كشفنا سابقاً عن أسباب اتهام إيران بالتخطيط لإغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، ولكن بقي لدينا تساؤل وحيد وهو لماذا اختير اسم عادل الجبير وحده دون غيره كهدف تريد إيران تصفيته وما علاقة الجبير
في الجزء الأول من التقرير كشفنا عن الأسباب الحقيقية لإتهام إيران بالتخطيط لإغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، وعودة الولايات المتحدة إلى خطتها الرئيسية باستهداف إيران بعد فشلها في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وكيف يجري التحضير لإتهام الجمهورية الإسلامية وسورية وحزب الله باغتيال رفيق الحريري. ولكن بقي لدينا تساؤل وحيد وهو لماذا اختير اسم عادل الجبير وحده دون غيره كهدف تريد إيران تصفيته وما علاقة الجبير بالموضوع أساساً؟
وللإجابة عن هذا السؤال لا بد أولاً من معرفة تاريخ هذا الشخص، ما هي علاقته بالكيان الصهيوني واللوبي الإسرائيلي في أميركا من جهة، وصداقته الحميمة مع آل الحريري من جهة أخرى، وكيف شاركت أميركا وكندا والسعودية والحريري في الإعداد لسيناريو اغتيال عادل الجبير بحضوره شخصياً!
صناعة أميركية ويحمل فكر الولايات المتحدة
ولد عادل بن أحمد بن محمد بن عثمان الجبير عام 1962 في قرية "حرمه" بمنطقة "سدير" وفي بيت لا ماء فيه ولا كهرباء، إلا أن والده أحمد واصل تعليمه حتى أصبح ملحقاً ثقافياً للمملكة في ألمانيا، حيث تعلم عادل وأخوته الستة هناك. بعدها عيّن أحمد الجبير ملحقاً ثقافياً في الولايات المتحدة، فانتقل وزوجته وأولاده إلى المجتمع الجديد، وهناك استقر بهم المقام حتى كان الأب لا يأتي إلى الوطن إلا نادراً، إلى أن تقاعد أحمد الجبير بعد 20 سنة قضاها في أميركا وقرر العودة إلى السعودية، إلا أن زوجته وأولاده رفضوا ذلك بعد أن تأقلموا في المجتمع الأميركي وفضلوا البقاء فيه، ما حدا بالأب إلى العودة وحيداً .
أكمل عادل دراسته في جامعة "نورث تكساس"، وحصل هناك على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1982، ثم حصل على ماجستير العلاقات الدولية من جامعة جورج تاون في العاصمة واشنطن عام 1984 (حيث درس سعد الحريري وأدمن المخدرات بحسب وثيقة ويكيليكس ). وفي العام 1986، استطاع الجبير أن يكسب ثقة السفير السعودي في واشنطن بندر بن سلطان فعينه مساعداً خاصاً له. بقي الجبير مقرباً جداً من بندر الذي زاد من صلاحياته حتى كاد أن يصبح هو المسير الفعلي للسفارة.
تقول مصادرنا إن الجبير المعروف هو صنيعة أميركية ويحمل فكر الولايات المتحدة، وقد عين سفيراً لبلاده في واشنطن بعد الإستقالة الغامضة للأمير تركي الفيصل من هذا المنصب الذي بقي فيه لمدة 15 شهراً، حيث قامت السعودية في 29 كانون الثاني 2007 بتعيين عادل الجبير على أن يتولى مهامه رسمياً بداية شهر شباط.
يعدّ الجبير من الشخصيات المألوفة لدى مؤسسات الإعلام الأميركية، وخاصة بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول 2001، حيث أوكل له النظام السعودي الرد على الانتقادات الحادة التي وجهها الأميركيون بعد أن ربطوا المملكة بما يسمى "الإرهاب". فمثلاً قام الجبير في حديث لقناة "فوكس" الأميركية بنفي ما ردده الأمير نايف بن عبدالعزيز في حواره مع صحيفة "السياسة" الكويتية من أن الصهاينة وراء أحداث 11 أيلول، مؤكداً أن أسامة بن لادن وحده هو المسؤول عنها. في العام 2004، حضر إلى واشنطن لاحتواء ردود الفعل الصهيونية واليمينية الأميركية على التصريح الذي أدلى به الملك عبد الله بأن "أيادي صهيونية تقف خلف 95 في المائة من الهجمات المسلحة في المملكة". وسعى إلى تنظيم رحلة لوفد من اليهود الأميركيين الأعضاء في الكونجرس إلى الأراضي السعودية حتى تتوقف هجمات اللوبي اليهودي ضد الملك. وبسبب ما تمتع به من قدرات في العلاقات العامة، أوكلت إليه مهمة الاتصال بالجماعات اليهودية والإسرائيلية والتنسيق معها، وحول هذا الدور، قالت صحيفة "جيروسيلم بوست" الإسرائيلية: إن عادل ظل، منذ بداية التسعينات، على اتصال وتنسيق مع الجماعات اليهودية، بما فيها منظمة اللوبي الصهيوني الأميركي "ايباك"، وسبق أن التقى بـيوسسي بيلين حينما كان وزيراً في حكومة العمل الإسرائيلية. وتفيد "جيروسيلم بوست" بأن الجبير، هو الذي أقنع الملك عبد الله، بتوجيه دعوة لتوماس فريدمان وإفراده بلقاء خاص. ويصف إبراهام فوكسمان، الزعيم اليهودي الأميركي ورئيس اتحاد مكافحة التشهير، عادل الجبير، بأنه يفهم أميركا، ودائماً ما يخبرك بما تريد أن تسمع.
أميركا وكندا والسعودية والحريري خططوا لاتهام إيران
في نهاية أيلول 2010 طار سعد الحريري إلى جدة والتقى الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان قد استقبل قبل اللقاء مدير وكالة الإستخبارات الكندية "ريتشارد فادن" يرافقه سفير كندا لدى المملكة ديفد تشاترسون، وقد حضر اللقاء رئيس الإستخبارات العامة في السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، مستشار الملك عبد الله الأمير عبد العزيز بن عبد الله، والسفير السعودي لدى الولايات المتحدة عادل بن أحمد الجبير! فما هو السبب الحقيقي لهذين اللقائين ؟
تكشف مصادر "موقع قناة المنار" أن التخطيط الفعلي لسيناريو اتهام إيران بمحاولة اغتيال عادل الجبير تمهيداً للصق تهمة اغتيال رفيق الحريري بها بدأ منذ هذين اللقائين. وتتابع مصادرنا شارحة أهداف اللقائين، فتقول: "ما الذي يمكن أن يجمع الملك السعودي بالحريري ولقائه بعد ذلك مباشرة مدير الاستخبارات الكندية بحضور ارفع جهات أمنية في المملكة وسفير المملكة في أميركا؟ فلنلاحظ أولاً أن رئيس لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري، والذي تحوّل لاحقاً إلى المدعي العام في القضية نفسها هو الكندي دانيال بلمار، والذي يجري التحكم به وتوجيهه من قبل الجهات الأمنية في بلاده التي التقاها الملك عبدالله، أما ثانياً فقد جاء عادل الجبير حاملاً معه الخطة الأميركية، فجرى التشاور بين جميع الأطراف واتخذ القرار، وكان الجبير قبل اللقاء قد وضع الملك في أجواء المخطط الذي أطلع بدوره سعد الحريري عليه قبل البت بالأمر، أما غياب بندر بن سلطان عن الصورة فهو طبيعي نظراً لانتفاء حاجة حضوره بوجود تلميذه عادل الجبير".
لقاءات في أميركا بدّلت المخطط .. سورية هي الهدف
إلا أن الأحداث المتسارعة في العالم العربي أخرت تنفيذ المخطط، حيث اعتقدت أميركا أنها لن تحتاج إليه مع سقوط النظام السوري وإضعاف إيران وحزب الله. فطار الحريري مجدداً آنذاك ولكن هذه المرة إلى أميركا بذريعة لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما، ونقلت آنذاك صحيفة "الرأي" عن مسؤولين أميركيين قولهم أن "وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بحثت في التوتر المتصاعد في لبنان سعد الحريري والملك السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في اجتماعين منفصلين في نيويورك. وقال مصدر حضر اللقاء بين كلينتون والحريري أن وزيرة الخارجية أكدت دعم الولايات المتحدة القوي لاستقلال لبنان ولعمل المحكمة الدولية التي تحقق في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري".
تتابع الصحيفة "أوضح دبلوماسيون أن السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير التقى الحريري أيضاً ولم يستبعدوا أن يعقد اجتماع بين رئيس الوزراء اللبناني والملك السعودي الذي يمضي فترة نقاهة في نيويورك اثر عملية جراحية خضع لها". وتضيف "الرأي"، "لم ترشح اي معلومات عن اللقاء، لكن الناطق باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي قال قبل الاجتماع انها ستؤكد بالطبع للملك ولرئيس الوزراء دعمنا للحكومة الديموقراطية في لبنان وكذلك دعمنا المستمر للمحكمة الخاصة. وتوجهت كلينتون من الفندق الذي يقيم فيه الملك عبد الله الى الفندق الذي ينزل فيه الحريري للقائه. وقال مصدر حضر الاجتماع مع الحريري أن وزيرة الخارجية عبرت عن دعمها القوي لاستقلال لبنان وسيادته ولمحكمة الحريري.. وغادرت وزيرة الخارجية الأميركية الفندق مؤكدة ان المحادثات ممتازة ولم تعرف أي تفاصيل عن المحادثات. وبعيد مغادرتها الفندق، شوهد السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير يتوجه إلى جناح الحريري للقائه".
لكن ما بقي سراً في هذه اللقاءات تكشفه اليوم مصادرنا فتقول "ببساطة لم ترشح معلومات عن هذه اللقاءات نظراً لسرية المحادثات التي جرت آنذاك، حيث جرى الإتفاق بين جميع الأطراف على تأجيل تنفيذ المخطط المرسوم لاعتماد واشنطن على خطة جديدة تستغل فيها الأحداث التي كانت قد بدأت في العالم العربي لتحقق مكاسبها منها، وفي الوقت نفسه تنفذ مخططها الرامي إلى إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وعندها تنتفي الحاجة إلى اتهام إيران بالتخطيط لاغتيال الجبير في هذه المرحلة على الأقل". كما تلفت مصادرنا إلى العلاقة الحميمة التي تجمع عادل الجبير بآل الحريري، إلى حد حضوره حفلات سعد، كما أنه استأجر منزلاً في حي الورود خلف مسجد الزنان بالقرب من منزل رفيق الحريري". ومن منا لا يتذكر التحدي الذي أطلقه سعد بعد ذلك مباشرة أي في 13 آذار 2011 ضد إيران وحزب الله، في استعراض غير موفق خلع فيه نصف ثيابه أمام ضريح والده؟
إذاً، إختارت واشنطن الشخصية العربية التي تكاد تكون الأقرب إلى قلوب الأميركيين، والتي تحمل فكرهم ومشروعهم وعاشت بينهم لعشرات السنين والهدف الأول من ذلك كان ضمان تصديق الإعلام الأميركي لرواية السلطة، إلا أنه ولسوء حظ الإدارة الأميركية فإن شخصية عادل الجبير المحببة لم تستطع التغطية على الثغرات الفادحة في السيناريو المرسوم، فعمدت إلى سحب الموضوع بسرعة من التداول الإعلامي كي لا يؤثر ذلك على قرار الأمم المتحدة بفتح تحقيق في الاتهامات. فمهما كان السيناريو الموضوع لم تكن أميركا قلقة أبداً من ردة الفعل السعودية وذلك لعلم المملكة المسبق بالخطة الجهنمية وإعدادها المسبق لطريقة التعاطي السياسي والإعلامي مع الحدث. أضف إلى ذلك أن حميمية العلاقة بين الجبير والحريري، وارتباطه الوثيق بالكيان الصهيوني، المستفيد الأول من اغتيال رفيق الحريري، والذي يضغط ليل نهار لاتهام إيران وحزب الله بتنفيذ الجريمة، دفعت بالجبير إلى الموافقة على هذا المخطط لا بل نقله شخصياً ورقة مخطط اغتياله إلى ملكه ومسؤولي الأمن في بلاده والكنديين ... وسعد رفيق الحريري الأمين المؤتمن على دم والده!
بعد سيناريو اغتيال الجبير.. إيران وسورية وحزب الله قتلوا رفيق الحريري - الجزء الأول