السيسي يطالب الجيش بـ«إذاقة الإرهابيين نار جهنم»
مصطفى بسيوني
وجهت السلطات المصرية رسائل، خلال اليومين الماضيين، بأنها ماضية في مكافحة الإرهاب بقوة، حيث أغارت الطائرات الحربية على مجموعة من «داعش» قرب رفح، فيما كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يطالب القوات المسلحة «بإذاقة الإرهابيين نار جهنم»، وذلك بعد ساعات من إقرار قانون مكافحة الإرهاب.
وكانت الاشتباكات لا تزال مستمرة بين قوات الجيش والجماعات الإرهابية في شمال سيناء، عندما أعلنت وزارة الداخلية أن تسعة من كوادر جماعة «الإخوان المسلمين» قتلوا في منزل بمدينة السادس من أكتوبر، أثناء مداهمة وكر للجماعة. وفي اليوم ذاته كان مجلس الوزراء المصري يجتمع ويوافق على قانون مكافحة الإرهاب ويقدمه إلى الرئيس لاعتماده. هذه بعض من النتائج الأولى لهجوم عناصر «داعش» على مراكز الجيش في سيناء، والذي لازالت توابعه تتوالى.
وأعلنت مصادر أمنية مصرية، أمس، أن الطيران الحربي قتل 23 مسلحاً من «داعش» في غارات جوية قرب رفح، مشيرة الى ان القوات المصرية تفتش المنازل في مدينة الشيخ زويد بحثاً عن عناصر «داعش».
وقالت مصادر مطلعة أن السيسي تابع تطورات الأوضاع، وأكد لقوات الأمن المسؤولة عن سيناء أنه «لن يهدأ هو أو الشعب المصري إلا بعد تطهيرها نهائياً من الإرهاب، وأن الجيش لن يترك ثأر أي شهيد سقط أو سيسقط على أرض سيناء». وقال «مش عاوز إرهابي واحد يفلت من العقاب، ولازم يذوقوا نار جهنم بجد، ويعرفوا أن الدم المصري غالي».
وبعث الملك السعودي سلمان وولي العهد محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود ببرقيتي تعزية الى السيسي. ووصف سلمان الهجمات «بأنها من أعظم الجرائم في الإسلام، لكونها جرائم ظلم وعدوان آثم، وإفساد في الأرض وهتك لحرمات الأنفس المعصومة، وتعد على الأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين»، مؤكدا وقوف السعودية إلى جانب مصر في مواجهة كل ما يستهدف أمنها واستقرارها.
ودانت الولايات المتحدة الهجوم الدامي في سيناء. وأعلن مجلس الأمن القومي الأميركي، في بيان، أن «الولايات المتحدة تقف بتصميم إلى جانب مصر وسط موجة الهجمات الإرهابية وستواصل دعمها لمصر لمواجهة تلك التهديدات التي تمس أمنها».
والهجوم الذي شهدته سيناء أمس الأول يختلف كلياً عن كل موجات الإرهاب التي شهدتها مصر من قبل، وتضمنت تفجيرات واغتيالات وصلت إلى الرئيس أنور السادات، واستهداف المنشآت السياحية والمناطق الحيوية، والأقباط. ورغم قوة موجات الإرهاب السابقة تمكنت الدولة من السيطرة عليها ومحاصرتها.
لكن العملية التي قام بها تنظيم «أنصار بيت المقدس»، الذي بايع «داعش» وسمى نفسه «ولاية سيناء»، تسير في اتجاه مختلف، فهو حاول أن يخلق مرتكزا في سيناء ليرفع عليه العلم «الداعشي»، أسوة بمناطق سيطرة التنظيم في العراق وسوريا وليبيا.
ورغم فشله في تحقيق ذلك، فان طول مدة الاشتباكات مع القوات المصرية، بعثت بإشارات، ولو غير مباشرة، إلى «دواعش» آخرين عبر العالم، أن هناك أرضا جديدة تنتظر «مجاهدين» يرفعون العلم الأسود عليها، وهو أمر مستبعد، نظراً لعدم وجود مساحات شاسعة في مصر خارج سيطرة الدولة، ولا توجد انقسامات قبلية وطائفية تسمح بوجود قوى مسلحة غير نظامية. وأقصى ما تستطيع الجماعات المسلحة القيام به، هو توجيه ضربات سريعة وخاطفة من وقت لآخر.
الدولة المصرية تدرك بالتأكيد أن ما يحصل يختلف عن السابق، خاصة وأنه يأتي في سياق إقليمي ودولي عنوانه خطر الإرهاب. لذا كانت الإجراءات التي اتخذتها الدولة سريعة، سواء على الصعيد التشريعي أو التنفيذي.
ولكن ما تقوم به الدولة لمواجهة خطر الإرهاب، قد يخلق خطراً آخر، فالإفراط في استخدام الأدوات الأمنية يعني بالضرورة تجاهل قضايا الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان، ولو مؤقتاً. وهو ما قد لا يساهم كثيرا في المواجهة مع الإرهاب، وقد تكون نتائجه عكسية. رغم أن مخاطر الإرهاب تبرر تطبيق إجراءات خاصة تتناسب مع حجمه وتهديده للمجتمع.
وتقول النائب الأسبق للمحكمة الدستورية العليا المستشارة تهاني الجبالي، لـ «السفير» تعليقا على مقتل تسعة من «الإخوان»، «من حق الشرطة استخدام القوة إذا ما واجهت تهديدا. مسلحون بدأوا بإطلاق النار، من الطبيعي أن ترد عليهم بالمثل. ولا يجوز أبدا الربط بين هذا الحادث وبين مطالبة الرئيس بتسريع عجلة العدالة. الرئيس كان واضحا في حديثه عن عدم اتخاذ إجراءات استثنائية، رغم أن الدستور يعطيه الحق. ولكن هناك ثغرات قانونية ينبغي معالجتها، وقد تأخرنا فيها، وكان يجب أن تسد منذ زمن». وتضيف «قانون مكافحة الإرهاب أيضا كان يجب أن يصدر من زمن. فالإرهاب يحتاج لقانون خاص، وقد تأخرنا في إصداره، رغم أن دولاً كثيرة في العالم لديها قوانين لمكافحة الإرهاب». ولا ترى الجبالي أن تلك الإجراءات تنتقص من الحريات وحقوق الإنسان.
ويخشى البعض من استغلال الأجهزة الأمنية لموضوع الخطر الذي يمثله الإرهاب للتوسع في عمليات القمع والملاحقة. ويقول مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، لـ «السفير»، «أسوأ ضربة توجه للديموقراطية عندما يستغل النظام العمليات الإرهابية لتنفيذ إجراءات قمعية. العمليات الإرهابية جاءت هدية للنظام ليبرر إجراءات قمعية، وللأسف المقبل سيكون أسوأ».
ويضيف عيد «الأكيد أن النظام لم يبدِ إرادة سياسية في مواجهة الإرهاب، واكتفى فقط بالعصا الأمنية. وتأثير الإجراءات القمعية والانتقامية وحدها سيكون سلبياً على المجتمع على المدى المتوسط وعلى النظام نفسه على المدى البعيد، فالقمع سيطاول الجميع، حتى بعض مؤيدي النظام».
وينتقد عيد انسياق الدولة وراء «هستيريا الانتقام»، موضحاً «القوانين يجب ألا تكون مجرد رد فعل لحالة، القوانين تصدر لتنظيم المجتمع وليس لتلبية رغبات انتقامية أو انسياق وراء هستيريا يصنعها الإعلام، والذي لا يردد سوى رأي واحد، ولا يفتح مجاله إلا للفلول ومؤيدي القمع والأمن».
على أصوات الرصاص في سيناء والسادس من أكتوبر احتفلت مصر بالثلاثين من يونيو، وأصدرت حزمة جديدة من التشريعات لمواجهة الإرهاب، حتى أن الموازنة العامة التي صدرت فجر أمس، لم تجد فسحة لمناقشتها من المعنيين بها.
وتأتي الهجمات عشية الثالث من تموز، وهي الذكرى الثانية لعزل الرئيس محمد مرسي، واليوم الذي أعلن فيه السيسي عندما كان وزيرا للدفاع خريطة المستقبل. وبعد عامين من إعلان الخريطة، يبدو أنه لازال هناك المزيد من الجهد يجب أن يبذل من أجل المستقبل.
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه