مع استمرار الاعتصام المفتوح أمام مدخل مطمر الناعمة – عين درافيل، لليوم السابع على التوالي، وصلت كمية النفايات المتكدسة في الطرقات والمكبات العشوائية إلى نحو ٢٢ ألف طن.
بسام القنطار
مع استمرار الاعتصام المفتوح أمام مدخل مطمر الناعمة – عين درافيل، لليوم السابع على التوالي، وصلت كمية النفايات المتكدسة في الطرقات والمكبات العشوائية إلى نحو ٢٢ ألف طن. وفيما لا تزال وزارة البيئة تراهن على ترحيل النفايات إلى الأطراف، تصاعدت الحملات في المناطق المستهدفة الرافضة لاستقبال نفايات بيروت وجبل لبنان. أمّا مجلس الوزراء، فلم يعد اللبنانيين بشيء سوى أن نفاياتهم باقية في الشوارع بانتظار «العجيبة».
كما كان متوقعاً، مدّد مجلس الوزراء أزمة النفايات المتكدسة على طرقات بيروت والضواحي وبلدات الجبل، فجلسة أمس لم تخرج بأي قرار عملاني لتخفيف وطأة المخاطر الماثلة من تراكم أكوام النفايات وتحوّلها إلى تلال ترتفع يوماً بعد يوم أمام المباني والمنازل ومتاجر السلع الاستهلاكية الغذائية وغير الغذائية، وتسبب أضراراً بالغة على الصحة العامة والبيئة، وخاصة مع لجوء البعض إلى مبادرات فردية بإحراق النفايات وبثّ سمومها في الهواء وتعريض السلامة العامة للمزيد من الأخطار.
وبحسب المعلومات، اكتفى الوزراء بالاستماع إلى مداخلة زميلهم وزير الاقتصاد آلان حكيم، الذي أعاد اقتراح إنشاء مطمر للنفايات في كل قضاء، تحت عنوان «لامركزية الحل». كذلك استمعوا إلى وزير البيئة محمد المشنوق، الذي أبلغهم بأن لدى وزارة البيئة خطة للحل، وهي تسعى إلى تطبيقها، وتقوم على إيجاد مكبّات مؤقتة لنفايات بيروت والضواحي، وذلك بانتظار إنجاز مناقصات تلزيم النفايات للشركات المتقدّمة، بما فيها إعادة إطلاق مناقصة بيروت والضاحيتين الجنوبية والشرقية في الأسبوع المقبل، على أن تجري عمليات التلزيم وبدء الانتقال إلى الوضع الجديد في غضون 15 يوماً.
قدّم أكثر من وزير مداخلات تتبرأ من مسؤولية مجلس الوزراء مجتمعاً عن إيجاد الحل المطلوب، إذ أحالوا المسائل التقنية على وزارة البيئة، مشيرين إلى أن النقاش فيها لا ينبغي أن يكون على طاولة مجلس الوزراء، بل بين الخبراء والمعنيين في الإدارة. واتُّفق في النهاية على أن تعرض نتائج التحركات التي تقوم بها وزارة البيئة بالتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار في الجلسة التي ستعقد يوم الثلاثاء المقبل. واتفق الوزراء على أن معالجة المشكلة هي من مسؤولية وزير البيئة، وعليه أن يعالجها بحسب ما يرتئيه مناسباً. بدا المشنوق واثقاً من إمكانية نجاحه في تجاوز هذا «القطوع»، ولكنه طلب المساعدة من القوى السياسية الممثلة في مجلس الوزراء لفرض قبول المجتمعات المحلية استقبال نفايات بيروت والضاحيتين في مناطقهم، إلا أن الوزراء، بحسب ما أكّد أحدهم، دعوه إلى طلب مؤازرة الجيش وقوى الأمن الداخلي لتنفيذ خطته المؤقتة.
بمعنى ما، لم يشعر مجلس الوزراء بوجود حدث طارئ يستدعي الاستنفار، فقرر (ضمناً) ترك وزير البيئة يواصل محاولاته لترحيل النفايات إلى المناطق المقترحة من قبله، ولا سيما إلى عكار (مكب سرار) وإلى صيدا (بحسب ما أُشيع)، علماً بأن معظم الوزراء عبّروا صراحة أو تلميحاً عن شكوكهم في إمكانية نجاح هذه الخطة، في ظل تنامي الاعتراضات المحلية وبلوغها مستوى التهديد بمنع تنفيذها بالقوّة، وكذلك شككوا في إمكانية استخدام الجيش والقوى الأمنية لفرض تنفيذها بالقوّة. وعلى هذا الأساس، انتهت جلسة مجلس الوزراء على قاعدة: اذهب يا وزير البيئة واستكمل محاولاتك، وسنعود الثلاثاء لنجتمع ونرى ماذا حصل وماذا يمكن أن نفعل!
وزير البيئة محمد المشنوق أعلن بعد انتهاء الجلسة أن قرار مجلس الوزراء السابق يؤكد ضرورة إيجاد مطامر لمدينة بيروت وضاحيتيها خارج هذه المنطقة، أي في المناطق اللبنانية الأخرى، وفق ما هو مؤمن أو تجري دراسته من المطامر. وقال: «هذا الموضوع عرضته أمام مجلس الوزراء وأكدت أننا سنسعى لإيجاد هذه المطامر في كل منطقة من مناطق لبنان وفي كل قضاء فيها، وهذا سيؤدي إلى حل هذه المشكلة. وأنا أحيي الجميع من رؤساء اتحادات بلديات ورؤساء البلديات الذين استطاعوا تأمين مطامر أو مكبات مؤقتة، لأن هذا الموضوع يساعد على تخفيف الأزمة، فهناك ما يناهز 22 ألف طن من النفايات الآن على الأرض وتحتاج إلى آلية كاملة، لا نتحدث هنا عن آلية مجلس الوزراء، هذه آلية عملية لنقل النفايات إلى مطامر مؤقتة».
وأعلن المشنوق أنه بعد 15 يوماً ستتولى الشركات (الفائزة في المناقصات) موضوع النفايات في كل المناطق اللبنانية، وقال: «نحن نحاول جدياً عدم رمي النفايات عشوائياً»، لافتاً إلى «أن هناك الكثير من المتطوعين الذين يؤمنون مطامر صغيرة ويُسهمون في التخفيف من النفايات، ونحن شاكرون لهم ونؤكد أن الموضوع قيد المعالجة». وأضاف: «سنطلب مؤازرة جميع القوى الأمنية ووزارة الداخلية والمحافظين والقوى الأمنية في المناطق لمتابعة هذا الأمر معنا. ما استطعنا تحقيقه حتى الآن يشمل عدداً من المناطق التي تمكنت من تأمين أماكن للطمر المؤقت، وأملنا متابعة هذا الأمر بخطوات حثيثة، ولا أحد يسألني عن أي منطقة وأين تعمل، لأننا نحن نعلم أين تعمل، ليس بالضرورة الإضاءة على هذا العمل، بل المهم هو التنفيذ وتخليص البلد من النفايات الموجودة فيه».
في المقابل، أكدت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الأخبار» أن جميع مبادرات وزارة البيئة ومجلس الإنماء والإعمار لنقل النفايات المتكدسة في معملي العمروسية والكرنتينا لم تترجم بقرارات عملية تم تبليغها إلى شركة سوكلين، التي لم تتلق حتى اللحظة أي إخطار أو كتاب خطي يوضح المواقع التي يجب أن تنقل النفايات إليها. ودخلت على خط المزايدة عدد من الشركات والمتعهدين الذين عرضوا بدورهم خدمات نقل النفايات إلى مكبات عشوائية للإيحاء أن المشكلة تتعلق بعملية النقل، فيما تكمن المشكلة في أن الحكومة اللبنانية لم تحدد حتى اللحظة أي نقطة أو موقع لنقل النفايات إليها.
وزير الصحة وائل أبو فاعور، أعلن بدوره «أن واحداً من الاقتراحات التي يجب أن تدرس بجدية هو استعمال الكسارات القائمة في المناطق اللبنانية كمطامر للنفايات، فمن غير المنطقي أن تسمح الدولة لصاحب مصلحة بأن يشوه البيئة، وأن يقوم بما يقوم به، خاصة تلك التي تعمل في الأملاك العامة بترخيص أو دون ترخيص، ولا يكون للدولة وللبلديات الحق في أن تطمر نفاياتها فيها».
وفيما سربت معلومات أن الاجتماع الذي سبق الجلسة وضم النائبة بهية الحريري والرئيس تمام سلام ووزير البيئة، قد ناقش مسألة نقل جزء من نفايات بيروت إلى صيدا، توالت المواقف المنددة بهذه الخطوة، أولاً لتعذر استقبال هذه النفايات في معمل المعالجة الذي لا يستوعب، وثانياً لاستحالة إعادة فتح مكب صيدا العشوائي بعد أن جرى التسويق في الفترة السابقة أن نائبَي المدينة فؤاد السنيورة وبهية الحريري قد نجحا في تخليص المدينة من ضرره.
ومع توالي تهديدات نواب عكار برفض دخول نفايات بيروت إلى مكب سرار في عكار، وجهت دائرة الأوقاف في عكار بياناً إلى خطباء المساجد دعت فيه إلى تناول موضوع نقل النفايات من بيروت وغيرها إلى عكار خلال خطب صلاة الجمعة، وإظهار أهمية الوقوف جميعاً لمواجهة هذا المشروع الذي فيه امتهان واحتقار لكرامتنا، وإلا فإننا سندفع الثمن غالياً». وجدد النائب خالد زهرمان «رفض أبناء عكار القاطع لطمر نفايات العاصمة في أرضهم». وهدد النائب معين المرعبي بأن الشاحنة التي ستدخل عكار محملة بنفايات بيروت لن تخرج منها.
ورداً على اقتراح وزير الزراعة أكرم شهيب بردم شاطئ الكوستابرافا واستخدامه مطمراً لنفايات بيروت وجبل لبنان، أعلن المجلس البلدي لمدينة الشويفات أنه يعارض ويرفض رفضاً قاطعاً هذا الاقتراح، وكذلك فعاليات المدينة وأهاليها». واستنكر المجلس أيضاً «قرار بلدية مدينة بيروت بنقل المسلخ من بيروت إلى الشويفات»، مؤكداً «رفض بلدية الشويفات هذا القرار والعمل على منعه بالطرق والوسائل المشروعة والقانونية». وحذرت مؤسسات المجتمع المدني في مدينة الشويفات (رابطة سيدات الشويفات، نادي الشويفات الرياضي، منتدى إنسان، تجمع الشويفات مدينتنا، جمعية تجار مدينة الشويفات وجوارها، جمعية لونها أخضر، برلمان الشباب لمدينة الشويفات وضواحيها) في بيان «من استعمال شاطئ المدينة، الذي يمتد من الأوزاعي شمالاً وحتى الناعمة جنوباً بقصد طمر أي نوع من أنواع النفايات».
ومن البقاع، حذر النائب عاصم عراجي من نقل النفايات إلى بعض المناطق في البقاع الأوسط، وتحديداً مكب بر الياس الذي يعاني بسببه أصلاً أهالي المناطق المجاورة ويطالبون بإقفاله لما يسببه من أمراض وتلوث، وإلى مكب زحلة الذي لا يكفي إلا لمدينة زحلة». وأضاف: «في هذا الإطار، إننا في البقاع نرفض رفضاً قاطعاً ما يتردد عن إرسال نفايات إلى مناطقنا، ونحذر من الإقدام على قرار كهذا.
ووزع «لقاء الأندية والجمعيات في النبطية» بعد الاجتماع مع محافظ النبطية القاضي محمود المولى، بياناً أعلن فيه رفضه لـ»خطة إدارة النفايات المقترحة من وزير البيئة»، معلناً أنه «ضد توسيع المكب العشوائي في الكفور وشق طرقات وتحويله إلى مطمر، ووقف استقدام النفايات إلى المكب من خارج قضاء النبطية، والإسراع بتشغيل معمل فرز النفايات الخاص بمنطقة النبطية والجاهز وإجراء المناقصة.
حرق النفايات يعطّل شبكة الهاتف في بيروت
واصلت العديد من البلديات رفع النفايات من الحاويات وجمعها في عقارات مؤقتة، ولا سيما في ساحل المتن وعدد من قرى وبلديات محافظة جبل لبنان، والضاحية الجنوبية لبيروت. فيما اكتفى عدد من البلديات وسكان محليون بحرق النفايات في الحاويات، ما فاقم أزمة تلوث الهواء بالسموم المسرطنة. وأعلن المكتب الإعلامي لهيئة أوجيرو، في بيان، أنه «على إثر إحراق مواطنين النفايات في بعض مناطق العاصمة بالقرب من ثلاثة موزعات للهاتف في ميناء الحص ورأس النبع وبئر حسن، أدى ذلك إلى إحراق موزعات أساسية وثانوية وانقطاع الخدمة الهاتفية الثابتة والإنترنت عن 4000 خط تابعة لمشتركين في المناطق التي تغذيها هذه الموزعات مخلفة أضراراً جسيمة في الشبكة الهاتفية». وأشارت إلى أن «الفرق الفنية التابعة للهيئة قد بدأت بإصلاح الأعطال فوراً على الرغم من صعوبة العمل نتيجة تراكم النفايات بالقرب من الموزعات، راجية من المواطنين عدم رمي وإحراق أي من النفايات بالقرب من الموزعات الهاتفية التي ينعكس توقفها ضرراً على الحياة المعيشية واليومية للمشتركين في بيروت». وأعلن فوج إطفاء مدينة بيروت، «أن وحداته وضعت في حالة استنفار وجاهزية تامة، وقامت تلك الوحدات بعمليات إخماد أكثر من 140 حادث حريق مفتعل في عدد كبير من مستوعبات النفايات والحاويات المنتشرة في شوارع مدينة بيروت». وطلبت قيادة «الفوج» من المواطنين «عدم إضرام النيران في النفايات أو المستوعبات، ووضع «الفوج» رقم النجدة (175) بتصرف المواطنين في المدينة على مدار الساعه للتبليغ عن أي حادث».
معمل نفايات صيدا مستعد لاستقبال 300 طن
أعلن المدير العام لشركة IBC، مالكة ومشغلة معمل معالجة النفايات المنزلية الصلبة في صيدا، نبيل زنتوت، أن «البحث جارٍ بين الجهات المعنية والبلدية لاستقبال ما بين 250 و300 طن إضافية وتشغيل المعمل بكامل طاقته لتخفيف عبء النفايات عن باقي المناطق»، موضحاً أن «رئيس البلدية يشترط لإتمام هذه العملية إخراج العوادم من صيدا».
وقال زنتوت في مؤتمر صحافي في «نادي الصحافة» أمس، إن «المعمل تملكه شركة خاصة ردمت الأرض واستصلحتها وبنت المعمل برأس مال يصل إلى نحو 16 مليون دولار»، لافتاً إلى أن «بناء المعمل بدأ عام 2004 وأُنجز عام 2009 وباشر العمل في 2012»، مشيراً إلى أن «طاقته اليومية هي 500 طن، وهو يعمل الآن بطاقة تراوح بين 250 و300 طن، ويمكنه استقبال ما بين 250 و300 طن إضافية يومياً، ويستخدم 200 موظف وعامل بين مهندسين وإداريين وعاملين في الفرز والمعالجة».
وأوضح أن «المعمل يفرز كل النفايات التي تصله ويخمر النفايات العضوية بطريقة ميكانيكية بيولوجية لاهوائية، ويمكن من خلالها الحصول على الغاز لإنتاج نحو 2 ميغاواط طاقة كهربائية تستعمل لتشغيله ولتشغيل معمل إعادة التدوير، ويزود البلدية بنحو 150 كيلواط تستعملها في إنارة الشوارع، لافتاً إلى أن «المعمل في كانون الأول المقبل لن يكون في حاجة إلى مطمر، لأنه لن تكون لديه عوادم للطمر، إذ إنه سيحولها إلى «أحجار هوردي» تستخدم في البناء.
وأوضح رداً على سؤال أن «كلفة معالجة الطن الواحد تصل إلى 95 دولاراً يدفعها الصندوق البلدي المستقل»، مشيراً إلى أن «المعمل يفرز النفايات بنسبة مئة في المئة تلافياً لطمر نفايات عضوية».
إلا أن الرئيس السابق لبلدية صيدا عبد الرحمن البزري، حذر من إعادة مشكلة النفايات إلى المدينة التي عانت منها لسنوات طويلة. وقال: «لقد دعمنا وأيدنا جهود البلدية الحالية لإزالة مكب النفايات وتشغيل مركز المعالجة، وتغاضينا عن العديد من التجاوزات التي حصلت خلال معالجة الجبل والتخلص منه عشوائياً في البحر، ودعمنا بقاء مشروع مركز المعالجة قابلاً للاستمرار رغم تحفظ العديد من الوزراء في حكومات متعاقبة، وإدارات الدولة، والمراجع المختصة. ولذلك لا يجوز السماح بإعادة صيدا إلى خريطة مشاكل النفايات التي هي أولاً وأخيراً مسؤولية الطبقة الحاكمة ونتيجة للإهمال والتغاضي على مدى عشرين عاماً على الأقل من المحاباة والمصالح المتبادلة».
وأشار البزري إلى أنه «باعتراف إدارة مركز معالجة النفايات هناك 25% من الحد الأدنى من العوادم الناجمة عن المعالجة التي تحتاج إلى طمر بعد المعالجة»، لافتاً إلى أن «مركز صيدا يعالج الآن بين 200 و 300 طن من النفايات يومياً، فإذا أضفنا إليهم 300 طن أخرى يصبح لدينا كحد أدنى 150 طناً من النفايات اليومية التي تحتاج إلى مطمر للتخلص منها، والتي لا نثق بقدرة الحكومة الحالية على إيجاد مكان صالح للتخلص منها».
كذلك جددت الجماعة الإسلامية تمسكها الحازم بقرار المجلس البلدي الرافض لنقل النفايات، ودعت الجماعة الحكومة إلى «تحمل مسؤولياتها وعدم رمي كرة عجزها وتقصيرها على مدينة صيدا، التي استطاعت بعد معاناة كبيرة وطويلة التخلص من تلك الأزمة البيئية وأمراضها وروائحها، واستطاع الصيداويون بفضل ذلك الإنجاز تنشق الهواء النظيف، وهم غير مستعدين أبداً للعودة إلى الوراء، بسبب تلكؤ البعض أو سمسرات البعض أو النكايات السياسية عند البعض الآخر».
www.al-akhbar.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه