تحوّل لقاء محمد جواد ظريف وفيدريكا موغريني، الذي عقد في طهران، إلى مناسبة لإعلان صفحة جديدة من المحادثات بين الطرفين، على مستوى عالٍ، يتناولان خلالها القضايا كافة، ومن بينها الملفات الإقليمية.
حسن حيدر
تحوّل لقاء محمد جواد ظريف وفيدريكا موغريني، الذي عقد في طهران، إلى مناسبة لإعلان صفحة جديدة من المحادثات بين الطرفين، على مستوى عالٍ، يتناولان خلالها القضايا كافة، ومن بينها الملفات الإقليمية.
وصلت منسّقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني إلى العاصمة الإيرانية طهران، يوم أمس، قادمة من الرياض. زيارة باسم تسع وعشرين دولة أوروبية، تأتي اللقاءات فيها مع المسؤولين الإيرانيين شكلية، خصوصاً أن موغريني كانت قد لعبت دور الوسيط على طاولت المباحثات وشكلت محطة لإيصال الرسائل، خلال المرّات العشر التي قرّر فيها الإيراني ترك المفاوضات. آنذاك، تحوّلت إلى «رجل الإطفاء الدبلوماسي»، الذي تبنّى تقريب وجهات النظر من دون التدخل في مجريات الأحداث، كما كانت المنسق الناجح الذي دوّر الزوايا، وأخرج الإعلان النووي في فيينا.
زيارة موغريني لطهران تأتي للاطمئنان إلى ما تم الاتفاق عليه. هي وضعت السعودية في أجواء الاتفاق، ومن المؤكد أنها نقلت إلى الجانب الإيراني «حرفيّة» ما قاله السعوديون، إن كان ترحيباً أو قلقاً. ما يهم منسّقة السياسات الخارجية الأوروبية هو أن ينعكس هذا الاتفاق هدوءاً على المنطقة، وقد أرادت من زيارتها أن تستكشف الأجواء العامة؛ فالمرشد الأعلى، السيد علي خامنئي، لم يصرّح بقبول أو برفض الاتفاق، وأوكل المهمة إلى مجلس الأمن القومي والشعب الإيراني ممثلاً بمجلس الشورى، وهذا ما زاد الغموض بشأن موقف الداخل الإيراني من مضمون الاتفاق وبعض بنوده.
لذا، تريد موغريني استجلاء الموقف بعدما دخل «بيان إجراءات العمل المشترك» مرحلة البحث والتدقيق. ومن المهم بالنسبة إليها، أيضاً، أن تكون على معرفة بآخر ما توصلت إليه دوائر القرار في إيران حتى الآن.
ما قالته موغريني في طهران، لامس المخاوف الإيرانية من مرحلة ما بعد الاتفاق. فقد شددت خلال لقائها وزير الخارجية محمد جواد ظريف على ضرورة احترام الأطراف تعهداتهم والتزاماتهم، واعدة إيران بسيل اقتصادي أوروبي، وباستثمارات ضخمة تسهم في تعزيز الحوار والشفافية. لكن كلام منسّقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي لم يغفل الملفات الإقليمية، فقد مررت بعض الرسائل، بالحديث عن التعاون ما بعد الاتفاق، وذلك لحلحلة أزمات المنطقة، وهو ملف شائك ينظر إليه الجميع باعتبارات مختلفة.
في حال التوقيع ورفع العقوبات، ينتظر الغرب تحرّكاً إيرانياً بشيء من «الامتنان» لردّ عرفان الاتفاق، عبر نقل تجربة المباحثات والمفاوضات إلى الملعب الإقليمي، لتلعب طهران دوراً في مكافحة الإرهاب. لكن إيران تقف عند هذه الكلمة، فالتعريف الأميركي للإرهاب يشمل عدوّ إيران وصديقها، و«داعش» في المفهوم الإيراني إرهاب، ولكن المقاومة ومحورها ليسا كذلك، ليأتي الرد مباشرة، خلال المؤتمر الصحافي في مبنى وزارة الخارجية الذي استضاف موغريني والوفد المرافق. كان كلام ظريف دقيقاً، ومفاده أن إيران ستلتزم بتعهداتها وستتعاون لحلّ أزمات المنطقة، لكن الحلّ لن يكون وفق الرؤية الغربية. فقد طالب بعض الدول، من ضمنها الولايات المتحدة، بإعادة النظر في سياساتها. يعني ذلك أن إيران ستكون من يتحكم في مجرى التعاون وتريد أن تفرض رؤيتها، من منطلق مصالحها ومصالح حلفائها.
حتى لو كان الأمر منوطاً بتنفيذ الاتفاق وتوقيعه رسمياً، ما سيسحب الضغط الدولي عن طهران ويسمح لها بأن تتحرك بهامش أكبر في المنطقة للمساعدة في حل أزماتها، فإن ذلك لا يعني حلّ الخلافات الداخلية في دول الإقليم. المعلومات من الأروقة السياسية الإيرانية تقول إن تأثير الاتفاق النووي سينعكس إيجابياً على الأجواء العامة لمعالجة المشكلات والمخاطر المشتركة، والمتمثلة في مكافحة الإرهاب والتكفير وإبعاد نار الفتنة والتقسيم، فيما الملفات الداخلية للدول، التي تتمحور حول خلافات بين الأقطاب السياسية على حصص حكومية هنا أو مقعد رئاسي هناك، لن يكون لطهران أي تدخل فيها، لأن الانفراج العام المتوقع في المنطقة، بعد الاتفاق، سينسحب تلقائياً على هذه الملفات التي ستحلّ بقناعات محلية ومباركة إقليمية ودولية.
ظريف أشار، خلال المؤتمر (الأخبار، أ ف ب) إلى أن الشعب الإيراني يشعر بالقلق حيال الثقة بالغرب، معرباً عن أمله في تجاوز أزمة البرنامج النووي الإيراني «غير المبررة»، ودخول مرحلة جديدة من العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وأكد أن «من الضروري أن تعمل الدول (الغربية)، خصوصاً الولايات المتحدة، على ردم عدم الثقة القائم، وذلك باتخاذ سياسات جدية ودقيقة». وأوضح وزير الخارجية الإيراني أن «مفاوضاتنا مع الاتحاد الأوروبي کانت بشأن القضية النووية، خلال الأعوام الأخيرة، وقبل ذلك کانت لدينا مفاوضات نقدية، ثم أجرينا مفاوضات تحت عنوان المفاوضات الشاملة»، ليضيف: «اتخذنا القرار اليوم بأن نبدأ جولة جديدة من المفاوضات بين إيران والاتحاد الأوروبي». كذلك أشار إلى أن «هذه المفاوضات ستبدأ علی مستوی مساعدي وزراء الخارجية وستتواصل علی مستوی الوزراء بصورة تدريجية».
وقال ظريف: «سنتابع فرص التعاون والإجراءات المشترکة، وقد اتفقنا علی أن نهتم بالقضايا الإقليمية في هذه المفاوضات»، موضحاً في الوقت نفسه أنها «سترکّز علی القضايا المختلفة... التي تشمل الطاقة والنقل والبيئة وحقوق الإنسان ومجالات أخری». ورأى كذلك أن الأزمات الإقليمية تشكل تهديداً للمنطقة والعالم، وحتى الاتحاد الأوروبي. وتابع: «التطرف والطائفية والإرهاب تسبّب، في الوقت الحاضر، إشاعة العنف وزعزعة الأمن»، مضيفاً أن «القلق الحالي مشترك».
أما موغريني، فأكدت أن تنفيذ الاتفاق النووي «سيكون خطوة تاريخية، وسيفتح آفاقاً جديدة لدى الجميع، ويعزز الثقة بين إيران والمجتمع الدولي». وفيما أشارت إلى أن إيران «لديها رغبة في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع دول المنطقة»، أوضحت أن «الاتفاق النووي سيعزّز الأمن والاستقرار في المنطقة عبر التعاون المشترك». واختتمت قائلة: «ينبغي تطوير الحوار السياسي حول قضايا المنطقة واستمرار الاتفاق بسلاسة».
www.al-akhbar.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه