تنظر غزل لأمها أثناء الدعاء وتلاوة القرآن، وتحاول أن تقلدها من باب براءة طفلة لم تعِ بعد ماذا تفعل في هذه الموقف، ومن يراها يظن أنها لا تعي الموقف كاملا
خليل موسى - دمشق
تنظر غزل لأمها أثناء الدعاء وتلاوة القرآن، وتحاول أن تقلدها من باب براءة طفلة لم تعِ بعد ماذا تفعل في هذه الموقف، ومن يراها يظن أنها لا تعي الموقف كاملا، لكنها حين تجلس على حافة القبر المرخّم والمسيج بشتلات الآس وباقة من الورود كانت تحملها لدى دخولها أحد المدافن في دمشق، تؤكد لمن يراقبها من باب فضولٍ أثاره المشهد، تؤكد انها تعرف ماذا حدث وما الذي تفعله.
كثر هم الأطفال الذين باتوا يعرفون ما الذي حصل في بلادهم، وأمثال غزل الطفلة ذات الخمس سنوات، ربما لا يعرفون تماما ماذا يعني أنهم أبناء شهداء، لكن كأنهم يعتزون بالفطرة بشهادة آبائهم.
أجمل ما قالته غزل "أنا بنت الشهيد البطل، بابا دافع عن سوريا وسافر على الجنة، وبس أكبر رح روح لعنده"، هذه العبارة التي ربما كثر لا يشعرون، ولكن غزل تشعر تماما بما لفظته وتعي ماذا تعني بها، وحسب طريقة لفظها، بمخارج حروف تكاد تكون واضحة المعالم أنها لطفلة بهذا العمر، ولهجة دمشقية، ترجح انها تنتمي لمنطقة "الميدان" او ما يجاورها من مناطق وسط العاصمة. فالعيد للشهداء في سورية ولأبنائهم، الذين باتوا أبناء وطن، بعد ان قدموا الآباء قرابين فداء الوطن.
وبما ان الحرب على سورية دخلت عامها الخامس فمن الطبيعي أن تشهد الكثير من شهداء الجيش العربي السوري واللجان الشعبية, يقابله أبناء يتامى تعمل الدولة على تكفلهم وتأمين متطلباتهم ولو بالحد الادنى, وتأمين رعايتهم بدءا من الجانب المعيشي ومحاولات تحسينه وأهمها الجانب الدراسي والعمل الدؤوب على تطويره, وإعطاءه خصوصية مميزة.
حرموا حنان الآباء لكنهم يطلبون الفرح..
رغم أنهم فقدوا أهم مصادر الحنان في حياتهم، إلا أن الطفولة لا تعرف الوقوف عند حاجز ما، فأرجوحة تتمايل معها ضحكات أقرانهم، كفيلة برسم الابتسامة على وجوههم، ومن ثمّ تحفيزهم لطلب أخذ دور لهم في مركبات الفرح التي تسابق الرياح، وتتماشى مع أجواء العيد، عيد الفطر السعيد في دمشق رغم الحرب والفقد والتشرد.
من هنا شرعت الدولة بتخصيص أماكن وساحات خاصة لتجميع ألعاب العيد للأطفال وتضم كل ما هو متاح من أراجيح و"قلابات" و"عجلات هوائية" يركبها الأطفال كما حرصت الحكومة على تامين الحماية الامنية اللازمة لتبقى ضحكات الاطفال هي المحرك الأساسي لمناسبة منذ خمس سنوات لم تعد كما كانت سابقا، فصلاة العيد وزيارة القبور وتبادل محدود لصلة الرحم بسبب ما تعيشه البلاد في سورية من مأزق سكاني ونزوح وتوزع جديد وقسري للأهل في امكان متباعدة عن بعضها.
كما لا يخفى على من يتنقل في شوارع دمشق تشديدات أمنية تعنى بتفتيش السيارات وتدقيق البطاقات الشخصية حرصا على عدم دخول أي مفخخات او انتحاريين، او تسلل أحد من المناطق الريفية.
رغم أن غزل وكثير من أبناء جيلهم، بات يعاني من فقد الوالد. إلا أن الدولة السورية تحاول أن تلعب هذا الدور، دور لا يمكن لأحد أن يغطيه أو يعوضه، إنما عمل الدولة في هذا الجانب يبلغ أقصى درجاته لتأمين المستطاع في ظل حرب تتلوى يمينا ويسارا في البلاد كأفعى جُلبت من البراري الغربية ورميت في المدن السورية.