23-11-2024 07:41 AM بتوقيت القدس المحتلة

اليونان: واشنطن تضع ثقلها.. وبرلين ترفض الرضوخ

اليونان: واشنطن تضع ثقلها.. وبرلين ترفض الرضوخ

حينما تسمع تناقض كلام زعماء كبرى الدول الأوروبية، يمكن الاستنتاج بسهولة مدى المأزق الذي يقيم فيه الجميع.


وسيم ابراهيم

حينما تسمع تناقض كلام زعماء كبرى الدول الأوروبية، يمكن الاستنتاج بسهولة مدى المأزق الذي يقيم فيه الجميع.

البعض يقول إن خروج اليونان من اليورو مستبعد تماماً. آخرون يقولون إن المسألة واردة، في حال رفضت اليونان مزيداً من التقشف. هكذا، لم تخرج قمة زعماء اليورو في بروكسل بحل. الأجواء القاتمة جعلت الرئيس الأميركي باراك أوباما يتدخل شخصياً، واضعاً ثقله خلف إيجاد حل مهما كان الثمن. اتصاله بزعيمي اليونان وألمانيا كانت رسالته واضحة: أي حلّ، بأيّ ثمن، لكن مع بقاء اليونان في اليورو.

لكن الرأي الأميركي لم يزحزح، على المستوى العلني، إرادة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. لا تزال برلين مصرّة على أن تدفع حكومة أثينا ثمنا سياسيا باهظا لأي خطة إنقاذ، غير مستبعدة في حال رفضها سيناريو الإخراج من اليورو.

يؤيدها في ذلك دول عديدة في منطقة اليورو. هؤلاء يريدون حشر حكومة اليونان اليسارية في الزاوية، لتختار بين المرّ والأمرّ. حجّتهم أن الخسائر الانتخابية في بلدانهم، إذا ضحوا بالأموال التي أقرضوها لليونان، أو بشروط التقشف التي التزم بها كل من حصل على الإنقاذ سابقاً. القاعدة متجددة هنا: من يطلب الإنقاذ عليه الاستسلام لقدر التقشف، وأي استثناء سيخلق سابقة تفتح الباب أمام دول مأزومة أخرى.

على عكس هذا التقدير، هناك تيار أوروبي، تتصدره فرنسا وايطاليا، يطالب بإيجاد مخرج وسطي. يريدون بأي ثمن تجنّب إخراج اليونان، والمجازفة بمستقبل تكتل العملة الموحدة، الاقتصادي والسياسي. ويوم الاحد المقبل سيكون موعدا حاسما، فمن المرجح ان يعقد زعماء اليورو قمة جديدة لمواصلة النقاش.

وسط هذا الخلاف المحتدّ، صارت حكومة اليونان تلتزم أقصى درجات الحذر. كان من المفترض أن تقدم مقترحاً جديداً لطلب خطة الإنقاذ الثالثة، وأن تعرضه خلال اجتماع وزراء مجموعة اليورو الذي سبق القمة. لم يحدث أي من ذلك. قدم الوزير اليوناني الجديد مجموعة أفكار عامة، شارحاً تبعات الأزمة المعقدة التي تعيشها بلاده. معظم نظرائه خرجوا من الاجتماع بملامح صارمة. قالوا إنهم لن يقرروا أي شيء، ولن يعطوا أي بصيص أمل، قبل أن يروا عرضا يونانياً مكتوباً يقرّ بحتمية التقشف الواسع.

عدم تقديم مقترح، لتدرسه مجموعة اليورو، كان مناورة مدروسة من رئيس الوزراء الكسيس تسيبراس. لم يرد أن تتحول القمة إلى محاكمة لعرض اليونان، خصوصا أنه لا يمكنه تقديم الكثير. المسألة واضحة: الشعب اليوناني قال «لا» صارمة، خلال استفتاء الأحد، للتقشف الذي طلبه الدائنون سابقا. بالتالي، ليس من الحكمة في شيء وعد الدائنين بالقبول بما رفضه الشعب بغالبية وازنة.

أراد تسيبراس أن يرى، قبل تقديم أي عرض، ما التنازلات الممكنة بعد انتصاره في الاستفتاء. الأهم بالنسبة إليه، كما صار واضحا، أن يحصل على قرار في المستوى السياسي الأعلى، وليس أن تتم جرجرة اليونان إلى التفاصيل الفنية ومتاهاتها. يعرف أيضا أن واشنطن تريد الحلّ الوسطي وستضغط لأجله. رؤية فريق تسيبراس أن عناوين الأزمة باتت واضحة، واحتمالات الخروج منها لا تحتاج إلا لإرادة سياسية من برلين ومعسكرها. في حال انعدام هكذا إرادة، لن تكون هنالك فائدة من الغوص في وحول التفاصيل الفنية.

لملء هذا الفراغ، جرى الاتفاق، شفهيا، في مجموعة اليورو على تلقّي مقترح قريبا. قالت أثينا إنها ستقدّم طلبا لصندوق الإنقاذ المالي لمنطقة اليورو، ومن بعدها على المؤسسات الدائنة تقديم تقييم شامل ليمكنها القرار. كل هذا سيحتاج وقتا، ولا يمكن إنجازه في غضون بضعة أيام. لكن وضع اليونان لا يحتمل، مع نظام مصرفي شبه مشلول الآن ويمكن أن ينهار قريبا، خصوصا مع إصرار البنك المركزي الأوروبي على عدم زيادة أموال الطوارئ لتعوّض نزيف الأموال المذعورة.

رفض اليونان الرضوخ للتنازلات المطلوبة، ترك أثره في تشاؤم ثقيل لم يكتمه خصومها التقشفيون خلال القمة. مع ذلك، يبدو أن الضغوط على برلين جاءت بنتائج أولية، وفق ما يمكن استنتاجه مما قاله لنا وزير المالية اليوناني الجديد إيوكليد تساكالوتوس.

كانت التقديرات السارية في أجواء القمة سوداوية تماما، ومنها ما سرى عن إمكانية الدعوة لقمة جديدة خلال أيام تخصص «لإدارة خروج اليونان» من اليورو، وفق ما قال مصدر ديبلوماسي للصحافيين في المجلس الأوروبي. لكن تساكالوتوس كان خارجا للتو من مكان اجتماع القادة، حين سألته «السفير» عن إمكانية الوصول لاتفاق. قال بوضوح إن اتفاقاً سريعاً خلال أيام «أمر مستبعد»، لكنه بدّد التقديرات التي تتحدث عن انهيار محادثات القادة، مؤكدا أن «هناك إرادة سياسية لإطلاق بداية جديدة» لعملية تفاوضية حول خطة الإنقاذ المطلوبة.

ميركل المتصلبة، استبعدت هذا السيناريو من أساسه. اعتبرت أنه «ليس هناك أسس للتفاوض حول برنامج» إنقاذ مالي جديد لأثينا، لافتة إلى أن هذا واقع نتيجة «لا» الاستفتاء اليوناني، «الأكثر من واضحة» كما قالت. اعترفت أن اليونان بحاجة لحل عاجل، لكنها شددت أن هذا الإسعاف لن تقدمه أموال الإنقاذ، بل يمكن للاتحاد الأوروبي تنكبّه تحت عنوان «التضامن».

لكن بخلاف هذا الموقف، اعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن ما يريده هو «أن تبقى اليونان داخل منطقة اليورو». الاتفاق برأيه ممكن «خلال أسبوع»، ولذلك طالب حكومة اليونان بتقديم «مقترحات جادة وموثوقة». لكنه أكد أنه يجب تقديم «مساعدة فورية». هذا الموقف على ما يبدو أنه مخرج متفق عليه، ممكن: أن تذهب اليونان وتطلب من الاتحاد الأوروبي أموالاً لإسعافها لكونها تواجه أزمة إنسانية.

نظرا لسوداوية كل الآراء السابقة، بدا رئيس الوزراء الايطالي ماثيو رينزي مثل سارح في حلم. خالف الرجل جميع التقديرات، معتبرا أن حل أزمة اليونان في النهاية «مسألة تقنية»، ويمكن بالتالي إنجازها خلال «الساعات المقبلة».

لكن البارز وسط كل هذا الأخذ والرد هو الحركة القوية التي قامت بها واشنطن. الرئيس الأميركي هاتف نظيره اليوناني، وأوردت وسائل الإعلام اليونانية أن أوباما عبّر عن «رغبته القوية» باتفاق حول اليونان. هذا التحرك جاء مؤشراً على وصول الخلافات إلى حافة الانفجار، مع تكرار التهديد بإخراج اليونان من اليورو. لكنه قبل ذلك يشير إلى مخاوف البيت الأبيض من خسائر مضاعفة. هناك أولاً الخسارة الجيوسياسة، إذا خرجت اليونان وذهبت للتحالف مع روسيا والصين، ثم تأتي الخسائر الاقتصادية للتعافي الأميركي من الأزمة المالية.

أوباما حادث ميركل أيضا قبل القمة. حينما كانت المستشارة داخل الاجتماع مع نظرائها، أصدر البيت الأبيض بيانا يحسم أن إخراج اليونان ليس خيارا مطروحا. قال البيان إن الزعيمين اتفقا خلال محادثتهما على ضرورة إيجاد «اتفاق دائم يسمح لليونان بمواصلة الإصلاحات، والعودة إلى النمو، وتحقيق القدرة على تحمل الديون داخل منطقة اليورو».

مع ذلك، حاولت بعض دول اليورو، المتضررة التسامح مع أثينا، الإيحاء بأن خيار خروج اليونان مطروح إذا لم تقدم التنازلات. المطلوب هو ممارسة أكبر ضغوط ممكنة على تسيبراس، ومن هنا تشديد ميركل على موقفها السلبي، حتى بعد سماعها شخصيا موقف واشنطن وضغوطها.

من معسكر المتشددين، سألت «السفير» بيتر كاسيمير، وزير مالية سلوفاكيا، إن كان خروج اليونان بات مستبعدا. قال من دون مواربة: «لأكون صريحا معك، لا يمكنني استبعاد (احتمال) خروج اليونان».

وزراء منطقة اليورو سيواصلون اجتماعاتهم، عبر الدائرة الهاتفية وفي بروكسل حين اللزوم. رئيس المجموعة يارون دايسلبلوم قال، ردا على أسئلة «السفير»، بعد انتهاء اجتماعهم، إنه «من المبكر التفاؤل، عليك أن تدرك أن ما تفكر به مجموعة اليورو هو أن مشاكل اليونان تحتاج إلى إصلاحات موثوقة لمواجهتها»، قبل أن يضيف «لذلك نحتاج السماع للحكومة اليونانية لنرى إذا كان في لديهم هكذا إصلاحات في ذهنهم، وإذا كانوا جاهزين سياسيا للقيام بهذه الإصلاحات».

الأجوبة اليونانية المسبقة، على تلك الاستفسارات، جاءت في استفتاء الرفض. لذلك سيستلزم اجتراح المخارج ضغوطا من الوزن الثقيل، تحديدا لتليين تصلب برلين، تماما كالتدخل الأخير من واشنطن وروسيا.. رغم تباين رهاناتهما في هذه اللعبة.

assafir.com

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه