22-11-2024 09:29 PM بتوقيت القدس المحتلة

عين السنيورة على الأوقاف

عين السنيورة على الأوقاف

إبداعات الرئيس فؤاد السنيورة لا تنتهي. ينصبّ اهتمام الرجل على دار الفتوى التي بات يتحكم في كل مفاصلها، «من بابها الى محرابها».


آمال خليل

إبداعات الرئيس فؤاد السنيورة لا تنتهي. ينصبّ اهتمام الرجل على دار الفتوى التي بات يتحكم في كل مفاصلها، «من بابها الى محرابها». بعد المفتي والمجلس الشرعي، جاء دور مديرية الأوقاف «الأغنى بين أوقاف الطوائف في لبنان»، التي تحوز ملكيات واسعة، وخصوصاً في وسط بيروت. ما «زمط» من سوليدير سابقاً قد يكون في طريقه الى الابتلاع!

بحسب الصور التي وزعها إعلام دار الفتوى، وقع المدير العام السابق للأوقاف الإسلامية الشيخ هشام خليفة استقالته السبت الماضي «عالواقف». تظهره الصور في الدار يحمل الاستقالة بيد ويحاول توقيعها باليد الأخرى، متوسطاً خَلَفه الشيخ محمد أنيس الأروادي ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.

لم يلق خليفة كلمة في حفل «التسليم والتسلّم» في المديرية العامة للأوقاف، لكنه كتب على صفحته على «الفايسبوك»: «بعد خدمة 40 عاماً للإسلام والمسلمين في لبنان وخارجه، ها أنا أسلم، بالتشاور والتفاهم مع المفتي دريان، الصديق الأروادي. وأستودعكم الله لأخذ فترة راحة بزيارة ولدي وعائلته في كندا».

خليفة الذي يعدّ آخر «أثر» من عهد المفتي السابق الشيخ محمد رشيد قباني في عائشة بكار، كان قد تلقّى وعداً من دريان بالاستمرار في منصبه حتى انتهاء ولايته بعد شهرين. حينها يستقيل ويبقى إماماً لمسجد الأوزاعي، لكن المفتي، بحسب مصادر من داخل الدار، تراجع عن وعده ودفعه إلى الاستقالة من المنصبين. أما الأروادي، طبيب الأمراض الداخلية الذي لا يزال يمارس عمله في عيادته الخاصة بالقرب من الدار، فقد كلف بالمنصب «مؤقتاً».

تعيين مدير عام جديد للأوقاف يندرج ضمن حملة التعيينات الجديدة التي لوّح بها دريان «لبثّ التطوير والإصلاح في مؤسسات الدار» كما وعد. لكن للأوقاف حيثية خاصة، ولا سيما في بيروت، إذ لا يمكن استعراض العقارات التابعة للمديرية من دون المرور بشركة «سوليدير» لوقوع معظم الأملاك الوقفية في وسط بيروت. وللتذكير، فإن الرئيس فؤاد السنيورة والوزير السابق خالد قباني (واضع النظام القانوني لـ «سوليدير») كانا قد عرضا فكرة الشركة العقارية على المفتي الراحل حسن خالد مرتين في الثمانينات، طارحين عليه «دمج العقارات الوقفية لتصبح أسهماً ضمن شركة استثمارية تدير وسط بيروت». رفض خالد كان قاطعاً:» لن يمر المشروع إلا على جثتي»، لكنّ خَلَفه، المفتي السابق محمد رشيد قباني، وافق على المشروع، فنال لقب مفتي الجمهورية بالأصالة بدلاً من قائم بأعمال دار الفتوى بعد اغتيال خالد. في تلك الحقبة، بحسب المصادر، «استكمل تمرير المشروع. عيّن المهندس عاصم سنو مديراً للأوقاف في وقت كان فيه مستشاراً رئيسياً في سوليدير وأحد واضعي خططها الهندسية. علماً أن تعيين سنو مديراً عاماً بحد ذاته، مخالف للقانون لأنه لا يحمل شهادة شرعية».

منذ إنشاء «سوليدير» عام 1996، بقيت المديرية مشرفة على أوقافها. لكنها ارتضت بأن تقوم الشركة باستبدال بعضها بعقارات أخرى أقل أهمية وقامت بترميم أبنية أخرى. الترميم تم على حساب الأوقاف. تشير المصادر إلى أن الشركة «قدمت فواتير بمبالغ مضاعفة عن التكلفة الفعلية للترميم». ولم تقبض الأوقاف «منذ عام 1996 أي بدل مالي عن الأرباح التي تحققها الشركة، بما أنها شريكة في آلاف الأسهم».

عام 2013 (خلال القطيعة بين قباني والمستقبل) تبين وجود أكثر من ثلاثة ملايين دولار للأوقاف في ذمة «سوليدير» كأرباح لاستثمارها هذه العقارات. ونقلت المصادر عن أوساط السنيورة بأن الشركة دفعت للأوقاف مستحقاتها أخيراً في عهد دريان.

كل هذا ويبدو أن الشركة لم تحقّق في عهد قباني كل ما كانت تطمح اليه من استثمار للأوقاف، إذ تمنّع قباني عن تنفيذ عدد من مطالبها في وسط بيروت، الأمر الذي زاد في الشرخ بينه وبين تيار المستقبل. وأبرز الخلافات دار حول مقبرة السنطية التي شيد فوقها مبنى لمكاتب شركة «ميد غلف للتأمين»، ما دفع المفتي السابق الى رفع دعوى ضد «سوليدير».

لكي يعوض السنيورة والمستقبل في عهد دريان عمّا فاتهما، دُفع خليفة الى الاستقالة بعد أربع سنوات من شغله للمنصب، ليخلفه الأروادي، القريب من السنيورة والقليل الخبرة في شؤون العقارات والأوقاف. المصادر تحدثت عن أن الوقت «بات مناسباً ليمرر السنيورة مشروعه القديم بعد اكتمال الطقم المحسوب عليه، من دريان إلى المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى والأروادي». ورجّحت أن يُقرّ اقتراح «إنشاء شركة خاصة تدير الأوقاف». المصادر أوضحت أن الإقتراح عرضه السنيورة على قباني قبل عشر سنوات، وقضى بتوكيل شركة عقارية متخصصة إدارة العقارات الوقفية من الترويج لاستثمارها وجمع بدلات الإيجار من أصحاب المحال القائمة فوقها». لكن قباني رفض لأن شركة كهذه تلغي دور المديرية والمجالس الوقفية في المناطق. الإقتراح تجدد. مسار المشروع يبدأ باقتراح يقدمه المدير العام للأوقاف إلى المفتي، الذي يحوله إلى المجلس الشرعي بعد الموافقة عليه، لدراسته والتصديق عليه. والقنوات الثلاث، المفتي والمجلس والمدير العام للأوقاف، «من صنع السنيورة!»

العين ليست على أوقاف سوليدير فحسب، بل أيضاً على عقارات عدة كان قد اشتراها قباني لمصلحة الاوقاف في مناطق مهمة من بيروت، ولا سيما الكولا وفردان والصنائع والجناح، من هبات ومنح حصل عليها من دول وهيئات إسلامية. ويسمح نظام الدار بتأجير العقارات الوقفية لقاء بدل مالي.

الأوقاف الأغنى
في بيروت، نعيم الأوقاف وافر. موظفو الدائرة هم الأعلى أجراً بين زملائهم في دوائر المناطق. مع ذلك، النعيم هناك ليس أقل. تؤكد المصادر أن لا أزمة مالية في دوائر الأوقاف، بل أزمة إدارة وفساد ومحسوبيات وشغور في الوظائف. «فالأوقاف الإسلامية هي الأغنى بين أوقاف الطوائف في لبنان». على سبيل المثال، هناك عقارات وقفية في دمشق تتبع لدائرة اوقاف صيدا التي تملك أيضاً عقارات شاسعة في المدينة وشرقها وجزين وفي جنوب لبنان، وهي كلها تحت اشراف مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان الذي يرأس دائرة الأوقاف منذ عام 1972 وفيها 12 وظيفة إدارية شاغرة. في بنك البحر المتوسط، تملك دائرة صيدا كسيولة مجمدة أكثر من ثلاثة ملايين دولار وأكثر من مليار ونصف مليار ليرة لبنانية. الشغور يطال دائرة جبل لبنان. موظفان إداريان يتابعان شؤون عقارات تمتد من إقليم الخروب إلى جبيل. «الإبداعات» مضاعفة في دوائر البقاع. المفتي خليل الميس أنشأ جمعية خاصة لإدارة أكثر من 120 دونماً من الأراضي والمباني المحيطة بمجمع الأزهر في البقاع. الجمعية بدورها تدار من قبله ومن قبل أفراد أسرته، وهي كانت أساس خلافه مع قباني.

www.al-akhbar.com

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه