24-11-2024 11:34 PM بتوقيت القدس المحتلة

لبنـــان ليـــس اليونـــان (1)

لبنـــان ليـــس اليونـــان (1)

إن أزمة اليونان، هي أزمة ديون، ارتفعت في السنوات الاخيرة بشكل مقلق من 127 % من الناتج المحلي عام 2009 الى 177 % عام 2014

يواجه اليونان بعد الاستفتاء تحديات تهدد بدخوله المجهول وتعود الى أزمة سيولة نتيجة رفض البنك المركزي الاوروبي مدّه بالسيولة ورفض الاتحاد الاوروبي دفع القسط الاخير من برنامج المساعدات البالغ 7.2 مليار يورو بسبب رفضه خطة الترويكا ( صندوق النقد الدولي، البنك المركزي الاوروبي والمفوضية الاوروبية ) وتخلفه عن سداد دينه لصندوق النقد الدولي البالــــغ 1.6 مليار يورو، كما يواجه تحديات تعود الى استحقاقات دين تقارب 3.5 مليار يورو في تموز و 3.2 مليار يورو في آب للبنك المركزي الاوروبي.

غازي وزني / خبير اقتصادي لبناني

   لبنـــان ليـــس اليونـــان )1)إن أزمة اليونان، هي أزمة ديون، ارتفعت في السنوات الاخيرة بشكل مقلق من 127 % من الناتج المحلي عام 2009 الى 177 % عام 2014 و 185 % عام 2015 اي حوالي 320 مليار يورو. تعود أسباب الازمة الى تفاقم العجز في المالية العامة، والانكماش الاقتصادي، والدخول المبكر لليونان الى منطقة اليورو، وتداعيات الازمة المالية العالمية في العام 2008 ، وتظهر الاسباب على الشكل التالي:

1- الانضمام المبكر والغير نظامي لليونان الى الوحدة النقدية في العام 2001 عبر قيامه بعمليات تحسينية لحساباته الاقتصادية والمالية. أظهرت المؤشرات الاقتصادية في العام 2004 عدم صحة الحسابات وعدم ايفائه شروط الانضمام .
استفاد اليونان من دخوله الاتحاد بالاستدانة المبالغة بفوائد متدنية لتنفيذ المشاريع الاستثمارية الضخمة والمكلفة والعشوائية...

2- تدهور المالية العامة: وصل العجز الى مستويات خطرة اذ بلغت 15.7 % من الناتج المحلي في العام 2009 نتيجة الهدر في الانفاق والتهرّب الضريبي ثم تراجع العجز الى 10.9 % عام 2010 وصولا الى 3.5 % في العام 2013 نتيجة الخطة الاصلاحية التقشفية للمؤسسات الدولية منها اصلاح نظام التقاعد، خفض الانفاق العسكري، الغاء الامتيازات الضريبية للجزر اليونانية علما ان القطاع السياحي يمثل 20 % من الاقتصاد و 20 % من القوى العاملة ويوفر ايرادات سنوية تقارب 14 مليار يورو ل 24 مليون سائـح .
تتوقع الترويكا ان يحقق اليونان فائض أولي نسبته 1 و 2 و 3 و 3.5 % في السنوات 2015 و 2016 و 2017 و 2018.

أما لبنان فانه يشهد وضعا مقلقا للمالية العامة اذ تصل معدلات العجز الى 10 % من الناتج المحلي نتيجة غياب الموازنات العامة والاصلاحات والانفاق العشوائي والتهرّب الضريبي.

3- هبوط النمو الاقتصادي: أدى برنامج الترويكا الى خسارة اليونان في فترة 2009 – 2013 ، حوالي 26 % من اقتصادها اذ سجل نموا سلبيا قارب 3.1 % في العام 2009 ، 4.9 % في العام 2010 ، 7.1 % في العام 2011، 7 % في العــام 2012 ، 3.9 % في العام 2013 ثم سجل في العام 2014 نمو ا ضعيفا قارب 0.6 % ويتوقـــع ان لا يتجاوز النمو 0.5 % في العام الحالي.
-1-
في الوقت عينه أدى هذا البرنامج الى ارتفاع معدلات البطالة الى 26 % من القوى العاملة والى تعمق الازمة الاجتماعية للطبقة الفقيرة والمحدودة الدخل التي تنادي للتخلي عن اليورو والعودة الى الدراخما.
يواجه الاقتصاد اليوناني صعوبة تحقيق معدلات نمو مرتفعة بسبب ضعف قدراته التنافسية مع دول منطقة اليورو اذ قارب معدل نموه الوسطي في فترة 2004 و 2008 أقل من 2 %.

في المقابل سجل الاقتصاد الللبناني معدلات نمو قوية في فترة 2007 – 2010 قاربت وسطيا 8 % ثم انخفض المعدل الوسطي الى 1.5% في فترة 2010 – 2014 بسبب الاضطرابات في المنطقة وتداعيات الازمة السورية وكثافة النازحين اضافة الى انعدام الاستقرار السياسي والامني.

4- الدين اليوناني خارج السيطرة  للاسباب التالية:

- غالبية مصادر تمويل الدين خارجية: بلغ الدين في نهاية العام 2014 حوالي 313 مليار يورو وشكل 177 % من الناتج المحلي ومموّلة من المصادر التالية: الاتحاد الاوروبي 53 مليار يورو، صندوق النقد الدولي 23 مليار يورو، البنك المركزي والاوروبي 27 مليار يـورو، المصارف الاجنبية 34 مليار يورو ، الصندوق الاوروبي للاستقرار المالي 142 مليار يورو، سنــــدات الخزينـــة 14.8 مليار يورو ( 4.6 % من الدين ).
- استحقاقات الدين السنوية كبيرة: 20 مليار يورو لعام 2015، 7 مليار يورو لعام 2016، ...
- عجز البنك المركزي اليوناني على التدخل لتمويل الدين وحاجته الى موافقة السلطات النقدية والمالية في بروكسل.
- ضعف امكانيات المصارف اليونانية بتمويل الدين

 في المقابل فان الدين اللبناني تحت السيطرة ويمكن احتواء مخاطره للاسباب التالية:
- غالبية مصادر تمويل الدين داخلي ( المصارف، والمصرف المركزي ): بلغ الدين في نهاية العام 2014 حوالي 66.56 مليار دولار وشكل 140 % من الناتج المحلي ووزع بنسبة 61.5 % للدين بالليرة اللبنانية و 38.5 % للدين بالعملات الاجنبية، وموّل بنسبة تفوق 80 % من المصارف اللبنانية والمصرف المركزي وتظهر على الشكل التالي:

    • الدين بالليرة: بلغ 41 مليار دولار وغالبية مصادر تمويله داخلي: 32 % من المصرف المركزي و 51 % من القطاع المصرفي اللبناني ما مجموعهما 83 %.
    • الدين بالعملات الاجنبية: بلغ 25.6 مليار دولار، 90 % سندات يوروبوند أي 23.1 مليار دولار منها 18.6 مليار دولار للقطاع المصرفي و 2.3 مليار دولار لمصرف لبنان مــا مجموعهمــــا 20.9 مليار دولار ونسبته 81 % من الدين بالعملات الاجنبية.

- توزيع استحقاقات الدين بالعملات الاجنبية واطالة امادها بشكل لا تمثل ضغوط على الدولة:

 2.250 مليار دولار في العام 2016، 2.275 مليار دولار في العام 2017 . يضاف اليها خدمة الدين العام بالعملات الاجنبية التي تقارب 1.35 مليار دولار.
- المصرف المركزي اللبناني، مصدر تمويل أساسي للدين خصوصا الدين بالليرة اللبنانية عند احجام المصارف، ومصدر تمويل للدين بالعملات الاجنبية بسبب الاحتياطات بالعملات الاجنبية لديه.
يجدر أن نشير ايضا الى ان الدين العام انخفض في فترة 2006 – 2010 من 180 % للناتج المحلي الى 134 % ثم ارتفع في فترة 2011 – 2014 الى 140 % من الناتج المحلي.

5- المصارف اليونانية هشة وتعتمد على المصرف المركزي الاوروبي لسيولتها:

تحتاج المصارف اليونانية للرسملة حوالي 20 مليار يورو وتنقصها السيولة نتيجة خسارة جزء من ودائعها ( القطاع الخاص ) في السنوات الاخيرة والتي تراجعت من 238 مليار يورو عام 2009 الى 130 مليار يورو في آيار 2015 اي بتراجع نسبته 45 % ومشكلا 73 % من حجم الاقتصاد.

أما التسليفات فانها تبلغ 200 مليار يورو، متجاوزة اجمالي الودائع ما يدفع بالقطاع الى الاعتماد على تمويل نظام اليورو Euro system لتغطية الفجوة وذلك من خلال اصدار سندات دين أو اسهم مقابلها ( 115 مليار يورو ) فضلا عن ان نسبة التسليفات المشكوك بتحصيلها مقلق اذ يصل الى 33.5 % من اجمالي التسليفات ما يتسبب بربحية ضعيفة او بخسائر للمصارف.يجعل ضعف السيولة المصارف بأن تكون غير مستقلة في نشاطها، مقيدة بارادة المصرف المركزي الاوروبي الذي منعها مؤخرا من التوظيف في سندات الدين السيادية. 

تعتبر المصارف اليونانية هشة، تفتقد الى القدرة لتمويل الدين السيادي، تستند على البنك المركزي الاوروبي ، المصدر الوحيد لتأمين سيولتها في اطار مساعدات طارئة للسيولة ( ELA ) التي بلغت 81.4 مليار يورو مع الاشارة الى ان البنك المركزي الاوروبي رفض مؤخرا زيادتها بقيمة 6 مليار يورو لمواجهة سحوبات المودعين ما دفع بالمصارف الى اقفال ابوابها.

أما البنك المركزي اليوناني، فان استقلاليته محدودة اذ ينفذ سياسة البنك المركزي الاوروبي.

في المقابل فان القطاع المصرفي اللبناني متين وقوي، وقادر على تمويل الدين السيادي، اذ بلغ اجمالي ودائعه في نهاية العام 2014 ، 144.5 مليار دولار مشكلا ثلاث اضعاف حجم الاقتصاد وسجل في السنوات الاخيرة معدلا وسطيا قارب 8 % ويملك فائض سيولة يفوق 30 % من اجمالي ودائعه.

أما اجمالي تسليفاته، فانها بلغت في نهاية العام 2014 ، 88 مليار دولار ونسبته 61 % من اجمالي الودائع منها 50.8 % مليار دولار للقطاع الخاص و 37.3 مليار دولار للقطاع العام وشكلت الديون المشكوك بتحصيلها نسبة 4.9 % من اجمالي التسليفات فضلا عن ان اجمالي التسليفات سجلت نموا وسطيا في السنوات الاخيرة قارب 9 %.

6- تحويلات اللبنانيين بالخارج: تعتبر من المقومات الرئيسية التي تدعم الاقتصاد الوطني ونمو المصارف والاستثمارات والوضع الاجتماعي. بلغت في العام 2014 حالي 8.9 مليار يورو ونسبته 18 % من الاقتصاد.

على رغم التشابه بين اليونان ولبنان في التباطؤ الاقتصادي وتدهور المالية العامة والدين العام المرتفع فان لبنان يملك مقومات لمواجهة أزمة الديون، مستندا الى قطاع مصرفي قوي، ومصرف مركزي معزز باحتياطات ضخمة بالعملات الاجنبية، وتحويلات مهمة من المغتربين، واستحقاقات دين سنوية بالعملات الاجنبية قابلة للاستيعاب.