لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السابع والثلاثين بعد الاربعمئة على التوالي. ولبنان بلا إرادة ولا إدارة سياسية تجد حلاً للملفات العالقة، وأبرزها وأخطرها حاليا قضية النفايات المرشحة للزحف مجدداً في شوارع العاصمة وضواحيها.
داود رمال
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السابع والثلاثين بعد الاربعمئة على التوالي. ولبنان بلا إرادة ولا إدارة سياسية تجد حلاً للملفات العالقة، وأبرزها وأخطرها حاليا قضية النفايات المرشحة للزحف مجدداً في شوارع العاصمة وضواحيها.
ولبنان سيمدّد إجازة ملف النفط الطويلة على رفّ انتظار الضوء الأخضر الأميركي، خصوصاً في ضوء «توافق» أهل السلطة على منح مجلس الوزراء إجازة طويلة الأمد اعتباراً من يوم غد الأربعاء، فيما رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، وبرغم الحرب الضروس التي يخوضها ضد التفاهم النووي في قلب الإدارة الأميركية، وبرغم «جبهاته» المفتوحة في كل اتجاه، يعطي أولوية لملف الغاز الاسرائيلي.
واذا كانت أسعار الغاز الطبيعي مرشحة للانخفاض في السنوات المقبلة، في ضوء التطورات المتسارعة التي تشهدها صناعة هذه المادة والتنقيب عنها، فضلا عن عناصر أخرى منها احتمالات تطوير الغاز الايراني، فإن مصادر ديبلوماسية غربية تقول إن مباحثات نتنياهو مع رئيس قبرص نيكوس اناستاسياديس قبل نحو أسبوع تهدف الى الاستفادة من موقع قبرص لتسويق الغاز الاسرائيلي أوروبيا، ولكنها لم تحقق كامل أهدافها.
وتضيف المصادر أنه برغم توقيع اتفاقات للتعاون في مجالات الطاقة بين البلدين تشمل تطوير حقول الغاز البحرية قبالة الساحلين القبرصي والاسرائيلي وإقامة أنابيب مشتركة، فإن ثمة مخاوف قبرصية تعبّر في طياتها عن مخاوف أوروبية وأميركية، بأن عدم تسوية المشاكل الحدودية بين اسرائيل من جهة، وبين لبنان وفلسطين ومصر من جهة ثانية، لن يفتح شهية شركات ومصارف عالمية على رصد امكانات ضخمة بل بالعكس، بدأت بعض الشركات تعيد النظر في قرار الاستثمار، اذا لم تكن هناك ضمانات بتسوية قضايا الحدود والسيادة العالقة.
واللافت للانتباه أنه عندما زار المبعوث الأميركي آموس هوشتاين لبنان مؤخراً لاستكشاف حدود الحراك اللبناني العملاني، وخصوصاً إقرار مراسيم التلزيم والتنقيب، كان واضحاً في كلامه الموجّه للبنانيين بأنهم خسروا أكثر من سنتين ولا يجوز أن يتأخروا أكثر، الأمر الذي استدعى توجيه سؤال لبناني واضح له حول امكان تولي الامم المتحدة مهمة ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين لبنان واسرائيل وقبرص، فكان جواب مسؤول ملف النفط في وزارة الخارجية الأميركية سلبيا، لكنه استدرك بالقول إن واشنطن والأمم المتحدة مستعدتان للعمل تحت أية مظلة أخرى تختارها السلطات اللبنانية، لأن الأمم المتحدة لن تقوم بهكذا مهمة، لا هنا ولا في أي مكان آخر في العالم.
غير أن هوشتاين حمل معه للمرة الأولى خرائط لمكامن نفطية عابرة للحدود البحرية اللبنانية ـ الفلسطينية، وهو الأمر الذي جعل الجانب اللبناني يطرح غداة الزيارة أسئلة عما اذا كان الأميركيون يريدون التطبيع النفطي بين لبنان واسرائيل أم أنهم يسعون، من خلال تسريع التفاهم النفطي، الى معالجة أزمة إسرائيلية داخلية عبّرت عنها زيارة نتنياهو الأخيرة الى قبرص؟
تقول مراجع لبنانية معنية لـ «السفير» إن المطلوب اميركيا «ايجاد مخارج حلول لاسرائيل بهدف تضييق الهوة الطبقية في المجتمع الاسرائيلي عبر تسريع وتيرة الاستثمار في قطاع النفط، وذلك في موازاة اعادة تصحيح نظام ادارة النفط في الكنيست الاسرائيلي، وذلك على قاعدة أن تتولى الدولة الاسرائيلية ادارة الملف النفطي، لا سيما عملية التفاوض مع الدول والشركات، على أن يتم انشاء شركة وطنية بهدف استقطاب المزيد من المهاجرين اليهود وتخفيف الهوة الاجتماعية».
واذا كانت الزيارات الاميركية السابقة لم تبين حماسة أميركية كبيرة للاجراءات المطلوب من الحكومة اللبنانية اتخاذها، فان زيارة هوشتاين الأخيرة تميزت عن سابقاتها بوجود ملامح ضغط على الدولة اللبنانية للبدء بكل الاجراءات المتصلة بعملية التنقيب، وهذا الأمر أثار «نقزة» رسمية، خصوصا في ظل تراجع اسعار النفط والغاز عالميا، الامر الذي سيؤدي الى جعل لبنان يخوض مفاوضات صعبة مع الشركات الكبرى، يخشى أن تتخذ المسار نفسه الذي أتبع مع قبرص، اذ ان الشركات احتالت على الدولة القبرصية وفرضت شروطها بذريعة ان عمليات الاستكشاف المحققة اظهرت ان المخزون ليس كبيرا وهذا لا ينطبق مع الواقع.
وتنبّه المراجع المذكورة الى ان السرعة لا تعني التسرّع، ولذلك على لبنان أن يرصد التطورات التي يشهدها القطاع النفطي عالميا «لأن أية دعسة ناقصة أو زائدة قد تؤدي الى تضييع فرصة ذهبية على لبنان للنهوض الاقتصادي والاجتماعي، كما أن توقيع لبنان للعقود قبل اصلاح القانون البترولي الحالي سيجعل بلدنا رهينة لعشرات العقود بيد الشركات العملاقة، من خلال تقييده عبر القانون الحالي الذي فيه اليد الطولى للشركات الأجنبية، في غياب أية شركة وطنية يمكن في حال توافرها أن تعيد الاعتبار للطبقة الوسطى من خلال استراتيجية اجتماعية موازية للاستراتيجية الاقتصادية».
وتشير المراجع نفسها الى أن المطلوب من رئيس مجلس النواب نبيه بري استعادة قانون النفط ووضعه بتصرف اللجان النيابية أو احدى اللجان الفرعية المتخصصة من أجل اعادة نظر شاملة ببنوده، «فاذا كانت السلطة التشريعية تشترط مرور أية اتفاقية قرض بمليون دولار عليها قبل إبرامها من الحكومة لأنها مع غيرها تربط مصير البلد لسنوات أو عقود من الزمن، فكيف هو الحال مع عقود نفطية بعشرات مليارات الدولارات ستربط لبنان لأكثر من 30 سنة الى الأمام»؟
من الواضح أن الموفد الأميركي فوجئ، قبل أن يتوجه الى اسرائيل، بموقف لبناني موحد حيال مسألة الحدود البحرية، وهو دعا الحكومة اللبنانية الى البناء على هذا التصور عبر السعي الى تثبيت معادلة الاستقرار في المياه اللبنانية وجوارها (...)، محذرا من أنه من دون توافر ذلك، فإن الشركات النفطية الكبرى لن تغامر بالاستثمار في الحقول اللبنانية.
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه