كان الزلزال الذي ضرب شرق تركيا الأحد الماضي حتميًا مثلما كان مروعاً. كان حتمياً لأن تركيا تقع في واحدة من انشط المناطق الزلزالية في العالم حيث تتقاطع خطوط
كان الزلزال الذي ضرب شرق تركيا الأحد الماضي حتميًا مثلما كان مروعاً. كان حتمياً لأن تركيا تقع في واحدة من انشط المناطق الزلزالية في العالم حيث تتقاطع خطوط العديد من التصدعات في قشرة الأرض. ولكنه كان مروعا بعدد ضحاياه الذي بلغ اكثر من 461 قتيلاً. وكان قوياً بلغت قوته 7,2 درجات، لكنه ليس بقوة الزلزال الذي ضرب شمال اليابان في الربيع، ومع ذلك تسبب في انهيار عشرات المباني دافنا تحت انقاضها مئات الاتراك.
كان الزلزال تذكيرًا آخر بأن حجم الأضرار وأعداد ضحايا الكوارث الطبيعية في احيان كثيرة لا ترتبط بقوة الزلزال أو الاعصار بقدر ما تعتمد على الاستعدادات أو عدمها. وبالنسبة للزلازل التي ما زال يتعذر التنبؤ بها فان أفضل طرق الاستعداد لها هي متانة المباني. وتوجد في تركيا مبان متينة تحسبا للزلازل الأرضية لكنها ليست القاعدة. وإن المباني المصنوعة من لبنات ليست متينة تتفتت لتحول المدارس والعمارات السكنية الى قبور. وقالت مجلة نيتشر العلمية إن المباني سيئة التصميم كانت في زلازل وقعت أخيرًا بمثابة أسلحة دمار شامل. وهذه استعارة مخيفة، ولكن المرعب أكثر ان خطر الزلازل الأرضية آخذ في التزايد. والسبب ليس تعاظم قوتها وازدياد تواترها فحسب بل نمو سكان العالم الذين سيتخطى عددهم 7 مليارات نسمة في نهاية هذا الشهر، وهم يتركزون في مدن عملاقة. وهناك الآن اكثر من 380 منطقة حضرية لا يقل عدد سكانها عن مليون نسمة. وقال روجر بنهام من جامعة كولورادو الاميركية ان اكثر من 400 مليون انسان يعيشون في مدن تواجه اخطارا زلزالية كبيرة.
وبعض هذه المدن مثل سان فرانسيسكو ولوس انجلس وطوكيو تعرضت لزلازل ارضية قوية خلال العقود الماضية، ولكن ثروة البلدان المتطورة تعني في غالب الأحيان تصاميم أفضل وأمتن في البناء. والخطر الحقيقي يكمن في المدن الفقيرة لكنها تتسع بوتائر متسارعة في البلدان النامية.
وتقول مجلة تايم إن نسبة كبيرة من النمو السكاني خلال العقود القادمة ستحدث في جنوب آسيا وافريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وبحلول منتصف القرن ستكون غالبية المدن الكبرى على سطح الأرض في العالم النامي، مدن مثل نيودلهي وداكا وكراتشي. وتكتظ الأحياء الشعبية لمدن كهذه باعداد غفيرة من الفقراء في بيوت ليست مبنية لتحمل هزات ارضية قوية. وبالتالي فان ضحايا أي زلزال سيقعون بأعداد كارثية.
وتعتبر التنمية الاقتصادية واحدة من اشكال التحوط لمثل هذه الاحتمالات. فالسكان الميسورون يكونون عادة أقدر على التعامل مع الكوارث. ولكن ارتفاع مستوى المعيشة وحده ليس كافيا، كما أظهر زلزال تركيا. ولا يتعين أن يكون المرء غنيا كي يكون مستعدًا لهزة أرضية في منطقته. فان مهندسين مدنيين مثل سانتياغو بوجول في جامعة باردو الاميركية صمموا مباني مصنوعة من مواد رخيصة مثل القش والطين والحجارة، لا تنهار إذا وقع زلزال. وحين تنهار المباني المصنوعة من مواد خفيفة نسبيا فانها تسبب عددا أقل من القتلى.
وبادرت منظمات مثل جيو هازاردز انترناشنال إلى إرسال علماء زلزاليين ومهندسين معماريين لمساعدة المسؤولين في مدن العالم النامي على تحسين تصاميم ابنيتها واعتماد دفاعات أخرى ضد الكوارث الطبيعية. وفي الزلازل الأرضية، كما في العديد من المشاكل الأخرى، فان الوقاية نادرًا ما تحظى بالاهتمام الذي تستحقه إلا بعد فوات الأوان. ولا بد أن يتغير هذا الموقف. ففي نصف القرن المقبل حين سيضاف مليارا إنسان آخر إلى سكان الأرض ستبنى نحو مليار وحدة سكنية. وستحدث زلازل ارضية لا مفر منها. ولكن عدد الضحايا الذين سيُقتلون بلا مبرر سيتوقف على متانة هذه المباني.