23-11-2024 07:17 AM بتوقيت القدس المحتلة

حزب الله..عمامة السلام وخوذة الحرب

حزب الله..عمامة السلام وخوذة الحرب

عندما أدَّى السيد حسن نصرالله في إطلالة "يوم القدس"، التحية العسكرية للنموذج الكويتي في التعامل مع الإرهاب الذي ارتُكِب في مسجد الإمام الصادق، لم يكن سماحته يعتمر الخوذة العسكرية بل عمامة الدين والسماحة والسلام.


أمين أبوراشد

عندما أدَّى السيد حسن نصرالله في إطلالة "يوم القدس"، التحية العسكرية للنموذج الكويتي في التعامل مع الإرهاب الذي ارتُكِب في مسجد الإمام الصادق، لم يكن سماحته يعتمر الخوذة العسكرية بل عمامة الدين والسماحة والسلام وقال: يجب التنويه، أن الكويت أميراً وحكومة ومجلس أمَّة وقوى سياسية وعلماء سنَّة وشيعة وعامة الناس، قدموا نموذجا رائعا في التعاطي مع هذه الجريمة، وهذا ما يجب أن يحصل عند كل اعتداء على مسجد أو كنيسة أو حسينية أو سوق تجاري في أي بلدٍ عربيٍّ أو إسلاميّ، وقارن سماحته بين الإجراءات الكويتية الواعية لدرء الفتنة والحفاظ على وحدة البلد، وبين ما قامت به السلطات البحرينية عندما أطلقت داعش تهديداتها بتفجير المساجد في البحرين، وحاول النظام البحريني الاستفادة من هذه التهديدات بمزيدٍ من القمع للتحركات الشعبية السلمية المرتبطة بالحقوق المطلبية.

تطرَّقنا الى موضوع الجمع بين عمامة الدين التي تدعو الى السلم والمحبة والتآزر والتعاضد بين أبناء المجتمع، وبين خوذة الحرب في معارك مقاومة العدوان واسترداد الحقوق المسلوبة ورفض الإستكبار ورفع الظلم عن كاهل المستضعفين، لأن هذا الجمع هو جزءٌ من فلسفة التعبير عن الثوابت الإيمانية والوطنية لحزب الله ومدرسة المقاومة، والتي تنطلق من سماحة الدين في الفهم الإنساني العام للقيم المشتركة الجامعة للأديان والمذاهب، ولعل للقدس بكافة مقدساتها، رمزيتها العظيمة في النضال الإنساني لدى المؤمنين بالقضايا العادلة، والحاجة الى إبقائها رمزاً للإرادة الصادقة والفاعلة في استعادة الحقوق، هذه الحقوق الغائبة حالياً عن حسابات زعماء الدول العربية والإسلامية، والحاضرة في الوجدان الشعبي من خلال التظاهرات الشعبية في العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية، وهذا مؤشّرٌ مهم جداً، بأنه ما زال هناك من يتذكَّر القدس ويخرج الى الشوارع أو يجتمع ويحيي ويرفع صوته لنصرة هذه القضية كما جاء في كلام السيِّد.

وما قاله سماحته عن أن إيران هي الدولة الوحيدة المتمسِّكة على المستوى الرسمي الإسلامي باستعادة القدس، إضافة الى الإجماع الشعبي، أقرَّ به المحلِّل السياسي في القناة الثانية للإذاعة الإسرائيلية  "إيهود يعري" وتقاطعت معه القنوات الإسرائيلية التي تتابع باهتمام إطلالات السيِّد، وأكَّدت القناة الأولى صحَّة الخطر الوحيد على إسرائيل من إيران دون سواها، قياساً الى الوضع العربي المتخاذل.

 وليس أدلّ على صحَّة ما يراه السيِّد برؤيته الصادقة، أن أسلحة للجيش اللبناني بمليار دولار وضعت إسرائيل على نوعياتها أكثر من فيتو وما زالت، بينما لم تحرِّك ساكناً أمام ما يُقارب 118 مليار دولار من صفقات الأسلحة التي عقدتها الدول الخليجية وفي طليعتها السعودية مع أميركا والغرب، لأن إسرائيل ضامنة للأمان الذي توفِّره لها دول ما يُسمَّى "الإعتدال العربي"، وبأن طلقة واحدة لن توجَّه إليها من آلاف الأطنان من أسلحة هذه الدول، وأنها  تعلم أن النظام الرسمي العربي باعها فلسطين والقدس والشعب الفلسطيني.

وفي إضافة السيِّد نصرالله عن "مؤتمر هرتزليا" الذي عُقِد في حزيران، والذي بحث فيه الإسرائيليون الشؤون الإستراتيجية، خرجوا بخلاصات تقول ان هناك تحسناً في البيئة الاستراتيجية والاقليمية لاسرائيل، لأن القادة الصهاينة لم يجدوا في أمة المليار ونصف مليار مسلم تهديدا لوجود كيان صغير يحتل فلسطين، ولم يجدوا في الانظمة ولا الجيوش ولا أسلحة الجو والمدرعات والصواريخ اي تهديد و هي غير خائفة من أحد إلّا إيران، وبطبيعة الحال تخاف ممَّن يقف في خندق الحق مع إيران سواء في سوريا أو لبنان.

وبالوصول الى لبنان، فإن السيِّد نصرالله لم يقصد بإلغاء عبارة "طريق فلسطين تمرّ من جونيه" طمأنة اللبنانيين عموماً والمسيحيين بشكلٍ خاص، لأنهم أصلاً في غاية الطمأنينة لتوجُّهات المقاومة وسياساتها الوطنية، بل يقصد التعامل بواقعية مع التطورات الميدانية في الإقليم وانهيار بعض الأنظمة العربية وصمود النظام السوري الذي لو سقط لا سمح الله سقطت معه فلسطين، لأن سوريا هي المعقل العربي الرسمي الوحيد الباقي رمزاً للمواجهة مع إسرائيل، وأن "القتال تحت الشمس" للمقاومة في سوريا هو من أجل سوريا وفلسطين ولبنان، ومن لديه خيارات أخرى فليتفضَّل بطرحها كما قال سماحته.

المشكلة الكبرى لدى البعض في لبنان والعالم العربي، أن العدو الإسرائيلي يُتابع المستجدَّات وفق المُطالعات الرؤيوية للسيِّد نصرالله ويتصرَّف على أساسها في تحصين نفسه، ولَجمِ مغامراته وحماقاته، ونحن لا نُجيد قراءة واقعنا، والبعض منا لا يسمع من يَصدِقنا القول في كيفية مواجهة مصائرنا، وشيءٌ جيّدٌ أن نسمع من البعض بعد إطلالة "يوم القدس" ما ردَّده سيد المقاومة عدَّة مرات بعدم الرهان على الخارج لإحداث تغيير داخلي، سيما وأننا خلال أسبوعٍ واحدٍ شَهِدنا تطورات إقليمية ليست لصالح من كانوا يُراهنون على الخارج.

من اللمسات التقنية الأخيرة التي تُوضع على الإتفاق النووي الإيراني، الى تضامن أبناء الأنبار مع "الحشد الشعبي" في مواجهة تكفيريي داعش سواء في الرمادي أو الفلّوجة، الى الإنجاز الأهمّ عبر التقدُّم الذي يُحرزه الجيش السوري ورجال المقاومة في الزبداني التي تعتبر آخر معقل للتكفيريين على الحدود مع لبنان، وانتهاء بالنهاية الخائبة لما تُسمَّى "عاصفة الحزم" في العدوان السعودي على اليمن، وعسى أن تكون هذه التحوّلات حافزاً لمن كانت عينه على "الربيع العربي" لقطف ثماره في لبنان أن يتوقَّف عن رهاناته، وله بين اللبنانيين جيشاً وشعباً ومقاومة كل ترحاب ومن سيِّد عمامة السلام، تحيَّة السلام...