23-11-2024 03:16 AM بتوقيت القدس المحتلة

مصر: ترقب لتداعيات الاتفاق النووي

مصر: ترقب لتداعيات الاتفاق النووي

القاهرة والرياض تبددان الشائعات بشأن العلاقات الثنائية


احمد علام

بعد إتمام الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، بدأ الحديث يدور حول الدور الايراني الجدي في الشرق الأوسط، وتأثيره على دول الخليج العربي.

وفي ظل حالة الترقب لتداعيات تسوية فيينا على الخريطة الجيوسياسية للشرق الاوسط، تبدو مصر حذرة في التعامل مع الاتفاق النووي، الذي يثير تساؤلات بشأن انعكاسه عليها.

رد الفعل المصري الرسمي على الاتفاق كان ترحيباً حذراً عبرت عنه وزارة الخارجية، التي اكدت انها تتابع اتفاق فيينا باهتمام، وانها ستعكف على دراسة بنوده وتقييم مضمونه بدقة، وإن كانت قد أثارت مخاوف غير مباشرة بشأن سباق تسلّح في الشرق الاوسط، معربة في الوقت ذاته عن املها في ان يحقق الاتفاق النووي الاستقرار والأمن الاقليمي.

ولم تخرج مواقف وزير الخارجية سامح شكري، خلال زيارته للسعودية يوم امس، عن هذا الترحيب الحذر. ولكن الأهم، ان الوزير المصري سعى الى تبديد الشائعات التي تتردد في وسائل الإعلام العربية بشأن توتر في العلاقات المصرية – السعودية، وما حكي عن احتمال ان تضطر المملكة النفطية الى بناء تحالفات جديدة – وربما الانفتاح على «الاخوان المسلمين» – بغرض تشكيل معسكر اقليمي ضد ما تعتبره «هيمنة» ايرانية.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في جدة، اكد شكري «استمرار التشاور والتنسيق» بين مصر وشركائها، مؤكداً ان «العمل مع المملكة (السعودية) يعتمد على منطلق وأبعاد الثقة وليس من منطلق الشك».

وأكد شكري «أهمية مواجهة الإرهاب من خلال العمل المشترك والتنسيق والتعاون الاستخباراتي والأمني والمادي والسياسي، بما يسهم في القضاء على الإرهاب وخطره الداهم».

بدوره، ذكّر الجبير بأن مصر «جزء أساسي في التحالف الذي تقوده المملكة لإعادة الشرعية في اليمن»، مشيراً إلى أن «المملكة على دراية بجهود وبنوايا والتزام مصر دون شك». كما اشار الى التعاون بين مصر والسعودية لمواجهة خطر الارهاب.

وفي ما يتعلق بالاتفاق النووي، قال الجبير: «نرحب بأي اتفاقية تضمن عدم قدرة إيران على امتلاك السلاح النووي»، لكنه اشار الى ان «المشكلة التي نواجهها هي تدخل إيران في شأن دول المنطقة، وبأعمال الشغب التي تقوم بها، وعلى رأسها دعم الإرهاب، وهذا مصدر قلق لدول الجوار».

هذه المواقف من تداعيات الاتفاق النووي ومستقبل العلاقات المصرية - الخليجية، سبقها موقف لافت للانتباه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ايار الماضي، اي في الفترة الممتدة بين اقرار اتفاق الاطار في لوزان والاتفاق النهائي في فيينا، خلال حديث الى اذاعة صحيفة «موندو» الاسبانية.

بدت هواجس السيسي واضحة من التسوية النووية، حين قال ان الاتفاق النووي ينبغي الا يؤثر في الأمن القومي العربي، خصوصاً في شبه الجزيرة العربية. واضاف: «من الممكن أن يؤدي التوافق النووي الى ازدياد نفوذ النظام الايراني ويؤثر في الامن العربي واني قلق بشأن أمن المنطقة».

وبعد مرور اكثر من اسبوع على اتفاق فيينا، ما زال الموقف المصري حذراً، وربما مرتبكاً، بالرغم من التطمينات التي قدّمتها ايران لدول الجوار، وبرغم تحليلات تشير الى ان الاتفاق النووي ربما تكون له ايجابيات على مصر، في حال تم التعامل معه بحكمة ديبلوماسية، ليس في ما يتعلق بالدور المصري السياسي فحسب، بل ايضاً على مستوى استراتيجية الطاقة، خصوصاً ان اتفاق فيينا قد يفتح المجال امام مصر لتطوير برنامج نووي سلمي بمساعدة خبراء ايرانيين.

من هنا يتساءل المراقبون للمشهد الاقليمي عمّا اذا كان الموقف المصري الحذر قد جاء لمراعاة دول الخليج (الداعمة بمعظمها لمصر)، وعلى رأسها السعودية.

ولعلّ الحراك الديبلوماسي والسياسي السعودي، في فترة ما بعد الاتفاق النووي، قد اثار شكوكاً مصرية. وعلى سبيل المثال، يمكن الحديث في هذا الاطار عن استقبال الملك سلمان لوفد من حركة «حماس» برئاسة خالد مشعل، والحديث عن سعي المملكة النفطية لتكوين «تحالف سني» ضد «المد الايراني» المحتمل، بما يقوّض نفوذ مصر على المستوى الاقليمي.

وكان لافتاً في هذا الاطار، ان الجبير قد تناول هذه المسألة في المؤتمر الصحافي مع نظيره المصري، اذ قال، رداً على سؤال بشأن اللقاء بين الملك سلمان وخالد مشعل، إن زيارة الاخير للسعودية «كانت من أجل أداء مناسك العمرة»، وإن «موقف المملكة تجاه حماس وتجاه دعم السلطة الفلسطينية لم يتغير، وإن دعم جهود مصر واستقرارها أيضا لن يتغير».

وفي تعليق على هذه المتغيرات الاقليمية، وانعكاساتها على مصر، يقول رئيس وحدة الدراسات العربية والاقليمية في «مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» محمد السعيد إدريس، في حديث الى «السفير»، ان «لا نتائج مباشرة للاتفاق النووي على مصر»، موضحاً ان «التأثير سيكون في إطار التعامل بين الغرب وإيران في الفترة المقبلة».

واوضح ادريس، وهو من الخبراء في الشأن الايراني، ان اتفاق فيينا «يُقر بامتلاك إيران برنامج نووي سلمي، ويحدد له مجالاً معيناً وضوابط محددة تحول دون تحوله إلى برنامج عسكري».

ويرى ادريس ان «رد الفعل المصري المباشر على اتفاق فيينا ينبغي ان يكون ايجابياً، من خلال الاستفادة من التسوية النووية لتطوير برنامج نووي مصري للاغراض السلمية».

وعلاوة على ذلك، يرى ادريس ان بإمكان مصر ان تستفيد من الاتفاق النووي بغرض تعزيز دورها الاقليمي والدولي، عبر اعادة تحريك فكرة عقد مؤتمر دولي لجعل الشرق الاوسط خالياً من الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل، خصوصاً ان للديبلوماسية المصرية تجربة مهمة في هذا الاطار.

وفي ما يتعلق بالتداعيات المحتملة للاتفاق النووي على دور مصر الاقليمي، اشار ادريس الى ان «الاتفاق النووي سيؤدي الى توازن القوى الإقليمية»، لكنه يشير الى ان الامر قد ينطوي على بعض المخاطر لجهة تكريس ثنائية نووية ـ ايران واسرائيل ـ في الشرق الاوسط، وهو امر يجب ان ترفضه مصر بشكل قاطع، على حد قوله.

ويرى ادريس ان سيناريو من هذا القبيل سيجعل المشهد الاقليمي صورة مصغرة عن المشهد العالمي في حقبة النظام الثنائي القطبية، التي شهدت حرباً باردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وهو امر يمكن ان يتكرر اليوم في الشرق الاوسط بين القوتين النوويتين الوحيدتين، اي ايران واسرائيل، وليخلص الى القول ان هذا الامر سيكون شديد الخطورة على مصر، ويجب أن يحفزها على النهوض لمواجهته.

وبحسب ادريس، فإن الامر الآخر الذي قد يكون شديد الخطورة على مصر خلال المرحلة المقبلة هو احتمال ان يؤدي الاتفاق النووي، والاعتراف بالجمهورية الاسلامية كقوة اقليمية فاعلة، الى تنامي «النزعة العدوانية» لديها، لافتاً الى ان بعض التجارب والتصريحات الايرانية تعزز هذه المخاوف.

ويرى ادريس ان كل هذه الاحتمالات يجب ان تكون حاضرة في اذهان صناع القرار في مصر، الذين يفترض عليهم ان يجيبوا على سؤال اساسي، وهو اين مصر في تلك الخريطة التنافسية في العلاقات الاقليمية؟

اما الخبير في العلاقات الدولية سعيد اللاوندي، فيقول في حديث الى «السفير» أنه من الممكن أن يؤثر الاتفاق النووي بشكل إيجابي في مصر، مشيراً إلى أن ذلك سيتطلب من مصر أن تغير سياستها الخارجية تجاه إيران عبر مد جسور للتعاون المشترك، وأن تنظر إليها باعتبارها دولة شرق أوسطية كبرى، لافتا إلى أن مصر أضاعت فرصا كثيرة لتحسين العلاقات مع إيران التي سيزيد نفوذها في الشرق الاوسط بعد التسوية النووية.

واشار اللاوندي الى انه «في الوقت الذي يتقارب فيه الغرب مع إيران، فإنه يريد من الدول العربية أن تحارب إيران بالوكالة عنه، وبما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية في تدمير القدرات العربية والإسلامية بضرب بعضها بعضاً».

ويتوقع اللاوندي ان «يعزز الاتفاق النووي من مكانة ايران داخلياً وخارجيا، خصوصاً بعد رفع العقوبات الدولية»، ليخلص الى القول انه «اذا أدارت مصر علاقتها بإيران بشكل جيد فستستفيد على المستويين السياسي والاقتصادي، وكذلك من خبرة إيران وتجربتها التكنولوجية فى المجال النووي».

assafir.com

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه