والشيء الآخر في وثيقة الصلح، أنها كشفت زيف الأمويين، وأظهرت زهد بني هاشم بالسلطة وأنهم يحرصون على الإسلام والمسلمين كحرصهم على أنفسهم بل أكثر من ذلك
أكد عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي على ضرورة تظافر الجهود لأجل إبقاء لبنان بعيداً عن تداعيات ما يجري في المنطقة، وفي ذلك مصلحة للجميع، داعياً بعض الرؤوس الحامية من الفريق الأزرق إلى عدم الإستعجال في الحسابات الخاطئة المبنية على الوهم والتمنّي بدافع الحقد المتزايد الغير مبرّر، فالتجربة تقول: أن حزب الله عندما ينتصر، لا يعلن هذا النصر لوحده، بل يهديه للجميع وخاصة للبنان بكل أطيافه وأشكاله.
وأضاف الشيخ بغدادي، يقولون أنّ الرئيس بشار الأسد قتل عشرات الآلاف من شعبه لأجل البقاء في السلطة، وهذا غير صحيح فهو لازال الأقوى والأكثر شعبية في دمشق، ولكن بماذا يبرّرون لقتلهم وجرحهم الآلاف في اليمن، لأجل إعادة رئيس هزيل عميل لهم؟ كيف قاربوا هذه المسألة؟ أين شعوب العالم ومنظمات حقوق الإنسان؟.والحلّ هو الصمود في سوريا والعراق، واستكمال تحرير القلمون والسلسلة الشرقية، وفرض عمليه ردع حقيقية لرعاة الإرهاب، كي يقبلوا الحوار والمنطق، وحينئذٍ تستقر المنطقة.
كلام الشيخ حسن بغدادي جاء خلال الندوة الفكرية التي نظمتها جمعية الإمام الصادق (ع) لإحياء التراث العلمائي في مقرها في بلدة (أنصار) الجنوبية، بمناسبة ولادة الإمام الحسن (ع) من خلال قراءة في كتاب "ثورة الحسين (ع)" للعلامة الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
وحول مناسبة ولادة الإمام الحسن (ع) في هذه الليالي المباركة قال سماحته:
إنّ أهمّ محطة في حياة الإمام الحسن (ع)، صلحه مع معاوية بن أبي سفيان. وعندما نقرأ التاريخ بشكل دقيق فإننا لا نجد ما قام به الإمام الحسن (ع) غريباً على تلك المرحلة.فمنذ اليوم الأول للدعوة الإسلامية، وبنو أمية الذين هم أبناء عمّ الرسول (ص)، وقفوا في وجهها وصدّوا النبي (ص) وكذبوه، واتهموه تارة بحب السلطة وطوراً بالجنون إلخ.. حتى انتصر عليهم ومرّغ أنوفهم بالتراب بعد فتح مكة، وكان ذلك الإنتصار يُجسّد منتهى الرحمة والأخلاق، وردّ الإساءة بالجميل والإحسان، فقال (ص): "من يدخل دار أبي سفيان (رأس الشرك) فهو آمن، ومن يدخل الكعبة فهو آمن".
وبعد وفاة رسول الله (ص)، إعتبروا أنّ هذا الرحيل هو فرصة للإنقضاض على السلطة وللخروج من الإسلام وللإنتقام من بيت رسول الله (ص) بحجج مختلفة. وكان الموقف حرجاً على الإمام علي(ع)، فماذا يصنع؟ هل يجرد سيفه ويفتك في رقابهم؟ ولكن هذا سيأخذ الأمور إلى صراع آخر، وهو صراع بني هاشم والقبائل العربية، وهو الصراع نفسه الذي هرب منه النبي (ص) في مكة المكرمة. فكان الخيار هو التسليم بهذا الأمر، مع الإعتراض، كي لا يُفهم منه القبول بهذا الواقع، ولكن هذا لم يُعفه من التحرك والقضاء ومتابعة شؤون المسلمين، فالإمام علي (ع) تخلى عن السلطة السياسية، ولكنه لم يتخلَّ عن الإمامة والمسؤولية.
وبعدما أصبح خليفة للمسلمين بعد مقتل عثمان بن عفان، إعترض معاوية وآخرون على سياسة الإمام (علي)، ولم يعجبهم عدله، ولم يُسلًم معاوية بالحكم لعلي (ع)، وأعلن الحرب عليه.فخاض الإمام علي (ع) في زمن خلافته ثلاث حروب كبيرة: الجمل والنهروان وصفين، وهذا لم يأخذ الأمور إلى صراع قبلي وعشائري، فعلي (ع) كان الخليفة بإجماع المسلمين.
إنتهت خلافة الإمام علي (ع) بتثبيت الإسلام، كقوة أساسية وكرسالة سماوية، لا يستطيع أحد أن يمسّها بعد اليوم.
والشيء الآخر أنّ الأئمة (ع) كانوا في مرحلة التشريع، فمعيار النصر والهزيمة عندهم يختلف عن معيار النصر والهزيمة عندنا، فهناك من يقول أنّ علياً (ع) إنهزم في صفين على يد معاوية، هم يقرأونها بالمعنى الميداني والعسكري.ونحن نقول أنّ علياً (ع) إنتصر في معركته عندما مرّغ أنف معاوية بالتراب، وفرض عليه حمل القرآن والقبول به، والقبول بالإسلام الذي تآمر عليه، والإبقاء على مفهوم خلافة رسول الله (ص)، هذا ما أراده (ع) من نتائج المعركة.
وبعد شهادة أمير المؤمنين (ع)، جاء دور الإمام الحسن (ع)، والناس بايعوا الحسن (ع)، كخليفة للمسلمين، ولكن أيضاً معاوية شنّ عليه الحرب والإغتيالات وشراء الضمائر والإغراءات الكبيرة، وسقط كثيرون أمام هذه الإغراءات، ولم تكن الأمة مهيّأة لخوض حرب مع معاوية.فنشوب الحرب معه، كانت ستؤول إلى نهاية مأساوية، يتعرّض فيها المسلمون الحقيقيون إلى العنف من قتل وسبي وهتك للأعراض، وسيخلو الجوّ أمام معاوية للردّة عن الإسلام، وسَيُحمّل الإمام الحسن (ع) وبني هاشم مسؤولية قتل المسلمين وهتك أعراضهم.
لذلك كان لا بُد من الصلح، الذي هو مصلحة الطرفين الحسن (ع) ومعاوية. فالإمام الحسن (ع)، كي يحقن دماء المسلمين ويصون أعراضهم، ويفرض على معاوية من خلاله نفس الشروط التي فرضها الإمام علي (ع) في صفين، ومعاوية له مصلحة بالوصول إلى هدفه من دون الوصول إلى هذه النتائج المدمرة وهي غير مضمونة، ودم بني هاشم ثقيلٌ عليه وليس بالأمر السهل هضمه.
والأهم في وثيقة الصلح:
أنها قبلت بزعامة معاوية مادام حياً، فإن مات عادت الخلافة للإمام الحسن (ع)، وإن لم يكن موجوداً فلأخيه الحسين (ع).هذه الوثيقة إنقلب عليها معاوية، فعيّن نجله (يزيد) من بعده، وقتل أصحاب الإمام الحسن (ع)، وبالغ بالشتم واللعن وملاحقة كل من يثبت ولاؤه لعلي (ع).ومع ذلك، هذا الإنقلاب بقي في حدود الأفراد الذين يخافهم على عرشه، وبقي محافظاً (شكلاً) على قبوله القرآن والإسلام والصلاة وعلى موقع خلافة رسول الله (ص).
والشيء الآخر في وثيقة الصلح، أنها كشفت زيف الأمويين، وأظهرت زهد بني هاشم بالسلطة وأنهم يحرصون على الإسلام والمسلمين كحرصهم على أنفسهم بل أكثر من ذلك.وهذا ما هيّأ النفوس للقبول ببني هاشم والطلب إلى الإمام الحسين (ع)، بالقدوم إلى العراق ومبايعته بعد هلاك (معاوية).والذي ساعد على ذلك، هو تعيينه لولده (يزيد) خليفة على المسلمين، هذا الولد الفاسق والفاجر والسيء السمعة، الذي لا يعرف شيئاً عن الإسلام سوى الحقد على أهل البيت (ع)، وأنّ علياً (ع) قتل أسياده في بدر وأحد والخندق.
من خلال هذا العرض:
نكتشف أنّ سياسة أهل البيت (ع)، لم تختلف عن بعضها، ولا توجد خصوصية لشخص على آخر، وإنما الخصوصية للمرحلة السياسية ( المحكومة لمصلحة الإسلام والمسلمين)، وكل إمام يقوم بالدور الذي يوصله إلى الهدف المنشود لمن بعده.
فنتائج حرب صفين، جعلت معاوية يفكر ويقبل بالصلح مع الإمام الحسن (ع)، ولا يذهب بعيداً بالتفكير بالقتل والحرب. وصلح الإمام الحسن (ع) مع معاوية، حضّر الأجواء لنهضة عاشوراء ضد يزيد بن معاوية، رغم خسارة ما حدث يوم العاشر من المحرم لعام 61 للهجرة، إلا أنّ النتائج جاءت على عكس الظاهر، فانتصر المظلوم على الظالم والدم على السيف، وأنهت كربلاء أي تفكير بالقضاء على الإسلام.