06-05-2024 04:27 AM بتوقيت القدس المحتلة

اللبنانيون والأزمات المعيشية ـ الاجتماعية: عجز.. غضب.. وقلق

اللبنانيون والأزمات المعيشية ـ الاجتماعية: عجز.. غضب.. وقلق

يعيش اللبنانيون، اليوم، ضغوطات معيشية واجتماعية عدة: انقطاع التيار الكهربائي، نقص في المياه، ارتفاع في درجة الحرارة، أزمة النفايات، غياب «الدولة» والقانون، مظاهر العنف، وغيرها.

يعيش اللبنانيون، اليوم، ضغوطات معيشية واجتماعية عدة: انقطاع التيار الكهربائي، نقص في المياه، ارتفاع في درجة الحرارة، أزمة النفايات، غياب «الدولة» والقانون، مظاهر العنف، وغيرها. تؤدي المشاكل المذكورة، بالإضافة إلى الشعور بالعجز وعدم القدرة على إحداث تغيير، إلى الشعور بضغط نفسي، وباليأس، والغضب وسرعة الانفعال، وفق الاختصاصية النفسية علا عطايا.

أما المعالجة النفسية والأستاذة الجامعية الدكتورة عليا ابي جرجس سركيس، فتعتبر أن الضغوطات التي يعيشها المواطن اللبناني هي عوامل تغيّر، وفي العادة يولّد التغيير عند الإنسان شعورا بالقلق الطبيعي. تختلف شدة القلق من شخص إلى آخر، فيتخطى البعض هذا الشعور بسرعة، بينما يعيش البعض الآخر القلق بشكل دائم.

ملاك مكي/ جريدة السفير

Nefayat-1ترتكز أعراض الانزعاج والقلق على الشعور بالتعب، بالتوتر، قلة الحيل، عدم القدرة على التركيز، وعدم الرغبة في الكلام. تشير سركيس إلى «مفهوم الظاهرة الجماعية، إذ يتناقل الأشخاص مشاعر القلق والانزعاج بين بعضهم البعض، وبواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، ما يزيد من حدة تلك المشاعر السلبية، فيرفض البعض الواقع ويردّد رغبته في مغادرة البلاد، بينما يواجه البعض الآخر المشاكل محاولاً ايجاد الحلول».

توضح عطايا أن الضغوطات تعزز مشاعر الغضب عند الأفراد، من دون أن «تؤدي حتماً إلى سلوكيات عنيفة عند جميع الأفراد، بل عند الأشخاص الذين لديهم قدرة ضعيفة على إدارة مشاعر الغضب، ولديهم استعداد للسلوك العنيف».

تكبح الظروف التي يواجهها لبنان، من عنف إلى نقص في الخدمات الأساسية وعدم القدرة على التوقّع، مشاعر الاطمئنان والأمن والشعور بالرفاه، وبالمواطنة، والانتماء الوطني. تقول الاختصاصية في علم النفس السريري الدكتورة ايميه كرم إن تلك المشاعر تؤثر في الصحة النفسية في المجتمع، على النحو التالي: ظهور أعراض القلق، شعور بالعجز، وبفقدان الأمل، شعور بالغضب تجاه المسؤولين وبالظلم ما يفاقم السلوكيات الفوضوية غير المنظمة، ردات فعل اندفاعية.

من جهة أخرى، تُضعف تلك العوامل مشاعر المسؤولية، والحماس، والاهتمام بالنشاطات اليومية، وتغيب الركائز الثابتة، ونماذج الإلهام، والقيم الاجتماعية البناءة.

تقول الأستاذة الجامعية والباحثة في علم الاجتماع الدكتورة مي هزاز، إن الضغوطات تؤدي إلى الشعور بالسلبية، وبعدم القدرة على التغيير، واعتبار أن «جميع الأمور تافهة». يقلّ لدى الفرد الشعور بالطموح، وبانتظار المستقبل، وبارتباطه بالوطن وبتمسكه بالأرض، فيجد المواطن نفسه «غريباً».

وينتاب الأشخاص الشعور بالتعب، وبالكسل، وبالاستسلام. تولّد تلك الظروف الصعبة غضبا داخليا، وبما أنه لا يوجد مرجع أو جهة محددة مسؤولة يمكن توجيه الغضب إليها، فيوجّه الافراد غضبهم باتجاه بعضهم البعض.

آليات المواجهة

في العادة، تتطلب قدرة الفرد على التكيّف والتعامل مع الضغوطات، وفق عطايا، توازناً بين العوامل الضاغطة والعوامل الداعمة التي تساعد الأشخاص على التنفيس عن مشاعرهم، ومعاناتهم. غير أن العوامل الداعمة، سواء مساحات اللقاء أو التفاؤل أو الأصدقاء، تتقلص في مدينة تختنق بأزماتها. لذلك، تشدد عطايا على «أهمية الرعاية الذاتية والاهتمام بالراحة النفسية، لمواجهة الواقع والتخفيف من أعبائه».

تلحظ الأستاذة الجامعية والمعالجة النفسية الدكتورة تيريز ورد أنه في ظل الأزمات الخارجية الحادة، تخف درجة الأمراض النفسية الداخلية، من الاكتئاب إلى القلق والـ «فوبيا»، إذ يتلهى الأشخاص بسبل التأقلم ومواجهة المشاكل الخارجية. وتشير ورد إلى أنه في ظل تلك الشروط المعيشية والأزمات المالية، تُعتبر النصائح العملية غير مجدية.

في المقابل، تركز سركيس على أهمية التنبه إلى حالات القلق، والتعامل معها ومواجهتها بالعمل من دون الغرق فيها.

ومن أجل مواجهة تلك التحديات، تنصح كرم الأفراد بأمور عدة، أبرزها: الانخراط في نشاطات يومية بسيطة، التنبه إلى الفرص الإيجابية الممكنة بدل الاجترار في الندم والتذمر، الحد من التعرض إلى مواضيع العنف والقلق، الانخراط في نشاطات قصــــيرة المدى ذات نتائج سريعة وملموسة، تحديد مؤشــــرات الغضب والحزن والقلق وأخذ القرار بالســــيطرة على ردات الفعل، الانخراط بنشاطات تعني الفرد وتشكل أهمية له، الاحتفال ببعض المناسبات الخاصة والسعيدة، الانخراط في نشاطات مجتمعية غير تصادمية لتعزيز الشعور بالفرح والسيطرة على مجريات الأمور، تجنب الأثر المعدي للمشاعر السلبية التي يتناقلها البعــــض بواسطة وسائل التواصــل الاجتماعي، والتعامل مع أشخاص نشيطين لديهم الرؤية في حل المشاكل.


بارقة أمل

تؤكد هزاز أنه «يوجد أمل دائما في بعض الأشخاص الذين لديهم القدرة على أخذ المبادرات وإيجاد الحلول»، مشيرة إلى أن «المجتمع اللبناني يضمّ أفرادا مميزين ونادرين لديهم أفكار وعزيمة للتغيير». أما كرم، فتلفت إلى «وجود بعض المبادرات الحسنة، وبعض القادة الاجتماعيين الذين يسعون لإيجاد الحلول وتغيير الظروف في خدمة المجتمع، مثل منظمات المجتمع المدني، والجمعيات التي تدعم المواطن وتناصر حقوقه».