وضعت كتلة "الوفاء للمقاومة" النيابية الاصبع على الجرح في ملف النفايات، وكشف الوزير حسين الحاج حسن للرأي العام بأن المحاصصة السياسية هي اساس المشكلة في البلد بشكل عام وفي ملف النفايات بشكل خاص.
ذوالفقار ضاهر
وضعت كتلة "الوفاء للمقاومة" النيابية الاصبع على الجرح في ملف النفايات في وضع ينطبق على معظم الازمات والمشاكل في البلد، ففي مؤتمر صحافي عقده عضو الكتلة الوزير حسين الحاج حسن كشف للرأي العام ما يدركه الجميع بأن المحاصصة السياسية هي اساس المشكلة في البلد بشكل عام وفي ملف النفايات بشكل خاص.
فمن مناقصات تلزيم النفايات الى المحاصصة وصولا الى تمديد عقود سوكلين بشكل مستمر، كل ذلك ساهم بضرب هيبة الدولة في ملف النفايات ودفع بأهالي وسكان المناطق اللبنانية الى رفض استقبال نفايات العاصمة بيروت، وفي هذا أشار الوزير الحاج حسن الى وضع "اللبنة الاولى" المعتمدة في لبنان لحل ازمة النفايات بتأكيده على ضرورة التفاهم السياسي لايجاد مطامر صحية وحل مشاكل نفايات كل منطقة على حدى وضرورة استقبال المناطق لنفايات العاصمة وضواحيها لعدم وجود اماكن تصلح لتكون مطامر فيها.
فالسياسة في لبنان هي أصل الداء وبنفس الوقت هي الدواء والعلاج لكل شيء، وهنا السؤال كيف سيحلها أهل السياسة وهم من عقّدها ووضع العراقيل؟ هل تغيرت الظروف وجرى تقسيم جديد لـ"كعكة" ملف النفايات يؤدي الى قبول الاطراف المشاركة كي يوافقوا على الحل؟ ام ان الامر ما زال على حاله ويحتاج الى اعادة توزيع للمنافع بين السياسيين؟ لا سيما ان الوزير الحاج حسن كشف ان بعض الشركات مُنعت من تقديم عروض وذلك بضغوط سياسية من جهات معينة لها مصالحها في ملف النفايات.
عقلية المحاصصة هي التي تحكم تعاطي السياسيين مع كل الملفات..
فقد طرحت العديد من الافكار لايجاد مخارج لموضوع النفايات منها ايجاد مطامر جديدة صحية ومنها انشاء محارق تتضمن مواصفات معينة ومنها تصدير النفايات، وانطلاقا من عقلية المحاصصة التي تحكم السياسيين لا يتوقع الوصول الى حل سريع لموضوع النفايات باعتبار ان كل طرف سيأخذ وقته لحساب الارباح والخسائر بالنسبة للحلول المطروحة وعلى اساس ذلك سيؤيد او يرفض ما يطرح من عروض وافكار، بغض النظر عن اية مصلحة عامة للبنان واللبنانيين، وهنا الجريمة الاساسية التي يرتكبها السياسيون الذي يقيّمون كل شيء بمعيار الارباح المالية من دون اي قيمة للناس وصحتهم ومصلحتهم.
فأي منطق وعقلية تحكم الشأن العام في لبنان، وكيف يمكن انتظار حل من سياسي لا يرى سوى مصالحه الضيقة حتى في النفايات ولا يحس بالمعاناة مع شعبه، وطالما ان الامر على هذا الحال في لبنان فيمكن القول ان "من لا تلسعه النار لن يحس بخطرها" ومن لا يعاني من أزمات النفايات والمياه والكهرباء والمواصلات وارتفاع الاسعار على اختلافها والفساد والبطالة و...غيرها الكثير، لا يمكن مطالبته ان يحل ايا منها، وذلك لسببين: اولهما انه لا يشعر بضيق تجاهها، وثانيهما انه يحقق مكاسب ومبالغ مالية ضخمة بواسطتها، لذلك فهذا المنتفع سيعرقل اي حلول قد تطرح لانها تتعارض مع مصالحه الشخصية المباشرة، بل اكثر من ذلك سيعمل على استمرار الازمات التي يعيش منها وبسببها، فالمستفيد من الفساد مثلا لا تطلب منه الاصلاح ابدا لانه ضد مصالحه.
ولكن يبقى السؤال اين الشعب اللبناني من كل ذلك؟ ولماذا يتوهم هذا الشعب انه عاجز عن التغيير وعن الاصلاح؟ ولماذا لا يسعى هذا الشعب وهو صاحب القرار والسلطة على إجبار السياسيين لحل كل الازمات والمشاكل؟ الحقيقة ان المشكلة قد لا تكون فقط في عقلية السياسي الذي يوسع مصالحه على حساب الناس، بل المشكلة الحقيقية تكمن في الناس انفسهم الذي يمشون مع زعيمهم السياسي بدون اي ضوابط او تحليل او بحث او نقد وكأن هذا الزعيم "يخدر" الناس مستخدما الاساليب الناجحة في ذلك، فهو تارة يستخدم الطائفية وتارة التحريض على الآخرين وأحيانا الترهيب واحيانا اخرى الرغيب والاحتيال بمسائل لا تسمن ولا تغني من جوع.
وفيما يتعلق بكل ذلك دعا الناشط والصحافي بسام القنطار الى "انتظار يوم الجمعة المقبل الموعد الذي تتم فيه المناقصات حول نفايات العاصمة بيروت وعندها يظهر إن كان هناك اي افق للحل من عدمه"، واضاف "إن مرّت مناقصة بيروت بدون اي اعتراض على العارضين الذين يدوروا في فلك تيار المستقبل يكون هناك نية للحل وعندها يبقى الامر التقني فقط الذي له علاقة بالتلزيم والاسعار واماكن اقامة للمصانع والمطامر".
وقال القنطار "أيا كانت النتائج لا يفكر أحد ان يكون هناك حلا قبل 16 شهرا من الآن للوصول الى منظومة جديدة غير المنظومة الموجودة اليوم لان هناك بناء معامل ومصانع وأسطول النقل وغيرها من الامور التقنية التي تحتاج الى تصاميم وتنفيذ"، وتابع "اذا كان البعض يريد التسويف على الناس والتعاطي مع الموضوع بعدم واقعية كما حصل سابقا بالنسبة لمطمر الناعمة في اذار الماضي حين اطلقت الوعود فهذا يعني ان لا حلول لملف النفايات"، واضاف "أي حل مؤقت ليس حل لاسبوع او عدة أسابيع إنما هو حل لسنة ونصف على أقل تقدير وذلك لحين إيجاد البديل الجذري وغير ذلك يكون هناك استخفاف بعقول الناس".
وحول امكانية حصول التوافق السياسي على حل لملف النفايات، اعتبر القنطار انه "لا يوجد اليوم لدى الطبقة السياسيىة الموجودة اي خيار آخر باعتبار ان الدلع السياسي لا مكان له والنفايات متراكمة في الشوارع"، ولفت الى ان "الامر لم يعد موضوعا سياسيا او صحيا او بيئيا فقط انما بدأ يأخذ شكل الاضطراب الاجتماعي الذي يمكن ان يأخذ البلد الى مشكلة امنية كبيرة بالاضافة الى انه يوقع الاضرار على الناس وعلى املاكهم واوراحهم".
وأضاف القنطار "للاسف انه في النهاية نفس الطبقة السياسية سوف تعود وتقطف كل ثمار الاستثمار في النفايات في اليوم الذي نبدأ بتطبيق سليم لملف النفايات"، وتابع "هناك جهات سياسية تعتبر نفسها في صلب معادلات المحاصصة اللبنانية وتضع يدها على كل الملفات في البلد ولها علاقة بكل شي من النفايات الى الكهرباء والمياه والزفت وغيرها بينما بعض الجهات الشريفة لا تتدخل في لعبة المناقصات خوفا من الغوص في المحاصصة".
وفيما يتعلق بحراك الشعب اللبناني تجاه قضاياه وبالاخض ملف النفايات، اعتبر القنطار ان "اعتراض الناس الذي قاموا به في اكثر من منطقة لبنانية هو اقصى ما يمكن ان يحصل"، واعتبر ان "الحركة الشعبية للناس عطلت قرارا سياسيا كبيرا واوصلت الرسالة اننا لا نريد الضرر على اولادنا ومناطقنا"، وتابع ان "الحكومة لم تستطع ان تبرر للناس انها تقوم بعمل سليم وصحي وبيئي في مجال النفايات وبحد ذاته يعتبر خطوة تسجل للناس امام الطبقة السياسية".
ولفت القنطار الى ان "حراك البعض تحت عنوان المجتمع المدني يؤثر بالرأي العام بشكل او بآخر لكنه لا يقدم البديل باعتبار انه لا يريد ان يعمل في السياسة ولا يقدم الخطط البديلة فهو يؤثر في الراي العام من دون قدرته على التغيير لانه لا افق سياسي له"، وتابع ان "الجمود الحاصل في البلد سببه ان الاحزاب السياسية لا تستنهض جمهورها انطلاقا من قضايا اجتماعية وحياتية ومعيشية فأغلب هذه الاحزاب أولوياتها في مكان آخر لذلك فإن التغيير عل صعيد الملفات الداخلية صعب نسبيا".
اذن سيبقى ملف النفايات معلقا الى حين حصول التوافق السياسي على حله كما كل شيء في لبنان، وحتى ذلك الحين على اللبنانيين العيش في دوامة الانتظار بانتظار خروج دخان المحاصصة الابيض من ملف النفايات، مع الامل ان لا تنفجر أزمة جديدة قبل الخروج من الازمة الحاضرة بحلول حضارية..