ظريف والجبير والمعلم إلى موسكو.. ولقاء عُمان بمباركة الرياض وواشنطن
لم يكن منتظرا أن تكون تداعيات التفاهم النووي سريعة على الصعيد الإقليمي، بل على العكس، كانت التقديرات تشير الى أنه قبل «تسييل» الاتفاق في الكونغرس الأميركي ومجلس الشورى الإيراني، لا يمكن توقع انفراجات إقليمية، بل سعي حثيث من «المتضررين»، وأولهم اسرائيل وثانيهم السعودية، من أجل وضع العصي في الدواليب، لا بل محاولة إجهاض الاتفاق، على طريقة رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو.
غير أن «التسييل الاقليمي» صار جزءا من «العدة» الأميركية والايرانية، لإبراز حسنات التفاهم وصولا الى احتمال حدوث انفراجات اقليمية قد تكون أجمل مما يمكن أن يشاهد أو يقرأ أو يسمع من يتابع مشهد المنطقة بأسرها.
كل الخطوط تحركت دفعة واحدة. وتيرة من التنسيق الأميركي ـ الروسي لم يشهد العالم مثيلا لها منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، وارتسمت أولى ملامحها منذ لقاء سوتشي بين فلاديمير بوتين وجون كيري وازدادت وضوحا مع لقاءات الدوحة وكوالالمبور بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا.
وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة، بدأ يتصاعد الكلام عن وضع المنطقة على سكة التسويات، بعدما بلغت المخاطر حدودا صارت تهدد معظم اللاعبين الاقليميين والدوليين. يمكن القول أن النيران التي بلغت حدود عدد من اللاعبين وخصوصا السعودية وتركيا، جعلت ما كان مستحيلا قبل سنوات وشهور ممكنا في الآتي من الأسابيع والأشهر.
يختزل مسؤول لبناني كبير المشهد العربي المتهالك بالقول ان اليمن حسم للسعودية والعراق لايران وسوريا صارت ملفا روسيا بامتياز.. وليبيا ملفا أميركيا بالكامل.. أما الباقي، فيندرج في خانة التفاصيل، ومنها لبنان بطبيعة الحال.
منذ سنتين تقريبا، ظل السؤال يكرر نفسه، ما هو الثمن الذي يمكن دفعه للسعوديين والأتراك والقطريين من أجل جلوسهم على طاولة التسوية الاقليمية وخصوصا السورية؟
وصلت النار الى السعودية من مطرحين، أولهما اليمن، وثانيهما «داعش» الذي ضرب بالأمس في العمق الجنوبي السعودي (مدينة أبها) وتحديدا على بعد كيلومترات من قاعدة «خميس مشيط» الأميركية، وهذه واحدة من سلسلة ضربات استهدفت أمن المملكة مؤخرا.
وفي الوقت نفسه، وصلت النار الى تركيا من مطرحين، أولهما الحزام الكردي الحدودي الذي يحمل في طياته فرصة لحلم الدولة الكردية، وثانيهما من الداخل التركي مع أولى الضربات التي نفذها «داعش» هناك.
وفي الوقت نفسه، لم يحتج القطري سوى الى اشعار أميركي صغير بوجوب الخروج من المشهد. أما الأردني، فله حساباته المختلفة، وقلقه التاريخي وربما الأبدي على الاستقرار الهش أصلا.
اختار الروس توقيتهم. طرحوا فكرة الجبهة الاقليمية ـ الدولية ضد الارهاب، وهي تتسع للسعوديين والايرانيين والسوريين والأتراك وكل صاحب مصلحة في مواجهة «تنظيم الدولة» وأخواته.
تدحرجت الفكرة. ثمة أثمان أخرى تطرح على الطاولة. في السياسة كما في الاقتصاد والعكس أصح. كانت البداية مع قناة الاتصال السعودية ـ السورية. لم تكن نتيجتها مشجعة، خصوصا وأن الخطاب الرسمي السعودي ينضح بالعداء لايران. ثمة من تذكر واقعة زيارة الأمير عبد العزيز بن عبدالله الى دمشق في العام 2012. حمل مطلبا يتيما الى بشار الأسد: الانفكاك عن ايران.. وتنتهي الأزمة في سوريا.
رفض الأسد العرض السعودي بملء ارادته برغم ترك الايرانيين وقبلهم السيد حسن نصرالله الباب مفتوحا له بأن يتصرف بما تمليه عليه مصلحة بلده وشعبه. الأمر نفسه يتكرر حاليا. لا يريد النظام الا أن يكون صديقا لايران وهو مستعد لأن يكون صديقا لكل دولة عربية على أسس من الاحترام المتبادل والندية وليس الفوقية.
وصلت الرسالة الى الجميع. أخرج الايرانيون مبادرتهم من الأدراج. صارت نقطتها المحورية، بعد وقف النار، تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة (انتقالية) تنسجم في أهدافها مع روحية جنيف الأول. هذه الحكومة تأخذ على عاتقها درس الاصلاحات الدستورية وخريطة طريق لاقرارها (استفتاء) واجراء انتخابات تشريعية ثم رئاسية في مهلة معينة (لا تتجاوز الثلاث سنوات).
اللافت للانتباه أن الروس يتعاملون مع المبادرة الايرانية المعدلة، بطريقة تشي بأنها مبادرتهم أولا. هذا هو الانطباع الذي خرج به بعض الديبلوماسيين العرب بعد انتهاء زيارة الموفد الروسي ميخائيل بوغدانوف الى طهران، وما تخللها من لقاءات، خصوصا مع وزير خارجية سوريا وليد المعلم الذي سيتوجه الاثنين المقبل الى موسكو، وذلك قبل ساعات من وصول وزير خارجية السعودية عادل الجبير الى العاصمة الروسية، في زيارة قيل أن هدفها الأساس التحضير لزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز قبل نهاية العام الحالي.
هل ثمة فرصة للقاء سعودي ـ سوري برعاية روسية؟
لا أحد يملك جوابا قاطعا حتى الآن، خصوصا وأن صحيفة «الوطن» السورية ألمحت الى إمكان عقد لقاء ثلاثي بين وزراء خارجية سوريا والسعودية وإيران في مسقط، لكن مصادر اعلامية سورية متابعة قالت لـ «السفير» ان هذا الاحتمال ليس نهائيا، وأن الأساس هو اجتماعات موسكو، من دون أن تستبعد احتمال وصول وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف الى موسكو الأسبوع المقبل، علما أنه سيزور أنقرة وبعدها مباشرة بيروت (الثلاثاء) ومن غير المستبعد أن يزور العاصمة السورية في اليوم التالي..
لا يمكن أن ينعقد لقاء وليد المعلم ونظيره العماني يوسف بن علوي، أمس، في مسقط، وهو الأول رسميا بين مسؤولين سوري وخليجي منذ أكثر من أربع سنوات، الا بمباركة سعودية وأميركية. الجانبان السوري والعماني أكدا على أهمية «تضافر الجهود البناءة» لإنهاء النزاع في سوريا، «على أساس تلبية تطلعات السوريين لمكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية».
وفيما ذكرت وكالة «سانا» أن الجانبين «اتفقا على مواصلة التعاون والتنسيق بينهما لتحقيق الأهداف المشتركة التي تجمع الشعبين والقيادتين»، أوضحت وكالة الأنباء العُمانية أن الوزيرين «بحثا أوجه التعاون الثنائي، وتبادلا وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك».
في خضم هذه التطورات، بدأت حركة المسلحين الأجانب الآتين الى سوريا عبر الحدود التركية تنحسر الى حد كبير، وهذا المعطى الميداني يسري أيضا على الحدود الأردنية في الآونة الأخيرة. لعب الروس دورا كبيرا على أكثر من «جبهة». من الواضح أن القيادة الروسية تريد أن تستفيد من التفويض الأميركي الأول من نوعه لها بالتوصل الى تسوية للنزاع السوري.
يقول المسؤول اللبناني العائد من رحلة خارجية ان ملف لبنان مترابط مع الملف السوري، «وعلينا أن نترقب عملية اعادة توزيع السلطة في سوريا، فمن يكسب هناك من المكونات الأساسية، عليه، في المقابل، أن يقدم تنازلات في لبنان، ولذلك يصح القول أننا نتجه نحو صيغة جديدة أقل من الطائف وأكثر من الدوحة».
هذا الحراك الاقليمي وحده يعطي تفسيرا للهدوء الذي رافق التمديد لسنة لكل من قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان والأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء محمد خير. بكل الأحوال، يقول مسؤول لبناني معني ان الأمور «لم تنته عند حد صدور هذه القرارات، بل ثمة «تخريجة» مطروحة لا تتناقض وما فرض من وقائع، ان كانت تعبر عن شيء، انما عن رغبة فريق سياسي لبناني معين بعدم تسليف خصومه، وخصوصا «حزب الله» أي شيء، في ظل قناعة لديه أنه بهذا النوع من الادارة السياسية يمكنه أن يحسن شروط جلوسه على طاولة التسويات التي ستلفح لبنان قبل نهاية السنة الحالية».
ثمة ما استدعى سفر كل من نادر الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق غداة انعقاد جولة الحوار الأخيرة. هل للأمر صلة بـ «التخريجة» المذكورة التي يراد من خلالها «جبر» ما تم «كسره» من مبادرات الساعات الأخيرة، برغم أنه يسجل على العماد ميشال عون أنه يأتي دائما متأخرا الى التسويات، بدليل قضية التمديد للضباط.. وحسنا أن يصارح منسقي «التيار الحر» اليوم ونواب ووزراء «تكتل التغيير» غدا بكل ما يملك من معطيات، لكي يبنى على الشيء مقتضاه.. قبل أن يتخذ قرارا باندفاعة سياسية قد تكون معاكسة لكل ما يلفح المنطقة من رياح.
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه