تمكّن "درب الياسمين" بفنية متخيّلة أن ينقل للمشاهد نماذج من واقع ناصع بالإرداة الحرة والشريفة وأن تشدّ عيني المشاهد إليها ويبقيه متيقظاَ بل يدخله في صميم الحدث وتطوراته مطلقاً العنان لتوقعات عديدة فإذ يفاجئه بمسارات أخرى
"درب الياسمين"، حكاية أصبح عمرها 28 حلقة، متابعوها ليسوا من لبنان فحسب، فهو يبثّ في أربعة بلدان هي اليمن والعراق وسوريا والكويت، يروي حكاية أهل قرية هي من صلب تاريخ هذه الشعوب، مقاومة الاحتلال مع كل ما تحمله هذه المقاومة من أعباء جسام، وكان التحدي الكبير الذي بدأ يثبت أن العين تقاوم المخرز، سألتها العميلة لياسمين (الممثلة زينة مكي) عن حقيقة إيمانها بهذه المقولة التي راح يرددها الشعب الجنوبي اللبناني الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي قالت لها "الأيام القادمة ستثبت ذلك".
"درب الياسمين"، (كتابة فتح الله عمر؛ إخراج إيلي حبيب) يرصد البيئة الاجتماعية والجهادية لقرية جنوبية في الفترة الممتدة بين حزيران/ يونيو 1996 وأيلول/ سبتمبر 1999. وتسلّط حبكة العمل الضوء على بعض عمليّات المقاومة العسكريّة والاستخباريّة، في حبكة مأخوذة عن أحداث حقيقيّة.
بين وجهي المقاومة والعمالة :
أحداث العمل تجري في قرية أنصارية التي جعلت العدو الاسرائيلي يدفع ثمناً غالياً على أرضها ضمن حبكة درامية تحوم حول عائلة، جميع أفرادها ينتمون إلى الخط المقاوم. محمود الضابط المغوار(كارلوس عازار)، وعمّار العميل المزدوج الذي أجاد أداء دوره الممثل نيكولا مزهر، والأخ الأسير في معتقل الخيام الذي يتغلب على سجانه، وياسمين التي تكتشف حقيقة زوجها العميل (باسم مغنية) فيجعلها تعاني الأمرين كي لا تفضح سره المهين. في قالب هذه الحبكة يقف محوران بموازة بعضهما البعض، المقاوم والعميل.
المقاوم، شخصية كانت تبذل المجهود الكبير لاقناع الناس بجدوى العمل المقاوم، وقدرته على تحرير الأرض، فبعدما قطعت المقاومة اللبنانية أشواطا في دربها منذ بداياتها في العام 1982، حتى العام 1996، كانت روح المقاومة قد أخذت تترسخ بين الناس بفعل نجاحات المجاهدين واقتصاصهم من العدو في عملياتهم النوعية. وكانت السرية هي العامل الأبرز الحامي لانجاح الفعل المقاوم. في الحين نفسه، كانت العمالة لا تزال تسري في روح ضعاف النفس والإرادة، حتى أمست لدى بعضهم خياراً. سمير (باسم مغنية) ولبنة (الين لحود) أديا الدور نفسه كل من منطلقاته الخاصة، كيف يمكن للعميل التعايش مع دناءة عمله وعاره ويبّرر لنفسه كل ما يخدم به عدو وطنه وأمته..! .
أستطاع "درب الياسمين"، في شكل مغاير، عن الاعمال الدرامية السابقة لمركز بيروت للانتاج، أن يقدم هذين النمطين في إطارهما الاجتماعي والانساني أولا قبل العسكري والمخابراتي. في وجه العمالة، يقول الممثل باسم مغنية الذي يؤدي دور "سمير"العميل" لموقع المنار بأن "الحقبة الزمنية التي غطّاها المسلسل كان يكثر فيه العملاء والخونة، حيث كانوا متغلغلين بين افراد المجتمع، وكانوا يظهرون أنفسهم أنهم مثال للقدوة والمثل الأعلى، فـ"سمير" شخصية تملؤها التناقضات، رغم حبه الشديد لزوجته إلا أنه عندما تكتشف حقيقته يدّبر لها مؤامرة ليأمن أنها لن تكشف سرّه، ففي الوقت نفسه لم يتمكن من التخلص منها لحبه لها ولم يتمكن من الاعتراف لأخيها محمود بالحقيقة رغم محاولاته وكان يفشل في التغلب على ضعفه. من هنا سمير يظهر للمشاهد الحقيقة المرة لمصير العميل والذي سيكون مآساويا ولن أكشف عنه حتى لا نستبق الأحداث وهناك احداث ستكون مفاجأة للمشاهدين، فالخيار الأساسي الذي انطلق منه كان خاطئاً تماماً وبطبيعة منطق الحياة سيوصله هذا الخيار إلى نتيجة مخزية لحياته".
أما "لبنة"، والتي تتحول إلى العمالة خلال تطور الشخصية في المسلسل، والتي تؤدي دورها الممثلة ألين لحود، أكدت لموقع المنار أن لا شيء في الحياة يمكن أن يغفر للعميل عمالته مهما اشتدت عليه الضغوط والظروف الصعبة، "ولأقول لك من أي منطلق، ففي البداية يتخلى عن جزء من نفسه وشخصيته وتدريجياً يصل به الأمر إلى التخلي عن الذات والانتماء ليصبح بعد ذلك خيارا واضحاً لديه لا لبس فيه. عندها يبيع نفسه وأهل بيته وضميره وكرامته، واعتقد هذا ما قامت به "لبنة" التي وصل بها الأمر أن تاجرت بابنتها التي من المفترض أن تكون أغلى ما لديها، وما دفعها إلى ذلك، تماما مثل شخصية سمير، الحب الكبير للمال والتملك على حساب الكرامة والوطنية والشرف.
"لحود" و"مغنية" : القيمة الفعلية القدرة على إيصال الرسالة والمسلسل تجاوزت أصدؤاه لبنان
لا يبدو أن رهبة دور "العميل" وما يمثّله من تعقيد نفسي يتطلب مهارة عالية في إبراز معالم شخصيته قد أخافت الممثل باسم مغنية أو الين لحود. فالأخيرة تقول إنها رأت هذا الدور تحدياً كبيراً لها لتؤديه على الشاشة عندما اقترحه عليها مدير الانتاج الحاج بلال زعرور معززا لديها رؤيته لها ممثلة قادرة على إيصال الرسالة في هذا الدور الصعب. ولم يشكّل لها افتراض أن يكرهها الجمهور إزاء ما يصدر منها من أفعال قبيحة خوفاً على مكانتها الفنية، بل هي تعدّ ذلك ناجحاً للدور عندما تدفع بالحالة الشعورية عند المشاهد لكره مثل هذه الشخصيات، "هنا يكون الممثل ٌقد أدى دوره وأوصل الرسالة من خلفه.
"مغنية" يوافقها الرأي نفسه، وهو يعتمد في ذلك على مشواره الفني، مثل أدواره في "الغالبون" بجزئية الأول والثاني، وقيامة البنادق، وغيرها من المسلسلات، وأن المشاهد بمقدوره تماماً التميز بين باسم مغنية وبين "سمير" الدور الذي يؤديه. ويقول إن دوره في المسلسل يشكل نقلة نوعية، وهي أراء تلقاها من الوسط الفني والاجتماعي، حيث يواكب المسلسل بشكل يومي، نظرا للجديد الذي يقدمه وهو غلبة الطابع الاجتماعي والإنساني والصراع الخفي بين المقاومين والعملاء.
أما "لحود"، فتقول إنها تفاجآت تماماً من الأصداء القوية التي يحققها المسلسل، وليس في لبنان وحسب، بل في الخارج، "في الحقيقة تفاجات بالكم الهائل من الناس الذين يشاهدون درب الياسمين"، وتعلّقهم به. فهو في طبيعة الحال جزء من حياتهم الاجتماعية الحقيقية التي يعايشونها يوميا، أحداث وقعت في فترة قسم كبير منها الناس سمعت عنها ..والحبكة الفنية للمسلسل خلقت حب الفضول لدى المشاهدين لترى كيف يمكن أن تتشكل عائلات متجاورة فيها المقاوم والعميل في آن واحد، وكيف هو المسار لكشف العملاء واي مصير سيلاقونه .. حتى أن لدي أصدقاء لبنانيين واجانب في بلجيكا وفرنسا وسويسرا، مواظبين على حضور المسلسل بشغف كبير، والأجانب نرسل لهم "اللينك" لكل حلقة وهناك لبنانيون يترجمون لهم تباعا، فيرسلون لي تعليقاتهم كيف أنهم تعلقوا بالمسلسل ويتابعونه يوميا على الانترنت.."
"مغنية"، الذي يثّمن عالياً الأمان في لبنان بفضل المقاومة والمجاهدين، إلا أنه تمنى المزيد من الآمان والطمأنينة في لبنان والبلاد العربية، الأمر الذي يفسح للدراما القيام بدورها الإيجابي في المساهمة بتثقيف المجتمعات. "لحود"، وجّهت تحية شكر إلى مركز بيروت للانتاج الدرامي الذي يتمكن في كل مرة من جمع الممثلين اللبنانيين من جميع الفئات، وخاصة جهده في إعادة الاعتبار لممثلين منذ مدة طويلة لم يظهروا على الشاشة، ومن حقهم أن يبقوا متواجدين في عالم الدراما في لبنان. "شكري الخاص للحاج بلال زعرور وادعو الله أن يبقيه بهذه الهمة العالية".
من جديد يتمكن مركز بيروت الدولي للانتاج الفني من تقديم عمل فني مغاير عن سابقيه ليسلك به الموسم الرمضاني المبارك هذا العام، إذ تمكّن "درب الياسمين" بفنية متخيّلة أن ينقل للمشاهد اللبناني والعربي نماذج من واقع ناصع بالإرداة الحرة والشريفة التي كانت تحقق النصر تباعاً وأن تشدّ عيني المشاهد إليها ويبقيه متيقظاَ بل يدخله في صميم الحدث وتطوراته مطلقاً العنان لتوقعات عديدة فإذ يفاجئه السيناريو بمسارات أخرى. "درب الياسمين"، تمّكن من حجز مكان ساطع له في ليالي هذه الموسم الرمضاني ودخل السباق مع الأنواع الأخرى من الدراما وكان منافساً قوياً لها، وحجز مركز بيروت تاليا جمهوراً خاصاً وعاماً ينتظره في كل عام.