22-11-2024 12:51 PM بتوقيت القدس المحتلة

من اختلق "أزمة" النفايات؟.. ابحثوا عن "حيتان المال"

من اختلق

من يشاهد تراكم النفايات حول المنازل وعلى الطرقات وفي الساحات العامة، يدرك حجم الكارثة التي يعيشها الشعب اللبناني في ظل الطبقة السياسية التي تحكم منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.

ذوالفقار ضاهر

من يشاهد تراكم النفايات حول المنازل وعلى الطرقات وفي الساحات العامة في العاصمة اللبنانية بيروت والضاحيتين الجنوبية والشرقية والعديد من أقضية جبل لبنان، يدرك حجم الكارثة التي يعيشها الشعب اللبناني في ظل الطبقة السياسية التي تحكم منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وما قبله أيام الحرب الأهلية.
 
فلا يجب كثيرا الاستغراب، فمن كان يقتل الشعب اللبناني ايام الحروب بالنار والرصاص، هو نفسه يقتلهم بأساليب اخرى منذ مطلع التسعينات وحتى اليوم، فالقضية ليست قضية مطمر الناعمة او شركة "سوكلين" ومكبات عشوائية للنفايات في بيروت والمطامر، بل القضية قضية حيتان المال ومافيات وعصابات السرقات التي لا تشبع من دم وعرق ورزق المواطن اللبناني، وهذه المافيات والتي تسمى احيانا طبقة سياسية تستخدم الشعب وقودا لنزاعاتها وصراعاتها وتقاسمها للغنائم وتخترع للشعب الكثير من المعارك الطائفية والمذهبية والسياسية.
 
والحديث اليوم عن النفايات يكشف فظاعة الجرائم التي ترتكبها "الطبقة السياسية" بالشعب ويدفع لفتح الكثير من الملفات التي حرمت الانسان اللبناني ودولته من حقوقهم، واللائحة تطول وتطول: فمن "سوليدير" وما أدراك ما سوليدير الى الاملاك البحرية والنهرية الى مشاعات القرى والبلدات الى المطار والمرفأ والجامعة اللبنانية وشركة "كهرباء لبنان".... والتعداد اللامتناهي لمزاريب وزواريب الهدر والسرقات.
 
وبالعودة الى "قضية" النفايات، فلكل شيء في لبنان قضية وأزمة، يبقى السؤال الاهم لماذا وصلنا الى ما وصلنا إليه اليوم ولماذا لم تتم معالجة القضية من اساسها قبل حلول الميعاد؟ ميعاد انتهاء العقد مع شركة "سوكلين" الذي تزامن مع موعد إغلاق الناس بغطاء سياسي معروف لمطمر الناعمة، فهل هو فقط الاهمال وسوء الادارة والعجز لدى المسؤولين في الدولة اللبنانية ام ان للامر أبعاد اخرى سياسية ومالية؟ ومن يتحمل المسؤولية الحقيقية عن ذلك؟ هل الحكومة فقط هي المسؤولة ام ان هناك مسؤولية تتحملها "سوكلين" ومن يقف خلفها من جهات سياسية معروفة وغير معروفة؟ ومن المسؤول عن إيجاد بديل لمطمر الناعمة هل الدولة اللبنانية ام شركة "سوكلين" طبقا للعقد الموقع بين الطرفين؟
 
والأهم من كل ذلك، أين الشعب اللبناني من كل ذلك ولماذا هذا الصمت الغريب كل هذا الوقت؟ ولماذا لا يتحرك على الارض وما ينتظر كي يتحرك؟ ومتى يستفز هذا الشعب حول مصالحه وحقوقه؟

اعتبر الوزير اللبناني السابق والخبير الاقتصادي جورج قرم ان "ما يجري في موضوع النفايات يؤكد ان لبنان يعيش ازمة حكم بدأت منذ وصول الحريرية السياسية لادارة البلد"، وذكّر ان "شركة سوكلين بدأت بالعمل برأسمال بلغ 15000 $ لتأخذ من الدولة النفايات بمبالغ طائلة في السنة وكل ذلك بدعم سياسي من الرئيس رفيق الحريري رغم ان العقود مع سوكلين كانت تتضمن الكثير من المخالفات القانونية والفنية".

واستغرب قرم انه "حتى الآن لم يذكر أحد اسم مجلس الانماء والاعمار الذي أبرم العقود منذ التسعينات مع سوكلين وغيرها من الشركات التي جاء بها الرئيس رفيق الحريري بمخالفات قانونية فاضحة"، واضاف "رغم كل المخالفات أوكل لمجلس الانماء والاعماء الاشراف على عمل سوكلين انطلاقا من مرجعيته السياسية المعروفة التي كانت وما زالت للحريري"، واعتبر ان "السبب اليوم بعدم تجديد عقد سوكلين قبل انتهاء مدة العقد السابق هو إعادة توزيع المنافع بين بعض السياسيين".

ولفت قرم في حديث لموقع قناة "المنار" الى انه "شركة سوكلين لا تقوم بكل الواجبات المفروضة عليها ضمن العقد ومع ذلك مجلس الانماء والاعماء غائب عن الصورة ولا يقوم بدوره في هذا المجال"، واعتبر ان "توقيت إغلاق مطمر الناعمة مع انتهاء عقد شركة سوكلين بحد ذاته يثير الريبة بأن هناك اشياء تطبخ في الكواليس على حساب الناس ومصالحها".

وشدد قرم على "المأزق اليوم في لبنان يتمثل بالطبقة السياسية الحاكمة التي تفعل ما يحلو لها دون حسيب او رقيب بينما التنظيمات والاحزاب التي تعمل انطلاقا من مبادئ واخلاقيات معينة غائبة عن التعاطي في هذه الامور الحياتية والمعيشية التي تهم الناس"، واكد "طالما بعض القوى تستأثر بمصالح الناس سنجد نظام المحاصصة والفساد هو السائد"، وأشار الى ان "هذا الامر لا يقتصر فقط على النفايات انما المشكلة معمّمة على كل الامور في لبنان من المياه الى الكهرباء الى سلسلة الرتب والرواتب الى غيرها من الملفات بما يدل ان لبنان اصبح مزرعة بكل ما للكلمة من معنى".

من جهته، اعتبر عضو تكتل "التغيير والاصلاح" النيابي في لبنان النائب عباس هاشم ان "الهدف من كل ما حصل في ملف النفايات وما سيجري هو تعزيز مصالح شركة سوكلين ومن يقف خلفها"، ووصف ما يجري بأنه "عملية ابتزاز واضحة وذلك لتجديد عقد شركة سوكلين بأموال طائلة"، مشيرا الى ان "كلفة النفايات في لبنان تعادل كلفة النفايات في الصين وسوكلين تحصل سنويا على مليار و200 مليون دولار"، لافتا الى ان "العمل جار لتمديد عقد سوكلين لمدة 6 اشهر"،.

واسف هاشم في حديث لموقعنا "للحديث عن ضرورة مناقشة موضوع النفايات من جديد في مجلس الوزراء"، واشار الى ان "هذا الموضوع قد بتَّ نهائيا في وقت سابق داخل مجلس الوزراء واعطيت كل الصلاحيات والتسهيلات اللازمة لوزيري الداخلية والبيئة ولمجلس الانماء والاعمار لانهاء ملف النفايات ومعالجة مشاكله"، سائلا "ما هي المسائل الجديدة التي استجدت لبحثها داخل مجلس الوزراء؟"، وشدد على ان "كل ما يقال هو ذريعة للدفع باتجاه التمديد لشركة سوكلين؟".

ودعا هاشم "لمراجعة كل كلام المسؤولين والنفذين لا سيما عندما قيل انه لا سوكلين لا مطامر"، واكد ان "المعنى واضح والهدف مصالح لسوكلين ومن يقف خلفها"، واضاف "صحيح ان الناس في منطقة الناعمة متضررة والضرر متراكم ولكن لماذا إعطاء الوعود للناس من قبل رئيس الحكومة ووزير البيئة مع علمهما انها لن تنفذ"، وتابع "المطمر موجود منذ عشرين سنة فلماذا استفاقت بعض الاطراف اليوم على صحة الناس وسلامتها واين كانت في السنوات السابقة؟".

وحول موقف التيار الوطني اتجاه هذه الضجة التي تثار حول النفايات، لفت هاشم الى ان "التيار الوطني مستمر وبعزم اكبر على بناء الدولة ومؤسساتها والحفاظ عليها"، واكد ان "ما يسمى ازمة النفايات سيكون دافعا للتشدد في مسألة بناء المؤسسات وكيفية التعاطي معها والخروج من منطق المافيات والانتقال للشراكة الجدية والحقيقية بين اللبنانيين بشكل قانوني وشفاف"، وتابع "ما يجري في لبنان يؤكد الحاجة لاعادة تكوين السلطة على اسس متينة وسليمة لان ما يجري يؤكد الاهتراء الذي ينخر في جسم هذه الدولة".

قد تعبر مسألة النفايات عن الواقع اللبناني المرير الذي قد يصعب تغييره قيد أنملة رغم كل ما قيل ويقال عنه وعن سلبياته، لان الطائفية السياسية متغلغلة في كل شيء في لبنان من رأس الهرم الى أسفله، فقد لا تمر شاردة او واردة إلا وتُحسب على هذا الاساس، في لعبة متقنة لمصلحة "حيتان المال" ومن معهم من الطبقة السياسية الحاكمة.. فالواقع اللبناني يحتاج الى زلزال شعبي انساني لا نعرف إن كان سيتحقق في يوم من الايام..