كثرت في السنوات الأخيرة استخدام ألفاظ وكلمات وتعابير وتوصيفات صادرة عن مجموعات وفئات مذهبية متوحشة أسوأ من الخوارج وقتلة الأنبياء والصحابة، كداعش والنصرة وبوكو حرام وبعض الجماعات السلفية المتطرفة
كثرت في السنوات الأخيرة استخدام ألفاظ وكلمات وتعابير وتوصيفات صادرة عن مجموعات وفئات مذهبية متوحشة أسوأ من الخوارج وقتلة الأنبياء والصحابة، كداعش والنصرة وبوكو حرام وبعض الجماعات السلفية المتطرفة وأصدقائهم من الذين تمت برمجة عقولهم بقصد توتير الأجواء ونشر وإيقاظ الفتنة وزياد حدة الاحتقان والعداء المذهبي بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم للتصادم والاقتتال فيما بينهم من جهة وبين العرب وإيران من جهة أخرى.
محمد خضر قرش – القدس
ولم تكتف هذه الزمر الانكشارية الجاهلة بتوسيع هوة التناحر والاصطدام بين السنة والشيعة والعلوية والدروز وغيرها من المذاهب فحسب، بل تمادت في غيها وضلالها وأفكها وانتقلت إلى محاولة تصديع النسيج الاجتماعي الفلسطيني والعربي من خلال التفرقة بين المنتمين للديانتين الأكبر في العالم العربي وهما المسيحية والإسلامية. وقد أدخلت هذه المجموعات والفئات التي لا تتقي الله، التعابير المشار إليها في حياتنا اليومية عبر وسائل الإعلام المختلفة.
وقد استخرجتها من دفاتر التاريخ المشوهة وغير الحقيقية والموغلة في القدم، لكي تشغل حياة المسلمين والعرب وتبعدهم عن مواجهة أعدائهم الحقيقيين.لقد تناسوا عن عمد أو أوعز إليهم أن يتناسوا ما جاء في كتاب الله الكريم حول أن الدين لله وأن جميع الناس قد خلقوا من نفس واحدة وان الله خلقنا من آدم وحواء وجعلنا قبائل وشعوبا لنتعارف ونتبادل العلوم والثقافات واللغات ونتعرف على بعضنا بعضا وليس ليجز بعضنا رقاب بعض.فالله جلًت وعظمت قدرته لم يخلقنا عبثا وإنما لنعمر الأرض ونقيم حدود الله ونتبع الأنبياء والرسل وما جاءوا به.
وحتى لا أطيل فإن خير الكلام كلام الله وأكبر حجة ودليل هو ما اشتمله القرآن الكريم من آيات بينات تؤكد على ما ذهبنا إليه. وسنحاول فيما يلي تبيان أو ذكر بعض الآيات وليس كلها. فالله قال في سورة الحجرات ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾ وفي سورة هود قال " ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) وفي سورة يونس قال " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين( 99 ) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ)100( وفي سورة الحج قال" لِّكُلِ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ (67) وفي سورة المائدة قال " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (الآية 48 ).
وفي سورة الحج الآية 17 قال الله تعالى" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. فالله تعالى هو الذي سيفصل بين الناس والأمم وليس داعش والنصرة وبوكوحرام وطالبان وكتائب بيت المقدس وأحرار الشام والجيش الحر وما يسمى بجماعة العهدة العمرية!!! وعشرات المنظمات الإرهابية التي تتستر خلف الدين الإسلامي الحنيف.حتى المجوس لا يجوز لنا أن نجز رقابهم،وحده الله سبحانه وتعالى سيفصل بين كل الأمم والناس بل لقد طلب منا الله سبحانه وتعالى أن لا نسب الكفار والذين يدعون من دون الله حتى لا يسبوا ديننا في قوله في سورة الأنعام الآية 108 " وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". فلو أرادت مشيئة الخالق أن يخلقنا على دين واحد وكتاب واحد ونبيً واحد لفعل ،لأن سبحانه قادر أن يقول له كن فيكون".
ففي سورة النحل الآية 40 قال الله تعالى" إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. ولنا في الحوار والنقاش الذي تم بين الله خالق البشرية جمعاء وبين إبليس خير مثال. فالله كان قادر وبسهولة وبرمشه عين أن يخسف الأرض بإبليس اللعين ويرسله إلى جهنم ولكنه جلت قدرته أراد أن يعطي هذا مثلا لكيفية التعامل مع الشياطين والكفار من الأنس والجن على حد سواء.وقد أوضحها جلية في سورة الكافرون حينما قال وهو أصدق القائلين " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ. فلكل منا دينه ومعتقداته وشعائره والله سبحانه وتعالى سيفصل بيننا يوم القيامة وليست داعش والنصرة اللعينتان.فلا يحق لكائن من كان بغض النظر عن موقعه في الإعراب أو معرفته بعلم الفقه والحديث أن يكفر هذا أو ذاك ما دام ينطق بالشهادتين، فالله اعلم بصدقنا أو كذبنا فكلنا عبيد لله وكلنا متساوون أمام الحق سبحانه. وخلاصة القول في هذا السياق أنه لا يحق لأحد أن يدعي بأنه أكثر إيمانا أو إسلاما من غيره وما عداه فهو مجوسي وفارسي وعلوي وعلماني ونصيري وكافر، إلى آخر هذه المفردات المملة والمقيتة والمثيرة للفتنة ، حيث يقوم العديد بترديدها كالببغاوات دون التدقيق فيما إذا كانت تتعارض مع ما جاء في الكتاب والسنة أم لا.
الاجتهاد حق بل ومطلوب على قاعد الإيمان بالله وحده لا شريك له. فكلنا من آدم وآدم من تراب فلماذا نتصرف بخلاف ما ينص عليه كتاب الله!!! ولنا ما جاء في سورة الكهف الآية 6 حينما خاطب الله نبيه الكريم قائلا له " فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا والآية 3 من سورة الشعراء " لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " والآية 31 من سورة الرعد " أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا .
وهناك آيات أخرى كثيرة تحمل نفس المعنى.فمن يهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَ فإنما يضلُ عليها. فكلام الله واضح وجليً لا لبس فيه ولا غموض وعلى المؤمنين بكلام الله أن يطبقوه ويكفوا عن شتم الآخرين وجز رؤوسهم وسب دياناتهم وما يعتقدون. لقد حرم الله علينا أن نسب ديانات الآخرين أو نستهزئ بهم وبما يعبدون حتى لا يسبوا ديننا الحنيف عدوا ، بغير علم أو عن جهالة أو بسبب سوء تصرفنا وسلوكنا ومعاملتنا لهم. فلنتق الله ولنكف عن تجريح ديانات الآخرين. فهذه التعابير الملتقطة من الجاهلية الأولى حان لها أن تدفن كليا وأن نتوقف عن استخدامها ضد من يختلفون معنا في الاجتهادات.
فحينما قال الله تعالى في سورة آل عمران الآية 110 " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ( وبغض النظر فيما إذا كان المقصود في هذه الآية الكريمة الذين هاجروا مع رسول الله من مكة إلى المدينة حصرا أم عموم المسلمين ) فلا يستقيم الشرط الأول (خير أمة) بدون تحقق وتنفيذ المتطلبات وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله. تلك حدود الله الواجب الأخذ بها وعدم الخروج عليها .فالدين معاملة وسلوك وأخلاق لذلك خاطب الله رسوله "وإنك لعلى خلق عظيم " الآية 4 من سورة القلم.وبناء على ما تقدم، فإن كل من يكفر مسلما سنيا كان أو شيعيا أو يزيديا أو اسماعيليا أوعلويا ، ليس بمؤمن ولا بمسلم كما أن من يسب ويؤذي أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى ويطلق عليهم الأوصاف الجارحة أو غير المناسبة فهو بذلك يخالف ويعارض كلام الله ،عدا ما يتم أثناء نشوب القتال والحروب وقيامهم بقتال المسلمين والعرب.
وبقي أن أشير هنا إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أن إيران كانت مسلمة سنية تسير على المذهبين الشافعي والحنفي حتى العام 1501ميلادية حينما تولى الحكم السلطان إسماعيل الأول فبدأ بنشر التشيع بعد أن طلق زوجته طلاقا بائنا فلم يجد ضالته في إرجاعها سوى بتفسير من إحدى الأئمة الشيعة في العراق والبحرين فقرر الأخذ به. لكن الشيعة ظلوا أقلية في إيران حتى العام 1600ميلادية.
فالتشيع في العراق والبحرين وجبل عامل في لبنان سابق بمئات السنين عن إيران. وعليه فالأخيرة لم تصدر أو تنشر المذهب الشيعي وإنما أخذته من العرب في البحرين والعراق بالدرجة الأولى. وحينما قاتل العراق إيران لمدة 8 سنوات، كان المقاتلون العراقيون والطيارون والقادة العسكريون الشيعة يحاربون بشراسة منقطعة النظير الجيش الإيراني وانتصروا عليه ،فانتمائهم للعروبة كان يتصدر الأولويات وليس الولاء المذهبي. وحينما قرر شاه إيران ضم البحرين إلى إمبراطوريته الفارسية بالقوة عام 1972 وكان على وشك غزوها أُتفق على إجراء استفتاء في البحرين في العام المذكور وقد قرر شعب البحرين بأن يبقى دولة عربية مستقلة ورفض بأغلبية ساحقة بأن يكون جزءا من إيران علما بأن أكثر من 70% من سكانها شيعة.
فالشيعة في العراق والبحرين ولبنان عرب أقحاح ،قدموا شهداء في ساحات الوغى وقتال الأعداء سواء في فلسطين أو لبنان أو سوريا أو مصر.فكيف يطلق عليهم أسم الرافضة وهم عمود المقاومة والنضال في الوطن العربي. وكلمة أخيرة نقولها بأن شاه إيران محمد رضا بهلوي كان أخر السلالة الفارسية التي حكمت إيران وليس رجال الدين الحاليين والتاريخ والوثائق متاحة للجميع للتأكد مما ذهبت إليه.وجملة أخيرة نقولها لعديمي الذاكرة ولمشعلي الفتن ،بأن المقاومة الفلسطينية السنية نمت وترعرعت وناضلت في جنوب لبنان الشيعي حيث تعرض سكانه للقتل والتهجير والنزوح مرات عديدة منذ 1970 . لقد حموا المقاومة ولم يخرجوا عليها أو يناهضوها أو يطعنوها من الخلف كما فعل العديد من العرب السنة. والله نسأل التوفيق وحسن الختام.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه