في 17 أيار من العام 2010 وقف رئيس الحكومة التركية وقتها رجب طيب أردوغان مع رئيسي إيران والبرازيل ليعلنوا ولادة اتفاق سمّي بـ «إعلان طهران»، يجد مخرجاً لأزمة البرنامج النووي الإيراني.
محمد نور الدين
في 17 أيار من العام 2010 وقف رئيس الحكومة التركية وقتها رجب طيب أردوغان مع رئيسي إيران والبرازيل ليعلنوا ولادة اتفاق سمّي بـ «إعلان طهران»، يجد مخرجاً لأزمة البرنامج النووي الإيراني. وكان المخرج أن تتوقف إيران عن تخصيب اليورانيوم على أراضيها على أن تقوم بذلك على أراضي تركيا، وكل هذا برقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
اعتُبر ذلك الاتفاق انتصاراً كبيراً للديبلوماسية التركية والبرازيلية، التي كانت تصعد عالميا مع الرئيس لولا دي سيلفا، فيما كان رجب طيب أردوغان يعلو نجمه في سماء الشرق الأوسط في ذروة سياسة ما سمي بـ «صفر مشكلات».
الاتفاق بالطبع لم ينفّذ، لأن الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، قالت إنه لا يلبي تطلعاتها لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، علما أن أردوغان حينها كان يحاول ترجمة رسالة من الرئيس الأميركي باراك أوباما إليه يشجعه على مثل هذا المسعى. أردوغان حينها ردّ سبب الاعتراض الغربي إلى «الغيرة» من النجاح التركي.
تقفز تلك المشاهد إلى الذهن مع توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5+1» في فيينا، بعد خمس سنوات بالضبط على «إعلان طهران».
اليوم مع الاتفاق النووي الجديد تجد تركيا نفسها وجهاً لوجه أمام متغيّر في التوازنات الإستراتيجية له ايجابياته وله سلبياته على مصالحها، وعلى دورها وموقعها في المنطقة.
لا شك أن الأتراك، لا سيما رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته احمد داود اوغلو، يضربون كفاً بكف على فشل اتفاق العام 2010. فالثنائي التركي يجدان اليوم نفسيهما غائبين عن أي دور في الاتفاق الجديد، بعدما كانا أم الصبي في اتفاق 2010.
وهذا بالطبع يثير أسئلة بات جوابها معروفاً، وهو أن تركيا فقدت أدوارها القديمة، بعدما انقلبت على سياساتها الشرق أوسطية، وأصبحت في سوريا والعراق وفي لبنان وفلسطين بمثابة خصم لإيران، فسقطت من عين المفاوض الإيراني لتنتقل المباحثات النووية من اسطنبول إلى بغداد وكازاخستان وجنيف وفيينا. خسرت أنقرة الدور الوسيط، لأنها خسرت الثقة بنياتها وأفعالها بعد بدء ما سمّي بـ«الربيع العربي». لذلك إذا كان هناك خسارة لتركيا من الاتفاق النووي الجديد، فهو غيابها عن «الصورة» في فيينا بعدما كانت في قلبها قبل سنوات. هذا من حيث الشكل المعبّر حتماً عن مضامين.
بعد أربع سنوات على بدء «الربيع العربي» في المنطقة، كانت تركيا تدخل في مواجهات كسر عظم مع السياسات الإيرانية في المنطقة. وكانت سوريا والعراق أبرز ميدانين لهذا الصدام. وبلغ الخلاف بين البلدين ملامسة تركيا خطوطاً حمراء في الخطاب الديبلوماسي، عندما مسّ أردوغان ومسؤولين في «حزب العدالة والتنمية» بحساسيات عقائدية تخص الشيعة، إيذاناً بأن المعركة لا هوادة فيها، وتستخدم من اجل كسبها كل الأسلحة المشروعة أو المحرّمة عقائدياً.
فشلت تركيا في أن تكسر «العدو» الإيراني، وإن وضعته في موقف صعب في سوريا وحتى في العراق، وفشلت في إسقاط هدفها الأول والأخير الرئيس السوري بشار الأسد. وبالتالي فإن أهداف تركيا المعلنة في البلدين قد أخفقت. أكثر من ذلك فقدت أنقرة الكثير من دورها وتأثيرها في مصر وليبيا والخليج والأردن وشمال أفريقيا، وأصبحت كأنها معزولة.
الاتفاق النووي الجديد لا يمكن أن يكون تقنياً صرفاً. ورغم ما يصرح به المسؤولون الغربيون والإيرانيون فإن له تداعيات سياسية. فما قبل الاتفاق شيء وما بعده شيء آخر. هذا لا يعني أن إيران دخلت في تحالف مع الغرب، لكن مقاربة الغرب لقضايا المنطقة لن تعود كما كانت من زاوية أن إيران عدو، لا بل سيفتح أمام الاعتراف بدور إيراني وازن في القضايا الإقليمية.
وبما أن «التهديد» النووي قد أزيل، أو هو تحت المراقبة، فإن التعاون مع طهران في القضايا المختلفة، ومنها السياسية، بات ممكنا. من دون الاتفاق كان الدور الإيراني قوياً جداً، فكيف بعد الاتفاق وانفتاح مروحة العلاقات الاقتصادية بين إيران والغرب؟ هنا بالضبط تنشأ المخاوف التركية من أن يكون تصاعد الدور الإيراني على حساب تراجع الدور السياسي التركي، خصوصاً أن إيران سوق كبيرة للشركات الغربية، ويحتاج اقتصادها، بسبب العقوبات الاقتصادية، لأشياء كثيرة في مرحلة إعادة التأهيل وإطلاق عجلة التنمية من جديد.
يضاف أيضاً إلى المخاوف التركية أن الاتفاق يأتي في مرحلة الصدام بين أنقرة وطهران في المنطقة، وبالتالي سيكون تلقائياً لحساب تخفيف الضغوطات الغربية على إيران. ولو أن الاتفاق جاء في مرحلة تعاون تركي - إيراني لكان الحديث ذهب في وجهة أخرى. ولكان أيضا في وجهة أخرى لو أن العلاقات بين تركيا والغرب تمر في مرحلة طبيعية وجيدة. لكن التوترات بين الغرب وأردوغان تفاقم من عوامل الخوف التركي في صعود القوة الإيرانية على حساب النفوذ التركي، المتهالك أصلا. والاتفاق الإيراني - الغربي هنا قد يكون مدخلا لتعاون أكبر لمحاربة «داعش وأخواته» وبالتالي خسارة تركيا أحد أبرز أذرعتها للتأثير في المنطقة.
إذا كان لتركيا أن تتلافى التأثيرات السلبية الجيوبوليتيكة للاتفاق عليها فهذا ممكن من خلال تغيير سياساتها الحالية، وهو ما دعا إليه الرئيس التركي السابق عبدالله غول، الذي وصف قبل أيام سياسات أردوغان في المنطقة بأنها غير واقعية.
في المقابل فإن تركيا ستكون سعيدة من نجاح الغرب في تعطيل إمكانية تحول إيران إلى قوة نووية مسلحة، وبالتالي إزالة تهديد استراتيجي عنها كان سيتطلب دخولاً في سباق نووي مكلف.
غير أن المجال الأكثر ربحاً لتركيا سيكون بلا شك على الصعيد الاقتصادي، حيث ستكون أنقرة من أكبر المستفيدين اقتصادياً من الاتفاق النووي. إذ إن تركيا في علاقاتها الثنائية المباشرة مع إيران كانت الأكثر اختراقاً للعقوبات الغربية على إيران التي تحفظ لها هذا «الجميل» ولا تنكره، وهو من أسباب مواصلة طهران علاقاتها الثنائية الجيدة مع أنقرة، وهذا سيعطي الشركات التركية أفضلية معنوية لدى الجانب الإيراني.
ومع ذلك، فإن هذه العقوبات كانت تحد من انطلاق التعاون الاقتصادي بين البلدين. أما الآن فإن الأبواب ستكون مفتوحة أمام تنمية التجارة الثنائية، وأمام الاستثمارات التركية في إيران. وسيكون قطاع الطاقة من أبرز قطاعات التعاون بين البلدين، وخصوصا مشاريع نقل النفط والغاز الإيراني إلى أوروبا عبر تركيا.
وفي المحصلة يمكن القول، من حيث المبدأ، إن تركيا خاسرة سياسياً ورابحة اقتصادياً من الاتفاق النووي بين إيران والغرب.
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه