك عام 1517 م، واسسوا لإمبراطورية أطلقوا عليها إسم الخلافة، بعدما انتزعوا تنازلا عنها من آخر حكام بني العباس وهو المتوكل على الله، بعد أسره من القاهرة حيث كان يقيم، وأخذه إلى اسطنبول في نفس العام.

وفي الفترة التي حكم العثمانيون منطقتنا العربية، طمست معالم الحضارة فيها، وعاش العرب 400 عام، لم يُعرف منهم شاعراً، ولم تبن جامعة، إلا ما ندر، وكانت مبادرات فردية، حوربت من قبل العديد من الجهات تحت عناوين دينية تارة، وسياسية تارة أخرى.

بعد العثمانيين دخلت المنطقة العربية في مرحلة المشاريع الغربية، وأقيمت دولة "إسرائيل" في فلسطين، وهُجر الفلسطينيون من منازلهم، ليستوطنها يهوداً جلبوا من مختلف بقاع الأرض.

احداث عدة جرت على المنطقة العربية منذ ذلك التاريخ إلى الآن، من حروب داخلية وخارجية، وصراعات على السلطة داخل البيت الواحد.

وفي غمرة هذه الأحداث، شرعت العولمة أبوابها، ودخل في نفقها آلاف الشباب العربي. لا العولمة حققت ما يصبو إليه الشباب، ولا الدول أعطت مواطنيها الرعاية الكافية، والنتيجة كانت، لا إنتماء وطنيا لآلاف الشباب العربي. إلى أن أتى الغزو الأميركي لأفغانستان، وبعده للعراق، لتضع المنطقة على فوهة بركان، انفجر عام 2011 م، في الأحداث التي شهدتها عدة دول عربية.

أزمة الهوية

تحت شعارات غير واضحة الهدفية، بحسب مدير الإستشارية للدراسات الإستراتيجية الدكتور عماد رزق، انطلقت تظاهرات في عدة بلدان عربية، تجسيداً عملياً لفقدان الهوية، فـ "الشعب يريد"، لكن ماذا يريد؟

الدكتور رزق في حديث خاص لموقع المنار، تطرق إلى أزمة هوية في المجتمع ، بين الإنتماء إلى الوطن، أو الإسلام أو العروبة، ولفت إلى أن الشعب العربي لا يشعر بالإنتماء إلى أي منهم. وبالتزامن مع هذه الازمة كانت الأصوات التكفيرية في الإعلام العربي تغزو القنوات التلفزيونية، ووسائل التواصل الإجتماعي على الشبكة العنكبوتية، وسط نشاط ملحوظ لتلك الجماعات على تجنيد شبان، واستغلال أزمة الهوية والانتماء لديهم.

وأوضح الدكتور رزق أن هذا الاستغلال تنشط فيه أجهزة أمنية عالمية، تبدأ عملها في شل عقول الشعب على مستوى اتخاذ القرار، وتجعل عقولهم مجرد أوعية تتقبل كل ما يوضع فيها، من أفكار متطرفة.

واعتبر رزق أن داعش ما هو إلا تنظيم أمني بالدرجة الأولى، استغل الدين للوصول إلى أهدافه، واستنبط ذلك من خلال الدعاية الهائلة التي يقوم فيها هذا التنظيم، لنشر الرعب في العالم العربي، رابطاً بينها وبين الدعاية الصهيونية في بدايات احتلال فلسطين.

في تلك الفترة، نشطت جماعات الهاغانا وغيرها في بث الرعب عبر اعتماد سياسة المجازر، ما دفعت بالعديد من أبناء الشعب الفلسطيني إلى الهجرة من ديارهم، ونادت اليهود بأن "يعودوا" إلى فلسطين، تماماً كما فعل تنظيم داعش.

وعلى مستوى التنظير الفكري لدى الجماعات التكفيرية من داعش وتنظيم القاعدة، نلاحظ أنهم ركزوا في كثير من كتاباتهم على كيفية احتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية، ودعوا إلى تطبيقها عملياً، لاستعادة ما يعتبرونه "الخلافة التي فقدها العالم الإسلامي منذ انهيار الدولة العثمانية".

وفي هذا الإطار نرى صاحب كتاب المذكرة الاستراتيجية السعودي عبد الله بن محمد يدعو إلى اتباع بعض أساليب دافيد بن غوريون في "فن الإدارة"، بهدف الاستفادة من "مساحات التحرك لفرض السيطرة الكاملة على إدارة المشروع"، وأشاد هذا المنظر بطريقة عمل اليهود في احتلال فلسطين، لأنهم "تمتعوا بواقعية كبيرة في تنفيذ أحلامهم على أرض الواقع وفق الظروف المحيطة، ... وهذا بالضبط ما يجب أن يتمتع به أصحاب الأحلام الكبيرة أو المستحيلة في نظر الناس"، بحسب ما قال في كتابه المنشور على الإنترنت.

وبالنسبة إلى داعش، فإنها أكملت ما كتبه منظرو تنظيم القاعدة، فأقامت الدولة التي دعا إليها المؤسسون الأوائل في أفغانستان، واتبعت أساليب العصابات الصهيونية نفسها، من خلال تنفيذ المجازر بحق العزل بهدف بث الرعب، فتهجير السكان، ومن ثم دعوة مسلحين من مختلف بقاع الكوكب، إلى تلك الدولة، بحجة أن فيها "إسلام"، فيما الدعاية الصهيونية حملت عنوان "الهجرة إلى أرض الميعاد".

الهجرة إلى أرض الخلافة

عندما شرعت الحركة التكفيرية في عملها المسلح، نشطت تحت عناوين "التكفير والهجرة" عام 1971 في مصر، مستندة إلى طروحات سيد قطب حول الحاكمية في المجتمعات الإسلامية، وانطلقت في تقسيم المجتمعات إلى دارين "كفر وإيمان"، ومن ثم بدأت في الإنتشار في المغرب العربي، والتي كانت نتيجتها مجازر رهيبة في الجزائر، لا تزال في أذهان العديد من أبناء الشعب العربي والمسلم.

وفي ندوة "الإمارات في مواجهة التطرف" التي نظمتها الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف مؤخراً، تحدث عميد كلية أصول الدين في جامعة الأزهر الدكتور عبد الفتاح عبد الغني العواري، عن مفهوم "الخلافة وادعاءات التنظيمات الإرهابية"، وانتقد "دعوة الجماعات المتشددة التي ظهرت على الساحة، إلى هجرة المجتمعات الإسلامية، واعتزالها"، و"الحكم عليها بالكفر لأنها تقيم في بلاد كافرة". واعتبر الدكتور العواري أن هذه الجماعات طبقت الآيات التي وردت في هجرة المسلمين الأوائل على المواطنين الآن في مجتمعاتهم المسلمة، التي تحترمهم، وتحترم الإسلام شعائر وأحكام، وتسائل "أين القطر المسلم الذي يعذب فيه المسلمون، ويجبرهم على ترك دينهم، أو تعرض أحد للفتنة لتغيير عقيدته"، مؤكداً أن "هؤلاء المارقين هم خوارج العصر، مخطؤون في أحكامهم، على المجتمع المسلم بالكفر".

ومن هنا، تكون أولى المباني التي يعتبرها شرعيي داعش مقدسة في إقامة دولتهم باطلة شرعاً، وتؤكد الكلام بأن ما يقوم به هذا التنظيم وغيره من الجماعات التكفيرية كتنظيم القاعدة، ما هو إلا لعبة استخباراتية، تعتمد على غسل العقول، وإيصال المجتمع إلى مرحلة من الدمار الفكري والاجتماعي، ليسهل تدجينه، ودفعه إلى القتال في المناطق الساخنة، خدمة لمشاريع كبيرة، وقودها المغرر بهم من أبناء الشعب العربي، الذي يدفع ضريبة عقوداً من الاستعمار، بدأت منذ مئات السنين.