22-11-2024 12:00 PM بتوقيت القدس المحتلة

اين تسيبراس لبنان؟... واين الشعب اللبناني من سياسييه؟

اين تسيبراس لبنان؟... واين الشعب اللبناني من سياسييه؟

"... أين تسيبراس لبنان الذي يستطيع منع التعطيل المؤسساتي المستمر والإخفاق في إتخاذ القرارات التي من شأنها معالجة الملفات الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية الملحة..."، وأين الشعب اللبناني من كل ما يجري؟

ذوالفقار ضاهر

"... أين تسيبراس** لبنان الذي يستطيع منع التعطيل المؤسساتي المستمر والإخفاق في إتخاذ القرارات التي من شأنها معالجة الملفات الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية الملحة..."، هذا ما قالته احدى المرجعيات السياسية اللبنانية الفاعلة في تعليقها على ما جرى في اليونان قبل فترة من الوقوف بوجه شروط الدائنين المجحفة.

ونفس هذه المرجعية اللبنانية في يوم من الايام سبق ان قالت في حديث لها خلال احد البرامج الحوارية انه "لو كان في لبنان شعب لما بقينا على كراسينا.."، فعلا فإن هذا الكلام يدعو الى التأمل، في البحث عن بقايا رجال سياسة حقيقيون في لبنان يعملون لمصلحة وطنهم وشعبهم، وكذلك عن الشعب الذي يحاسب ويقف بوجه السياسي الذي يخطئ ويرتكب لمصلحته الشخصية ولحاشيته باسم مصالح الناس ومحازبيه وطائفته ومنطقته...

وبالفعل فإن ما جرى في اليونان يدعو الى التساؤل عن "تسيبراس لبنان" وهل هو فعلا موجود في وطننا؟ وهل يمكن لاحد من السياسيين اللبنانيين محاولة تقليده لاثارة الشعب البناني باتجاه مصالحه؟ وهل يمكن لاي سياسي في لبنان ان يكون هكذا؟ وماذا عن الشعب اللبناني ولماذا لا يكون على شاكلة الشعب اليوناني الذي رغم كل ظروفه الصعبة وقف وقال كلمته ورفع الصوت بـ"لا" للشروط المجحفة من قبل الدائنين واختار حريته وكرامته قبل اي امر آخر وقبل ان تخنقه الديون اكثر ما هي اليوم.

وبحثنا عن النسخة اللبنانية الشبيهة لـ"تسيبراس" لا تعني اننا نتبنى الطرح الاقتصادي او الفكري لرئيس الحكومة اليونانية بل بحثنا هو عن نسخة لبنانية تحاول فعلا البحث عن مصالح لبنان واللبنانيين لا عن مصالحها الخاصة وكيف ان الرجل عاد الى الناس باعتبارهم هم أصل كل السلطات واليهم يجب الرجوع عن كل مفصل من مفاصل الحياة العامة.

ولدينا في أزمة النفايات الاخيرة الشاهد الحي على الازمة اللبنانية بالحبث عن السياسيين الاشراف وعن الشعب الذي يحاسب، فلماذا لم نرَ أقلها حتى الساعة حلا حقيقيا او مشروع حل جذري لمشكلة النفايات؟ وبالتأكيد الامور لا تبشر بخير في هذا الاطار، وأين الشعب اللبناني من كل ما جرى؟ لماذا لم نرَ التظاهرات والاعتصامات التي نشهدها عند كل حدث سياسي يثير الانقسام بين اللبنانيين؟

وعلى شاكلة ازمة المديونية(الشبيهة بمديونية اليونان الى حد ما)، نرى كل الازمات في لبنان تدار بنفس الطريقة ولا نرَّ كلمة واضحة جريئة صادقة كما جرى في "بلاد الاغريق" سواء من الشعب او من السياسيين، ففي كل أزماتنا يخرج اهل السياسية بكلهم وكلكلهم للاستنكار والتنديد والشجب، على طريقة "اسمع كلامك اصدقك اشوف افعالك استعجب" ويظهرون تضامنهم مع هموم الناس وانهم مهتمون بحل المشاكل بأسرع وقت ممكن، وكأنهم ليس هم من يحكم ويستلم مفاصل الدولة منذ عشرات السنين وتوارثوها ابا عن جد.

ففي لبنان لا يهمنا كل المديونية وارتفاعها الكبير ولا تهمنا ازمة الكهرباء والمياه والمواصلات والنفايات والفساد والفراغ الرئاسي والتعطيل في مؤسسات الدولة... وغيرها الكثير من المشاكل والازمات، فكلنا يرمي الكرة باتجاه الآخر ويحاول تبرير الاسباب لزعيمه السياسي ولفريقه الحزبي ولو كان على خطأ، بدل ان يجبر الشعب من كل الطوائف والمذاهب والمناطق هؤلاء السياسيين للقيام بواجباتهم على مختلف الاصعدة والمستويات، بكل الاساليب القانونية والديمقراطية والسلمية المناسبة من دون الاضرار بمصالح الناس وتوجيه الرسائل لكل من يقصر في القيام بواجباته بضرورة العمل او الرحيل.

ولماذا لا يتم العودة الى الناس للاطلاع على رأيهم في كل أزمة نقع فيها بدل تقاسم مغانم الازمات بين السياسيين وتحميل الناس مغارمها، ففي ملف النفايات حاليا، مع كل الجزم ان الحل لن يكون عصريا علميا وحضاريا بل سيكون على شاكلة مطمر الناعمة، لماذا لا نعود الى الناس لمعرفة رأيهم في ذلك، لعل الناس تقول كلمتها الصريحة لهؤلاء التجار من أهل السياسة ان الحلول تكاد تكون معروفة وواضحة في دول العالم ولا تحتاج الا اصلاح نفوس تجار النفايات من السياسيين، فلِمَ لا نلجأ الى استطلاعات الرأي وغيرها من الاساليب التي تساهم بأخذ او معرفة رأي هذا الشعب اللبناني الذي يعاني من الازمات التي تتكاثر يوما بعد يوم.

حول ذلك اعتبر المفكر السياسي معن بشور ان "أزمة النفايات كشفت حجم الازمة العامة في الحياة اللبنانية نظاما وحكومة ومؤسسات سياسية واهلية وحزبية"، واضاف انه "ليس من المعيب ان تنفجر ازمة كأزمة النفايات بوجه مجتمع كالمجتمع اللبناني لكن المعيب هو الطريقة التي يتم بها التعاطي مع هذه المشكلة سواء على المستوى الرسمي بمحاولة تقاسم هذا الملف او من خلال غياب ردود الفعل الشعبية المتناسبة مع حجم هذا الملف باستثناء بعض المبادرات التي قامت هنا وهناك".

وقال بشور "اذا كانت ازمة النظام في لبنان موضع كلام قديم وجديد فإن ازمة العمل الشعبي اللبناني هي المطروحة اليوم علينا جميعا"، وذكّر ان "الحركة الشعبية اللبنانية في الماضي خصوصا قبل الحرب الاهلية كانت حية فالتظاهرات كانت تنطلق التظاهرات دائما عند كل مفصل مطلبي او حياتي سواء فيما يتعل بسعر صفيحة البنزين او ربطة الخبز او اي مطلب للمعلمين او مزارعي التبغ مثلا"، ولفت الى ان ما تغير اليوم هو انتشار هذا المشهد الطائفي المذهبي الذي بات هو السائد في الحياة السياسية اللبنانية".

واشار بشور الى ان "البعض في لبنان يحاول استغلال هذا المشهد الطائفي في اتجاهات معادية للكرامة الوطنية والمقاومة الوطنية"، وتابع "علينا ان نعترف ان كل ما نطرحه على الصعيد المطلبي او المعيشي او الوطن سرعان ما يحولونه الى ملف طائفي ومذهبي لابعاده عن اهدافه الحقيقية"،  وأكد ان "هذا الامر يجمد اليوم كل حركة مطلبية"، وشدد على ان "هذه مسألة تحتاج الى علاج عميق يبدأ بضرورة المساهمة بتشيكلات نقابية وشعبية عابرة للطوائف والمذاهب".

وفيما تساءل بشور "لماذا تراجعت الاحزاب الوطنية ولماذا تغيب النقابات عن العمل الوطني؟"، لفت الى ان "الشعب اللبناني يعبر عن نفسه من خلال ادوات معينة، فكما تكونوا يولّى عليكم، فالشعب هو نقاباته واحزابه ولجانه الشعبية وجمعياته"، مشيرا الى ان "هذه كلها فتكت بها الامراض المذهبية والعصبيات والانقسامات باستثناء بعض الوقفات النيرة التي ما تزال تتمسك بالطرح الوطني ولا تسيس مواقفها من المطالب الشعبية ايا كانت".

وقال بشور إن "في الباطن اللبناني هناك ارهاصات صحوة سوف تجتاز كل العوائق المذهبية والطائفية لكن هذا يحتاج الى عمل"، ورأى ان "الشعب اللبناني سينفجر بشكل او بآخر لاحداث التغيير في النظام السياسي والطبقة الحاكمة"، ودعا "الجميع للعب الدور الوطني المؤثر في هذا المجال لا سيما وسائل الاعلام لتوعية الناس وتشكيل رأي يرفض الاستسلام لما تريده هذه الطبقة السياسية الطائفية"، لافتا الى ان "الواقع اللبناني جعل كل من لديه طرح وطني يحاصر سياسيا واعلاميا وماليا وتوجه اليه التهم من هنا وهناك فقط لانه يحاول كسر الحواجز الطائفية والمذهبية المحلية والخارجية وكأن المطلوب ان يبقى في البلد إلا صوت العصبية والفتن".

ودعا بشور "لعقد قمة حزبية استثنائية بعيدا عن الاعلام على مستوى قادات الاحزاب للبحث في الازمة اللبنانية وبكل ما يعانيه الناس، ولفت الى ان "هذا الاقتراح موجه لكافة الاحزاب اللبنانية لا سيما الوطنية منها"، واوضح انه "سيتم طرح هذه المبادرة في لقاء الاحزاب والفصائل اللبنانية كما ستوجه دعوات لبعض اطراف فريق 14 آذار في محاولة لايجاد حلول جذرية للازمة اللبنانية".

أليكسيس تسيبراس: هو سياسي يساري والرئيس الحالي للحكومة في اليونان، وقد عمل مؤخرا على معارضة شروط الدائنين لبلاده وطرح هذا الموضوع على استفتاء شعبي لمعرفة رأي الشعب اليوناني الذي رفض هذه الشروط.