24-11-2024 09:13 PM بتوقيت القدس المحتلة

إيران، من التصنيع النووي الى صناعة النصر!

إيران، من التصنيع النووي الى صناعة النصر!

بين قوَّةٍ عسكرية مُذهلة بُنيت ذاتياً رغم الحصار، وموقعٍ استراتيجي على مضائق تصدير النفط، ونفوذٍ سياسي نتيجة مصداقية في السياسة الخارجية والإنفتاح حتى على الخصوم، بَرَزت الحاجة لإيران

 

أمين أبوراشد


اليوم الثلاثاء، السابع من يوليو/ تموز كان مقرراً أنه اليوم الأخير من فترة الأسبوع الممددة لتذليل العقبات الأخيرة من أمام الإتفاق النووي بين إيران ودول "الخمسة زائد واحد"، لكن الإعلان عند الفجر عن التمديد ليومين إضافيين يعكس دقَّة اللمسات الأخيرة، علماً بأنه أُعلِن من فيينا أن 91% من بنود هذا الإتفاق قد أُنجزت، ولم يعُد أمام أميركا والغرب سوى عقدة التخلُّص من ضغوط اللوبي الصهيوني في أميركا الحريص على أمن الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة من جهة، ومن جهة أخرى إقناع الكيان الوهَّابي السعودي المرتعد من النصر الإيراني على المستوى الدولي والإقليمي بالأمر الواقع، لأن الإتفاق بات من قبيل "التحصيل الحاصل"، شرط اقتناع الغرب بعدم البحث بمطلب سيادي إيراني يرتبط بترسانة الصواريخ الباليستية.

أوباما الذي يُمضي النصف الأخير من ولايته الثانية، لم يَعُد رضى اللوبي الصهيوني ضمن حساباته الإنتخابية، ويريد إنهاء عهده بإنجاز يُحسَب له عبر إنهاء الملف النووي، وإقناع الأميركيين بأن توجُّهات الحزب الديموقراطي في السياسة الخارجية هي دائماً سلمية على عكس ما أورثه الحزب الجمهوري للشعب الأميركي من ويلات نتيجة التدخلات العسكرية المباشرة سواء في أفغانستان أو العراق، سيما وأن تاريخ أميركا معروفٌ بالنكبات منذ مستنقع فيتنام وصولاً الى وحول الشام والتي عرف أوباما كيف يُخرج نفسه منها ويسحب من المتوسط مدمرات استعراض "طق الحنك" دون أن تحظى حتى بأكلة سمك!

لا رضا نتانياهو يحتاجه أوباما، ولا رضى أولياء أمر الوهَّابية سيقف حائلاً دون إبرام اتفاق بات بحُكم المُبرم، علماً بأن إبرامه ينتظر ليونة إيرانية لا تمسُّ قيد أنملة بسيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سيما وأن إيران تمتلك ثلاث نقاط قوة لو اجتمعت كل الأمم لا تستطيع انتزاعها منها:

أولاً: إن إيران من المنطلق الديني البحت، لا تنوي أساساً بناء ترسانة أسلحة نووية، لأن هذه الأسلحة تُعتبر من أسلحة الدمار الشامل وهناك فتوى من أعلى مرجعية روحية في الجمهورية الإسلامية بعدم جواز استخدام سلاح يؤذي الأبرياء، ولذلك فإن كل هذا الإستنفار الدولي منذ فُرِضت العقوبات على إيران على مدى عقدٍ من الزمان قد ذهب هباء نتيجة صمود الشعب الإيراني ودفاعه عن حقوقه بالإستخدام السلمي للطاقة النووية، وانتصرت إيران في هذا المجال وتمّ الإقرار بحقوقها كاملة، وها هي تكسر العقوبات الأميركية – الغربية قبل الإتفاق النووي، من خلال عرضٍ مفتوح من الرئيس بوتين على هامش منتدى سان بطرسبرغ، باستعداد روسيا لتزويد إيران بكل ما تحتاجه من أسلحة ومعدات، وزيارة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني الى موسكو يوم الخميس المقبل تأتي في سياق ترتيب علاقات تكاملية بين البلدين.  

ثانياً: إن السلاح النووي بات على مستوى العالم سلاحاً ردعياً ضمن منظومة الحرب الباردة، وليس سلاحاً استراتيجياً هجومياً أو دفاعياً، لأن من يملكه أساساً لن يجرؤ على استخدامه لأنه سيدمِّر مُستخدِمَه تماماً كما المُستخدَم ضدَّه، وآخر حماقة ارتُكِبت باستخدام الذرِّي كانت عام 1945 في العدوان الأميركي عبر قنبلة هيروشيما على اليابان، وما زالت أميركا أدبياً تدفع ثمنها لغاية اليوم.

ثالثاً: خلال زيارة رئيس وكالة الطاقة الذريّة الى طهران الأسبوع الماضي لتنشيط مفاوضات فيينا، شطبت إيران كلمة تفتيش من قاموس الضغوط عليها واستُعيض عنها بكلمة مراقبة مشروطة بموافقة إيرانية من جهة، ومشروطة أيضاً بإثباتات حسِّية لدى المراقبين الدوليين تستوجب التفتيش، مع إحالة الأمر الى الأمم المتحدة للنظر بموجبات التفتيش إن دعت الحاجة قبل اللجوء الى أية عقوبات بحق إيران، وعودة وفد وكالة الطاقة الذرية الى طهران أمس الإثنين تعكس أجواء تفاهمات تسير بمنحى إيجابي جداً.

وعلى هامش النصر الإيراني النووي، حقَّقت إيران منذ العام 2011 وحتى الآن معادلة إثبات الوجود كقوَّة عسكرية ضاربة على المستوى الإقليمي، وبين جيشٍ جرَّار وحرسٍ ثوريٍّ تُحرِّكهما العقيدة الإيمانية والولاء المطلق لإرشادات الوليّ الفقيه وللأمَّة الإيرانية التي تسودها ديموقراطية الشعب، غَدَت إيران القوَّة الأعظم في منطقة الخليج حيث غالبية الجيوش من المرتزقة، وشعوب تلك الدول رهينة رضوان "أولياء الأمر" من العائلات المالكة أو الحاكمة بدل الولاء للوطن الكريم الذي يضمن العدالة الغائبة عن ذمم سكان القصور.

وبين قوَّةٍ عسكرية مُذهلة بُنيت ذاتياً رغم الحصار، وموقعٍ استراتيجي على مضائق تصدير النفط، ونفوذٍ سياسي نتيجة مصداقية في السياسة الخارجية والإنفتاح حتى على الخصوم، بَرَزت الحاجة لإيران على مستوى الأمن الإقليمي خاصة في مواجهة الإرهاب الذي كانت سبَّاقة في مواجهته.

وتبقى اليمن، مع ما تمثِّله من رمزية للخيبة الوهَّابية في تدمير بلدٍ فقيرٍ عاصٍ على نفوذها وإملاءاتها، دون أن يُحقِّق تحالف العدوان أيّاً من أهدافه بعد أن ارتدَّت النار الى الجنوب السعودي الذي يخلو تدريجياً من سكانه على مدى الصواريخ اليمنية، ومع عودة "وفد الرياض" من جنيف بمثل ما ذَهَب، واستمرار المبادرة العُمانية التي قَضَت على أي دورٍ سعوديٍّ في المحادثات اليمنية – اليمنية، ها هي المكونات اليمنية تُعلِن من صنعاء وبحضور موفد الأمم المتحدة نزع الشرعية عن عبد ربّه منصور هادي وحكومة خالد البحاح، والسير في تشكيل مجلس رئاسي مؤقت لإدارة المحادثات وإحياء العملية السياسية بمباركة روسية – إيرانية – عُمانية مشتركة، وإذعان أميركي للأمر الواقع، واعتراف سعودي ضمني بالهزيمة أمام إيران سواء في العراق أو اليمن، والآتي قريب لإعلان النصر الإيراني الحاسم من البوابة الدولية...