23-11-2024 07:34 AM بتوقيت القدس المحتلة

خطيب بلا مبادرة

خطيب بلا مبادرة

«هضامة» الشيخ سعد، في معرض ردّه على خطاب السيد حسن، ستكون المادة الوحيدة التي سيتبادلها المناصرون خلال الايام القليلة المقبلة. أما بقية الخطاب

 

ابراهيم الأمين

 

«هضامة» الشيخ سعد، في معرض ردّه على خطاب السيد حسن، ستكون المادة الوحيدة التي سيتبادلها المناصرون خلال الايام القليلة المقبلة. أما بقية الخطاب، فسيجري إهمالها، كحال ما سبقه خلال العامين الماضيين. ليس لأن الحريري لم يقل شيئاً، بل لأن الحريري لا يزال في دائرة الفاقد للمبادرة.

يمثل الرئيس الحريري اليوم، في السياسة وغيرها، القطب المقابل للقطب الآخر الذي يمثله السيد نصرالله في معادلة الانقسام اللبناني. الصحيح في ما قاله الرجل أمس أن الجمهور المؤيد له لا يزال يمثل الاغلبية في شارع 14 آذار، وأن تيار «المستقبل» لا يزال يمثل القوة الأكثر نفوذاً في الطائفة السنية، وأن المجموعات المتطرفة لا تملك من الرصيد الشعبي ما يكفيها لقلب الطاولة.

وجاءت أحداث طرابلس، وقبلها صيدا، وما يجري في البقاعين الاوسط والغربي، وما قامت به وزارة الداخلية من خطوات، لتؤكد أن القوى المتطرفة لا تمثل أكثر من صوت مرتفع في وجه الخصوم، لكن، ليس لدى هذه المجموعات التفويض لقيادة معارك الجنون.

مشكلة الحريري أنه بلا مبادرة. صار يحترف التوصيف والتوصيف والتوصيف، لكنه لا يقدم أبداً أي حل عملي. وفي التدقيق، تسمع من القريبين منه كلاماً عن أن جمهوره يعيش حالة احتقان تجعل المبادرة الفعالة الوحيدة، هي تلك التي تجاري التطرف. وفي هذا التبرير، ما يعزز الاقتناع بأن الحريري لا يملك القدرة على فعل شيء. لكن الأخطر هو بروز مؤشرات على أن الحريري لا يملك الاقتناع بمواجهة التطرف، وبالتالي لا يرى نفسه مضطراً إلى القيام بمبادرة، لأنه يعتبر كل محاربة لهؤلاء فيها مكاسب لخصمه الاول، أي حزب الله.

عملياً، يعود الحريري في كل مرة، ومنذ عامين تقريباً، الى الخلاصة ذاتها: نحن لسنا المشكلة، نحن نواجه حملة إلغاء ضدنا، ونحن لا نريد الدخول في مواجهة مع أحد! لكنه أضاف أمس شعارات مستجدة مثل: نحن لا نراهن على تغييرات إقليمية، بل غيرنا الذي يفعل ذلك!

لم يكن الحريري مضطراً إلى هذه الخلاصة الضعيفة جداً. فجمهوره لا ينتظر منه ذلك. وإذا كان منزعجاً من محاضرات تلقى عليه من قبل الآخرين، فمن الواضح أن آخر ما يريده منه جمهوره، قبل الآخرين، أن يقدم درساً في العلوم السياسية. جلّ ما يمكن لهذا الرجل أن يقوم به، الآن، هو مغادرة مربع التعطيل، لأن جمهوره يريد منه الخلاصة بعد سنوات التعبئة المذهبية الشديدة. جمهور الحريري يريد منه الجواب عن السؤال الصعب: ما العمل؟

مع الأسف، حال الحريري، اليوم، كحال 8 آذار بين عامي 2005 و2008، أي امتلاك حق النقض ومنع القرارات الكبرى. وإذا كان الكل يعتقد بأن حزب الله في تلك الفترة لجأ الى قوته في الشارع لتكريس حق الفيتو، فإن الحريري يلجأ، اليوم، الى قوته داخل مؤسسات الدولة لممارسة حق الفيتو، وهو ما يفعله عندما يعقد صفقة مع حلفاء له في السلطة، تقضي بتجميد كل شيء، ما لم تتضح صورة المرحلة المقبلة. واللجوء الى ذرائع وتوصيفات في سياق حديثه عن واقع مجلس الوزراء وملف التعيينات الامنية والانتخابات الرئاسية، لن يقدم ولن يؤخر.

الحريري، اليوم، لا يمكنه إطلاق أي مبادرة بشأن حراك تياره إزاء الازمة السورية. لقد فعل كل ما بوسعه لدعم خصوم الرئيس بشار الاسد، ولم يحصد ما يتمناه، بل بات يشعر بخطر من استولى على شارع المعارضة السورية. والحريري فعل كل ما في وسعه لإبقاء بعض مناطق لبنان ساحة للعمل من أجل دعم خصوم الاسد، ولم يحصد ما يتمناه. وهو، اليوم، يشعر بخطر المجموعات المتطرفة على قواعده، وهذا ما دفعه الى التصرف كما تصرف في صيدا وطرابلس. الحريري فعل كل ما في وسعه لتحويل لبنان كله الى مركز دعم لخصوم الاسد، لكنه لم يحصد ما يتمناه، وهو، اليوم، يشعر بفقدان قسم من الجمهور المسيحي والدرزي الذي بات يجهر بمخاوفه حيال خصوم الاسد في سوريا.

وبدل أن يذهب الحريري، مرة واحدة، لمعالجة مشكلته الرئيسية الواقعه ضمن ملعبه، تراه يرشق جيرانه بالحجارة. وهذا لن ينفع في شيء. وستبقى الأسئلة الملقاة في وجهه عالقة من دون جواب:

ــ ما الذي يمنع إجراء انتخابات نيابية جديدة، وفق قانون لا أكثري، غير الخشية من خسارة الاغلبية الحاكمة؟

ــ ما الذي يمنع تعيين قائد للجيش، الآن، غير أن من هو قادر على تولي هذا المنصب سيتصرف بطريقة مختلفة عمّا يفعله العماد جان قهوجي اليوم؟

ــ ما الذي يمنع انتخاب رئيس للجمهورية يختاره المسيحيون من بين عدة مرشحين أقوياء، غير معرفة الحريري أن الرابح لن يكون من بين حلفائه؟

ــ ما الذي يمنع تعديلات جوهرية وجذرية في القوانين الناظمة لإدارة المال العام، غير أن الحريري يعرف أن الفريق السياسي ــ الاقتصادي ــ المالي (غير الطائفي) الذي يمثله، سيكون أول الخاسرين؟

ــ ما الذي يمنع الشروع في خطة تعبئة مباشرة وصدامية، لمواجهة الفكر التكفيري، وبمنطق يقدر عليه الحريري وفريقه اللصيق، غير أنه يخشى أن يكون ثمن ذلك انفجاراً أهلياً داخل طائفة محددة؟

من الآن، حتى إشعار آخر، لا يمكن توقّع خطاب للحريري فيه غير ما قاله أمس، اللهم إلا إذا لجأ الى ظرفاء يبعدون عنه النكات البائخة؟


http://www.al-akhbar.com/node/237741


موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه