جاء الاتفاق رغم كل الهجوم المتكرر على المفاوضات من قبل الحكومة الصهيونية في الاشهر الماضية.
احمد شعيتو
بدا أنه بعد ان اكتمل مشهد الاتفاق النووي ظهرت مهمة ارضاء خواطر المنزعجين والحزينين من هذا الاتفاق وعلى رأسهم "اسرائيل"، وهي مهمة تقع على عاتق واشنطن والاوروبيين، بعد ان جاء الاتفاق رغم كل الهجوم المتكرر على المفاوضات من قبل الحكومة الصهيونية في الاشهر الماضية. مهمة الاسترضاء والشرح لم تكن قبل الاتفاق بقدر ما ستكون بعد إتمام انجازه، مما يؤكد ان الغرب كان متمسكا بحصوله قبل اي شيء اخر. لا بل ان المواقف الاوروبية المنتقدة لـ"اسرائيل" في هذا الموضوع، كانت ظاهرةً لافتة في اليومين الماضيين.
بالأمس اتصل اوباما بنتنياهو وبالملك السعودي بعد ان تم توقيع الاتفاق وجاء ذلك بعد انتقاد قاس من نتنياهو للاتفاق ولواشنطن. وفيما التزمت السعودية الصمت الرسمي تجاه الاتفاق ما خلا نقل وسائل اعلام مواقف عن بعض "المسؤولين" تظهر الامتعاض، فإن دولا عربية اخرى خليجية رحبت بالاتفاق. ونقل عن وزير الخارجية القطري خالد العطية قوله في مقابلة مع قناة (سي.إن.إن) "قطر كانت أول من دعم وشجع على أن تتم تسوية هذا الملف بطريقة سلمية." وأضاف "هذا الاتفاق سيهدئ إيران وسيجعلها تتقارب أكثر وبشكل أفضل مع دول المنطقة.
كما أكدت وكالة أنباء الإمارات أن القيادة الإماراتية بعثت ببرقيات إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني هنأته فيه "بالاتفاق النووي التاريخي"، مع الإعراب عن الأمل "بأن يسهم الاتفاق في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها".
التبرير الاميركي
اوباما سيوفد من يراضي خواطر "اسرائيل" وبعض الدول الاخرى الخليجية الممتعضة ولكن يهمه بشكل اساسي الموقف الاسرائيلي على اساس ان هذا الاتفاق تجاوز الرغبة الاسرائيلية الحثيثة في عدم حصوله. كما يريد اوباما ان لا يحصل رفض واسع في الكونغرس للاتفاق، وقد برز تمسكه الكبير بالاتفاق عندما هدد بالفيتو ضد الكونغرس.
وستكون وجهة النظر الاميركية التي سيتم نقلها الى "اسرائيل" حول الاتفاق هي نفسها التي وردت في مواقف اوباما العلنية مع بعض التفاصيل، وكذلك من المتوقع المزيد من زيادة المعونات والدعم العسكري والمالي.
ومن المتوقع ان يكون رفع السقف الاسرائيلي ضد الاتفاق احد اسبابه الابتزاز والحصول على مراضاة ومساعدات اضافية ، ولكن طبعا مع عدم اغفال وجود خيبة صهيونية حقيقة من الاتفاق . ورغم ان "اسرائيل" هي "الدولة" الوحيدة التي تمتكل ترسانة نووية فانها دائما ما تحاول اثارة استعطاف الغرب تجاه خطر ماثل ومستمر ضدها. وهي شنت حملة ولا تزال على المفاوضات النووية وستسعى لحشد تأييد لموقفها في الكونغرس.
بالمقابل فان اميركا ستحاول ان تشرح ان الاتفاق يقيد صنع قنبلة نووية ايرانية وكذلك يفيد في معالجة ملفات مستعرة في المنطقة، وهي ملفات اشعلتها اميركا وحلفاؤها اصلا وهي رأت في النهاية ان لا جدوى من مزيد من الاشتعال. لقد قال أوباما "من دون اتفاق.. لن تكون هناك قيود على برنامج إيران النووي وسيكون بمقدور إيران الاقتراب من صنع قنبلة نووية.. من دون اتفاق نخاطر بمزيد من الحروب في الشرق الأوسط."وتابع أنه إذا لم تنتهز الولايات المتحدة الفرصة لإبرام اتفاق "ستحكم علينا الأجيال المقبلة بقسوة."
لا بل تنظر واشنطن الى ان الاتفاق يخفف التوتر مع روسيا، فالازمة الاوكرانية تكاد توصل العلاقات الى شفير الانهيار، والاتفاق النووي يشكل مستندا لتقارب وتواصل بين الطرفين. وبعد الاتفاق رأينا ان اوباما اتصل بنظيره الروسي فلاديمير بوتين وبحث مع الاتفاق حول النووي الايراني حسب ما اعلن البيت الابيض.
اوروبا تهاجم "اسرائيل"
البارز ان دولاً اوروبية كبرى مثل بريطانيا والمانيا هاجمت "اسرائيل" على خلفية موقفها من الاتفاق النووي عبر كلمات غير مسبوقة في العلاقات الاوروبية الاسرائيلية .
ووجه وزير الخارجية الألماني فرنك ولتر انتقادات لمسؤولين "إسرائيليين" وعلى رأسهم رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو لانتقادهم للاتفاق الموقع.
وحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، قال الوزير الألماني ان الاتفاق سيساهم بأمن الشرق الأوسط فهذا هو اتفاق مسؤول وعلى إسرائيل ان تمعن فيه جيدا وليس انتقاده بصورة فظة.
من ناحيته وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الذي يتجه الى الكيان الصهيوني في مهمة شرح موقف وامتصاص النقمة الاسرائيلية كان قال في عبارات بارزة غير مسبوقة تعليقا على الموقف الصهيوني ان "اسرائيل" تفضل "حالة دائمة من المواجهة".
وقال هاموند "السؤال الذي يجب ان نطرحه على انفسنا هو ما نوع الاتفاق الذي كان سيلقى ترحيبا في تل ابيب.. الاجابة بالطبع هي ان اسرائيل لا تريد اي اتفاق مع ايران!. اسرائيل ترغب في حال مواجهة دائمة ولا اعتقد بان هذا يصب في مصلحة المنطقة ولا اعتقد بانه يصب في مصلحتنا!".
في وجهة النظر الاوروبية تقارب مع التبرير الاميركي . منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي فدريکا موغريني اكدت اليوم ان من شان الاتفاق النووي ان يدعم الامنَ والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط وکذلك تغيير الاوضاع من سوريا الى العراق.
وقالت موغريني في تصريح لها ان الاتفاقَ خطوة تاريخية وله اهمية سياسية ويفتح الابواب امام العلاقات على اساس الثقة التي کانت غائبة منذ عشرات الاعوام بينَ ايران والمجتمع الدولي. وأضافت موغريني : ستكون للاتفاق نتائج کبيرة جداً لمصلحة الجميع.
معالم الانزعاج الصهيوني.. وجائزة كبرى لإيران!
من تصريحات نتنياهو ووزرائه ومن مقالات الصحف تظهر معالم ومكامن الانزعاج الصهيوني واعتبار ان الاتفاق انتصار لايران. قال نتنياهو، فى تصريحات أدلى بها فى مستهل اجتماع مع وزير الخارجية الهولندى بيرت كونديرس وأوردتها صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أن "إيران ستحصل على طريق مؤكد نحو إنتاج أسلحة نووية، فالعديد من القيود التى كانت من المفترض أن تمنعها من تحقيق ذلك سيتم رفعها".
ووفقا للصحيفة، أضاف نتنياهو "ستفوز إيران بجائزة كبرى، ثروة تقدر بمئات المليارات من الدولارات، مما سيمكنها من مواصلة عدوانها في المنطقة وفي العالم، أنه خطأ سيء له أبعاد تاريخية" حسب تعبيره.
من المعروف ان الاتفاق سيفتح اسواق النفط على التصدير الايراني وسيلغي العقوبات المالية وسيبقي على البرنامج النووي السلمي الذي يفيد في انتاج الطاقة والصناعات.. وغير ذلك من المنافع الكبرى. كل ذلك يزعج كيان العدو الصهيوني.
وبحسب وكالة رويترز مما يزعج "اسرائيل" أن ايران ستفتح أمامها الابواب للحصول على حوالي 100 مليار دولار من أصولها التي جمدت قبل التوقيع على الاتفاق. ومن المتوقع أن يستغرق هذا الامر ستة أشهر.
ويرجع قلق اسرائيل أيضا إلى ازدياد نفوذ ايران وقوتها الاقليمية اكثر بعد الاتفاق، بالاضافة الى كونها تدعم حركات المقاومة في المنطقة وتقف حليفا اساسيا مساندا لسوريا وتقف الى جانب العراق .
وقال وزير الشؤون النووية الاسرائيلي يوفال شتاينيتز "من يعتقدون أن منح ايران 150 مليار دولار لن يكون له أثر على الشرق الاوسط من السذج. الأمر أشبه بسكب الوقود على الشرق الاوسط المشتعل."
وسئل شتاينيتز عن الاسلحة الاضافية التي قد تطلبها اسرائيل من الولايات المتحدة فقال إن التعويض الوحيد هو الاتفاق على منع ايران من انتاج السلاح النووي.
لكن هل ستذهب "اسرائيل" الى تصعيد عسكري في محاولة لضرب اسس الاتفاق؟ يبدو ان ذلك بعيد بحسب المراقبين الذي يرون ان "اسرائيل" حاولت بشتى الوسائل عرقلة الاتفاق او الضغط لرفع سقف الشروط ولكنها لن تذهب نحو عدوان على ايران لأن الاتفاق يجعل خطواتها اكثر تقيدا ولا تريد اثارة غضب اميركي وغربي عارم، فهي لم تجرؤ على العدوان قبل الاتفاق واليوم لن تجرؤ بل هي مقيدة اكثر، فالغرب يرى ان هناك مصلحة مشتركة من هذا الاتفاق وإلا لم يكن ليذهب اليه بعد ان راى ان كل وسائل الضغط والعقوبات لم تنجح، وطبعا هناك وجهة نظر واضحة بالمقابل تقول ان ايران كسبت الكثير من الاتفاق بل هي اكبر الرابحين.