تطمينات إيرانية لدمشق بشأن سوريّة الحل وثبات الدعم ضد الإرهاب
أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في مقابلة مع «السفير»، أن طهران ترغب بالتعاون وبذل المساعي من أجل خير المنطقة وشعوبها، معرباً عن أمله أن ينعكس حل الملف النووي الإيراني إيجاباً لتسوية ملفات المنطقة.
وقام ظريف بزيارة خاطفة لدمشق، التقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره وزير الخارجية وليد المعلم، قبل أن يقوم بزيارة روحية لمقام السيدة زينب في الغوطة الشرقية، ويغادر عائداً باتجاه طهران.
وجاءت زيارة ظريف لدمشق بعد جولة خارجية شملت الكويت وقطر والعراق، وغداة الزيارة المدوية التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لموسكو حيث برز تباين واضح في المواقف من المشهد السوري في المرحلة المقبلة. كما جاءت في ظل تفاهم إقليمي شمل طهران وأنقرة جرت ترجمته في الهدنة التي تم التوصل إليها في كل من الزبداني وكفريا والفوعة، على ان يقوم الوزير الايراني بزيارة انقرة خلال الايام المقبلة.
وفي انسجام مع شرط دمشق مرور أي اتفاق لحل الأزمة السورية بخطوة الاستفتاء عليه، أكد ظريف، خلال اجتماعه مع الأسد، أن «إرادة الشعب السوري يجب أن تكون بوصلة أي أفكار تطرح بهذا الصدد، وبعيداً عن أي تدخل خارجي، وبما يحافظ على وحدة أراضي سوريا واستقلالية قرارها». وتعرضت دمشق قبل الزيارة وخلالها لقصف مكثف بالقذائف والصواريخ أوقع عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.
وقال ظريف، لـ «السفير»، «برأينا أن الموضوع النووي كان شأناً هامشياً وقد تمّت معالجته، لكنّ الشيء الحقيقي والأساسي يتعلّق بهذه المنطقة بالذات، ونحن نرغب في الواقع بالتّعاون وببذل المساعي من أجل خير هذه المنطقة وشعوبها». وتمنّى أن تصبّ كل الجهود التي بذلت لمصلحة دول المنطقة برمّتها.
وأشار إلى أن إلغاء زيارته لتركيا جاء بسبب زيارته للبنان، وعدم قدرته على الاجتماع مع المسؤولين الأتراك في فترة زمنية قصيرة، موضحاً انه سيزور تركيا الأسبوع المقبل.
وعمّا إذا كانت «الدّيبلوماسيّة الباسمة» التي اعتمدها في التفاوض مع الغرب حول الملفّ النووي الإيراني ستصلح أيضاً في الحوار العتيد مع السعودية وخصوصاً في ظل التشكيك السعودي والخليجي بنيات إيران في المنطقة، قال ظريف «إننا نبتسم لأصدقائنا في هذه المنطقة من صميم القلب».
وعن أن دول المنطقة تريد من إيران أفعالا لا ابتسامات، وخصوصاً لجهة عدم التدخّل بشؤونها، قال ظريف «نحن نعتقد بأنّ أصدقاءنا السعوديين بحاجة لأن يروا الحقائق كما هي. نحن واجهنا وتحمّلنا مشاكل كثيرة، وتعرّضنا لمعاناة كبرى من جيراننا، ونحن لم ندعم صدّام حسين ضدّ السعوديين بل هم من كانوا يدعمون صدّام حسين في حربه ضدّنا، وعلى كلّ إذا كان لأحد أن يرضي الجانب الآخر فلا بدّ لهم (أي السعوديين) أن يرضونا، علماً أننا لا نطلب هذا الشيء منهم».
وعن تداعيات الملف النووي على ملفات المنطقة، قال «آمل أن ينعكس إيجاباً وأن تتمّ معالجة ملفات المنطقة وتسويتها».
مكافحة التطرّف والطائفية ومحاربة الإرهاب ومدّ اليد إلى الجيران في المنطقة وعدم التدخّل في الشأن الرئاسي اللبناني هي أبرز العناوين التي ركّز عليها ظريف في زيارته اللبنانية التي استغرقت حوالي 22 ساعة، وتخللتها لقاءات في يومها الثاني مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الدفاع سمير مقبل ووزير الخارجية جبران باسيل وممثلي الفصائل الفلسطينية في لبنان، بعدما كان قد التقى أمس الأول رئيس الحكومة تمام سلام والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله.
وفي سلسلة تصريحات، أعرب ظريف عن اعتقاده «انه لا بد لكل الجيران، ولكل الدول الجارة، أن تتبنى الحوار والتعاون، فيكونان مدار اهتمام هذه الدول لتحقيق المصالح المشتركة».
وقال ظريف «بالوصول إلى الاتفاق النووي استطعنا أن نسحب حجة من يد (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو والكيان الصهيوني للاستمرار في الإجرام والعمليات الإجرامية، وعلى هذا الأساس نرى رئيس الوزراء الإسرائيلي قلقاً ويائساً لأن العالم تمكن من تسوية مشكلة عن طريق الديبلوماسية والحوار. واليوم هناك فرصة جديدة أمام دول المنطقة ولجيراننا، برؤية جديدة قائمة على الحوار، لا بد لها أن تتعاون من اجل تطوير السلام والاستقرار والتقدم في هذه المنطقة، والوقوف أمام عدوين: الأول الكيان الصهيوني والثاني التطرف والإرهاب والطائفية».
وردّا على أسئلة الصحافيين حول إمكانية تدخل إيران في تسهيل عملية الانتخابات الرئاسية، قال ظريف (حسب الوكالة الوطنية للإعلام): «نحن في إيران لا نتدخل في الشؤون الداخلية في لبنان، ولا نعتقد أن لبنان يجب أن يكون ساحة لتلاعب الدول الأخرى، ونعتبر أنها قضايا داخلية ولا بد من معالجتها من الشعب اللبناني. ونتوقع من اللاعبين السعوديين الآخرين ألا يعرقلوا الوصول إلى النتيجة، بل أن يسهلوا هذا الأمر».
وهل يرى حواراً سعودياً - إيرانياً لحل قضايا المنطقة، أجاب «نحن مستعدون دائما للحوار والتفاوض مع جيراننا، ولا نشعر بأن هناك أي مانع في هذا المجال».
ظريف في دمشق
وفي دمشق، أفاد مراسل «السفير» زياد حيدر أن ظريف أكد خلال اجتماعه مع الأسد «تصميم بلاده على المضي في دعم وتقديم كل ما من شأنه تمكين صمود الشعب السوري، والتخفيف من معاناته في مواجهة الحرب المسعورة التي تشنها التنظيمات الإرهابية عليه». وعبَّر الأسد عن «تقديره للدعم الإيراني الثابت لسوريا. كما أعرب عن ترحيبه بالجهود الصادقة التي تبذلها إيران والدول الصديقة لوقف الحرب على سوريا والحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها».
وأكد الجانبان أن «على جميع الدول في المنطقة وخارجها أن تدرك أن مصيرها ومستقبل شعوبها ليس في مأمن في ظل الانتشار السرطاني للإرهاب، وأنه يتوجب على الجميع العمل بشكل جدي وصادق من أجل مكافحة هذا الخطر الداهم عبر تنسيق الجهود، وتبني سياسات مبنية على الحقائق وأوسع أفقاً والتوقف عن دعم المجموعات الإرهابية أو توفير الغطاء السياسي لها».
وأكد ظريف، في تصريح عقب لقائه الأسد، أن «المباحثات مع الرئيس الأسد كانت جيدة، وتركزت على حل الأزمة في سوريا، وآن الأوان للاعبين الآخرين ولجيراننا أن يهتموا بالحقائق ويرضخوا لمطالب الشعب السوري، ويعملوا من أجل مكافحة التطرف والإرهاب والطائفية».
وكان ظريف ينوي زيارة أنقرة قبل زيارته بيروت ودمشق، إلا أن الجانب التركي اعتذر عن عدم استقباله «لأسباب متعلقة بأجندتي الطرفين المزدحمة».
ونشر ظريف، أمس الأول مقالة في صحيفة «حرييت» التركية، اتهم فيه دولاً إقليمية، لم يسمها صراحة، بالتغاضي عن نمو تنظيم «داعش» وتقديم التسهيلات والدعم له. وقال إن من «أسباب تنامي عصابات داعش الإرهابية وهيمنتها على أجزاء من العراق وسوريا يعود إلى ضعف الحكومات المركزية، والدعم المالي والعسكري لهذه العصابات من قبل بعض الدول الإقليمية، والضعف عن عمد أو سهو في السيطرة على الحدود، وتهريب النفط من قبل هذه العصابات»، معتبراً أن «سيطرة أعضاء حزب البعث العراقي السابق وضباط جيشه على قيادة داعش في العراق وسوريا، واتحاد داعش مع عناصر نظام صدام (حسين) لعب دوراً رئيسياً في نجاحات داعش القتالية».
وأكد ظريف «ضرورة إيجاد إستراتيجية عالمية وجادة وبعيدة عن التمييز لمكافحة داعش»، داعياً «القيادات الدينية في أنحاء العالم إلى بذل جهودهم لفضح عقائد المتطرفين المزيفة».
وتأتي زيارة ظريف إلى دمشق وسط حراك ديبلوماسي على صعيد الأزمة السورية، ولكن من دون أن يكون «ثمة اختراقات بالمعنى السياسي». وعلمت «السفير» أن أجواء التوتر عادت بين الجانبين السوري والسعودي، بشكل «يمكن القول إن أي تقارب جديد لن يجري قريباً مع الجانب السعودي». وأكدت تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في موسكو، شكوك مسؤولين سوريين بصعوبة «تحقيق خرق على هذا المحور».
كما تأتي زيارة ظريف بعد أسبوع تقريباً على لقائه نظيره السوري في طهران، والذي بدوره انطلق برحلة قصيرة باتجاه سلطنة عمان، ليعود بعدها إلى طهران ومن ثم إلى سوريا. وعُدَّت زيارة مسقط اختراقاً ديبلوماسياً، أعده الإيرانيون من دون اعتراض سعودي، لتفويض مسقط بإمكانية تحقيق اختراق في الجهود الديبلوماسية الساعية لإيجاد حل سياسي في سوريا، إلا أن مسؤولين سوريين قالوا لـ «السفير» إن الزيارة، وهي الأولى لمسؤول سوري لدولة خليجية منذ بدء المقاطعة الخليجية لدمشق، جاءت في إطار «التهيؤ لإنجاح فرص محتملة، من دون أن تحمل حلولاً بحد ذاتها».
assafir.com