في لمحة سريعة نحو الإقليم الذي تم زرع اسرائيل فيه، لن نجد صعوبة في التعرف إلى نظام لا يقل عنصرية واجراماً عن إسرائيل، إنه نظام آل سعود الذي سيطر على الجزيرة العربية بحد السيف بأسلوب وظروف مشابهة لقيام النظام الصهيوني
عشر سنوات على انطلاق حركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، المعروفة بحركة BDS. أطلق هذه الحركة نشطاء وأكاديميون ومثقفون وانضم اليها في غضون بضعة سنوات العديد من المؤسسات الأجنبية والعربية التي سعت ولا تزال لحث الشعوب العربية والاوروبية والغربية على ضرورة مقاطعة مؤسسات الاحتلال الاسرائيلي الاستيطانية منها والرسمية أكاديمياً، وثقافياً واقتصادياً، وقد حققت الحركة نجاحات واسعة تسجل لها، الأمر الذي أجبر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على استنفار طاقمه الدبلوماسي في الشهرين الفائتين في حملة مضادة لنشاطات الحركة لتقليص تأثيرها على القرارات الرسمية والأهلية الاوروبية والاميركية بالتحديد.
علي مراد/ الأخبار
عشر سنوات جسّدت لنا نموذجاً جديراً بالدراسة، من حيث الفاعلية والتأثير، فحركة BDS وكما تعرّف نفسها أنها انطلقت لمعاقبة إسرائيل على ارتكابها جرائم حرب بحق الانسانية من خلال شنها حروباً وقتلها عشرات الآلاف من الفلسطينيين واحتلال ارضهم عبر عقود من الزمن، وبسبب نظامها العنصري الذي اعتقل وحاصر الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة بأسلاك شائكة وجدران اسمنتية وحواجز التفافية.
في لمحة سريعة نحو الإقليم الذي تم زرع اسرائيل فيه، لن نجد صعوبة في التعرف إلى نظام لا يقل عنصرية واجراماً عن إسرائيل، إنه نظام آل سعود الذي سيطر على الجزيرة العربية بحد السيف بأسلوب وظروف مشابهة لقيام النظام الصهيوني على أرض فلسطين. لطالما شنّ هذا النظام حروباً بالواسطة في أفغانستان والعراق وسوريا وحارب الشقيق بسلاح المفخخات واذكاء نيران الفتنة المذهبية المشحونة بفتاوى التكفير الوهابية، ليكشف عن وجهه المتوحش أخيراً بإعلانه الحرب المباشرة على اليمنيين التي باركها الاميركي كما يفعل لإسرائيل، وصبّ ويستمر حمم طائراته وصواريخه فوق رؤوس الآمنين من دون أن يردعه قانون دولي أو شرعة حقوق إنسان. أربعة أشهر من التدمير وقتل المدنيين والاستهداف الممنهج للتراث والحضارة اليمنية بآثارها التاريخية، من دون أن يستجيب الى دعوات الهدنة المتكررة التي قبلت بها اسرائيل خلال اعتداءاتها الماضية المتكررة على لبنان وفلسطين وهو رفضها مراراً.
في ظل هذا التمادي الموغل في الدماء البريئة والعدوان الوحشي الذي على ما يبدو لن يوقفه ضغط رسمي دولي عملاً بالقوانين الدولية، فلا أمل يرتجى من الدول العربية التي أطلعتنا بعض وثائق «ويكيليكس» على ارتهان السواد الأعظم منها للريال السعودي، ولا أمل بضغط شعبي عربي في ظل ما يحصل في الاقطار العربية من حروب وهجمات ارهابية أشغلت المواطن العربي في البحث عن أمنٍ له ولعائلته عن الاهتمام والتظاهر نصرة لشقيقه اليمني، من دون اغفال العامل الطائفي والمذهبي الذي أتقن آل سعود استغلاله لعزل واحتواء أي معارضة لعدوانهم.
في ظل كلّ ما ذُكر، تبرز الضرورة والحاجة الى اجتراح حلول ذاتية لكل رافض للغطرسة والعدوان السعودي، لتشكل وسيلة ضغط على النظام الوهابي لردعه وايلامه حيث يتألم، فنموذج حركة BDS حاضر بين أيدينا، والنشطاء الذين يظهرون على وسائل الاعلام يومياً منددين باستمرار العدوان موجودون وما أكثرهم والهيئات والمراكز الحقوقية الأوروبية والغربية منها بدأنا نسمع لها صوتاً وإن كان خافتاً بعض الشيء.
ما الذي يمنع من تشكيل حركة BDS لمقاطعة نظام آل سعود أكاديمياً، وثقافياً واقتصادياً؟ فالجمعيات والهيئات البريطانية المناهضة للحروب تنشط بشكل فاعل ولها تأثير شهدناه العام الماضي في تحركها بالضغط لإقفال مصانع سلاح تورد القنابل لإسرائيل في عدوانها على غزة، واذا ما علمنا ان السعودية تستورد سنوياً ما قيمته 4.1 مليار يورو من السلاح البريطاني، و3.3 مليار يورو من السلاح الفرنسي، و4 مليار يورو من أسلحة دول اوروبية أخرى فالإمكان التعاون مع منظمات حقوقية ونشطاء في تلك الدول للضغط على المصانع والسعي لفضحها وتعريتها لتقليص ايراداتها لنظام اوغل في الإجرام، والجامعات الاوروبية والاميركية التي استجابت لدعوات مقاطعة نظيراتها الاسرائيلية بإمكانها الاستجابة أيضاً لدعوات مقاطعة الجامعات السعودية، ومؤسسات المجتمع المدني الاوروبي والمجالس الأهلية في ايرلندا وبريطانيا والولايات المتحدة ستستجيب لدعوات المقاطعة اذا ما تم ايصال الصورة اليها كما يجب وممارسة الضغط عليها باسم الانسانية وحقوق الانسان.
وعلى صعيد الاقتصاد بالإمكان مقاطعة المنتوجات السعودية وإن كانت قليلة على المستوى العربي، فمثلاً يمكن الاستغناء عن شراء التمور والألبان ومعلبات اللحوم ومشروبات الطاقة السعودية واستبدالها بمنتوجات مماثلة من دول عربية أخرى.
ليس الأمر بصعب، اذا ما تخيلنا حجم الغضب الذي يعتمر صدور شرائح واسعة من ابناء الوطن العربي والاحرار في العالم تجاه استمرار عدوان آل سعود على اليمن وجرائمهم في دول عربية أخرى، ويقيناً سنجد استجابة واسعة من قبل الشعب العادي وصولاً الى مؤسسات وشركات ونخب أكاديمية وثقافية على امتداد العالم العربي وحتى في أوروبا ودول الغرب، ولن تفلح الحملات المضادة للسعوديين في عرقلة مثل هكذا حملة، فلن يستطيعوا رشوة كل رافض لسياساتهم وعدوانهم كما يفعلون مع الأنظمة وعدد كبير من وسائل الاعلام. والمؤكد أن مثل هكذا خطوة ستشكل فرصة أولى على طريق ردع ممارسات نظام آل سعود وتعريته أمام شعوب العالم، فهو مهما كان قوياً ومتيناً لن يكون أقوى من إسرائيل بآلتها العسكرية الضخمة وأذرعها المتنفذة حول العالم التي آلمها وأحرجها نشاط حركة BDS.