«نأذن نحن عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، ببدء تشغيل قناة السويس الجديدة». هكذا دشّن الرئيس المصري، يوم امس، المجرى الجديد، الذي انتهت فيه أعمال الحفر، ليصبح سالكاً امام حركة الملاحة البحرية العالمية.
مصطفى بسيوني
«نأذن نحن عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، ببدء تشغيل قناة السويس الجديدة». هكذا دشّن الرئيس المصري، يوم امس، المجرى الجديد، الذي انتهت فيه أعمال الحفر، ليصبح سالكاً امام حركة الملاحة البحرية العالمية.
تدشين «قناة السويس الجديدة» شكل يوماً فارقاً في حياة المصريين، سواء على مستوى الحفل الاسطوري الذي اقيم لهذا الغرض في منطقة القناة، او من خلال الاجواء الاحتفالية التي شهدتها معظم محافظات الجمهورية.
رب قائل ان احتفالاً بسيطاً كان كافياً في افتتاح هذا المشروع المهم، خصوصاً في ظل الاوضاع الاقتصادية والامنية التي تشهدها مصر، لكن السلطات المصرية اصرّت على ان يكون تدشين «قناة السويس الجديدة» في اطار احتفال اسطوري، بحضور وفود رسمية عالمية، وشخصيات على مستوى رئيس فرنسا، وملك الاردن، وامير الكويت، وحاكم دبي، ورؤساء السودان وفلسطين وانغولا، ورئيس الوزراء اليوناني... وآخرين.
ويبدو ان السيسي قد حرص، من خلال هذا الحفل الضخم، ان يوجه رسائل الى الداخل والخارج بشأن قدرات الدولة المصرية.
وفي الداخل، تم اعتبار يوم امس اجازة رسمية في المصالح الحكومية والمصارف، وشهدت كافة المحافظات المصرية احتفالات شعبية، لم يعكّر صفوها اي حادث امني، فازدانت الميادين والشوارع، وعلت الأغاني الوطنية في وسائل المواصلات العامة، التي كان ركوبها بالمجان يوم تدشين «قناة السويس الجديدة». ويمكن القول ان مظاهر الاحتفال عمّت مصر، يوم امس، في الكثير من تفاصيل الحياة.
وفي هذا الاطار، كانت الرسالة الأمنية واضحة تماماً، فقبل الاحتفال الرسمي بأيام، رفعت الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة درجة استعدادها في كافة أنحاء مصر، وتسلمت القوات المسلحة مهام تأمين المجرى الملاحي ومحيطه.
ولعلّ النظام المصري قد أراد، من خلال حفل التدشين الاسطوري ان يوجّه رسالة واضحة، مفادها أن الدولة المصرية ما زالت قويّة، في ظل مناخ اقليمي مضطرب، وأنها قادرة على تنفيذ ما تطرحه من مشاريع.
ومن خلال الاجواء الاحتفالية التي عمّت مصر، كانت الرسالة الاهم التي أراد النظام السياسي في مصر توجيهها الى الخارج اظهار الترابط بينه وبين الشعب.
الرسائل بدت كثيرة في حفل تدشين «قناة السويس الجديدة»، حتى في أدق التفاصيل. وعلى سبيل المثال، فقد استقل الرئيس المصري اليخت الملكي «المحروسة» مرتديا زياً عسكرياً، في تأكيد على انتمائه الى المؤسسة الأقوى في مصر، ثم ألقى كلمة الاحتفال مرتديا الزي المدني، في تأكيد على الطابع المدني للحكم في مصر.
المشروع الذي افتتحه السيسي يوم امس، يمثل أكثر من شق مجرد مجرى ملاحي جديد، أو اعمال توسيع لقناة السويس، فالاهمية الاستراتيجية لقناة السويس، لا على المستوى المحلي فحسب، بل ايضاً على المستوى العالمي، تجعل اي خطة لتطويرها تتسم بطابع سياسي واقتصادي وأمني على حد سواء.
ولعلّ هذا ما يفسّر لماذا خطفت «قناة السويس الجديدة» الأضواء عن انجازات اخرى تحققت خلال الاشهر الماضية، برغم اتصالها المباشر بحياة المواطنين وتأثيرها فيها، ومن بينها حل مشكلة انقطاع الكهرباء في الصيف، بشكل سريع، عبر زيادة توليد الكهرباء، ومواجهة أزمة المحروقات والتي كانت سببا دائما للسخط الشعبي في مصر، والتحسن الملحوظ الذي شهدته أزمة رغيف الخبز الفترة الأخيرة.
والى جانب الرسائل السياسية المشار اليها اعلاه، فإن مشروع «قناة السويس الجديدة» يكتسب اهمية قصوى بالنسبة الى مستقبل مصر، باعتباره الحجر الأساس في خطط التنمية التي يراهن عليها النظام المصري لإحداث تغييرات جذرية على المستوى الاقتصادي، خصوصاً في ظل الحديث عن مشاريع اخرى، اكدت الدولة المصرية ان العمل سيبدأ بها في اليوم التالي لتدشين المجرى الملاحي الجديد، وتتعلق خصوصاً بتطوير محور قناة السويس، وهو مشروع يهدف إلى تحويل منطقة القناة إلى مركز اقتصادي متكامل.
هذا الامر، عبّر عنه السيسي في كلمته، التي اختتمها بتدشين العمل في «قناة السويس الجديدة»، حين قال ان «تنمية منطقة القناة تستهدف إنشاء منطقة اقتصادية عالمية، تشمل عددا من الموانئ والمدن الجديدة والمراكز اللوجستية والتجارية، وتحقق زيادة لمعدلات التبادل التجاري بين مصر وجميع دول العالم».
هذا المشروع التنموي ليس جديداً، اذ طرح اكثر من مرّة خلال السنوات الماضية، ولكن النظام الحالي في مصر اختار ان يفتتحه بإنجاز ضخم يبعث على الثقة، ويؤكد للمستثمرين الكبار أن الدولة المصرية ستكون قادرة على حماية استثماراتهم، وضمان بيئة جيدة لمشاريعهم.
ويبدو ان الاصرار على إنجاز عمليات الحفر في «قناة السويس الجديدة» خلال عام واحد، بدلاً من ثلاثة اعوام، وبرغم عدم وجود ضرورة اقتصادية لذلك، كما يقول المحللون الاقتصاديون، يستهدف طمأنة المستثمرين، وتغيير الصورة المتداولة عن البيروقراطية المصرية التي ضج المستثمرون بالشكوى منها.
وفي هذ الاطار، قال السيسي، في كلمة الافتتاح، انه «باستمرارنا في تحقيق هذا الهدف، نطمح إلى مشاركة أصدقائنا في كافة ربوع العالم في حلمنا الطموح ببناء مصر المستقبل، حيث تنطلق في مصر حزمة من المشروعات تستهدف إنشاء شبكة قومية للطرق العملاقة، وتنمية زراعية تطمح لاستصلاح مليون فدان، وإنشاء عدد من المدن الجديدة لتسـتوعب الزيادة السكانية، بالإضافة إلى البدء في تدشين عدد من الموانئ، والتوسع والتنمية الصناعية من خلال تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة».
وتابع: «أؤكد لكم جميعا أن الدولة المصرية تجدد عزمها على المضي قدما على خطى الإصلاح السياسي والاجتماعي، لتحقيق أهداف وطموحات أبنائها في العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانيـة».
أشار الرئيس المصري، في كلمته التي خرج فيها عن النص المكتوب، إلى أن عملية الحفر التي لم تستغرق سوى عام، لم تجر في ظروف طبيعية، وانما في ظل مواجهة كبرى للجماعات المسلحة والفكر المتطرف.
وقد شدد السيسي على هذه الفكرة كثيراً في كلمته، في رسالة سياسية واضحة تستهدف الخارج بشكل خاص، اذ قال «لقد قام الشعب المصري بإنجاز مشروع القناة الجديدة في ظروف صعبة على الصعيدين الاقتصادي والأمني، حيث كانت قوى الإرهاب والتطرف تحارب مصر والمصريين، إلا أننا استطعنا بفضل الله عز وجل ثم بجهد المصريين التغلب على تلك الظروف وتحقيق الحلم»، مؤكدا أن تلك المعركة لن تعوق خطط ومشاريع التنمية الاقتصادية، ومشيراً أيضا إلى أن المعركة التي يخوضها ضد التطرف ليست معركة مصر وحدها، ولكنها معركة الإنسانية.
على تخوم سيناء التي تشهد حربا ضد الجماعات المتطرفة، نظمت الدولة المصرية حفلاً ضخماً بافتتاح مشروع «قناة السويس الجديدة»، واستطاعت بذلك جني الثمار الأولى للمشروع عبر حشد الداخل والخارج وتأكيد القدرة على كسب الثقة. مكاسب سياسية وإعلامية سبقت النتائج الاقتصادية للمشروع. ولم يتبق سوى أن يتم استثمار ما تحقق بالامس عبر الانتقال الى الخطوة التالية من «الالف خطوة» التي تحدث عنها الرئيس المصري في كلمته.
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه