21-11-2024 08:51 PM بتوقيت القدس المحتلة

نص كلمة سماحة السيد حسن نصر الله في مهرجان ذكرى الانتصار 2015


نص كلمة سماحة السيد حسن  نصر الله في مهرجان ذكرى الانتصار 2015

كلمة سماحة السيد حسن نصر الله في مهرجان ذكرى الانتصار



 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا  خاتم النبيين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين  المعصومين، وعلى جميع أنبياء الله والمرسلين. السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، إخواني وأخواتي أيها الحفل الكريم:

إنني في البداية أرحب بكم وبحضوركم في هذا الوادي المبارك، وقبل أن أبدأ كلمتي أرى من واجبي أن أتوجه باسمكم أيضاً بالتعزية والتعبير عن المواساة لشعبنا في العراق على ما يحلّ به، وخصوصاً ما جرى بالأمس عندما ارتكبت داعش مجزرة مهولة في مدينة الصدر، ذهب ضحيتها قرابة الثمانين شهيداً وأكثر من مئتي جريح. للشهداء الرحمة ولأهلهم الصبر والسلوان، وهذه هي على كل حال المعركة الطويلة مع هذا التهديد الخطير والكبير الذي يتهدد شعوبنا ومنطقتنا كلها.

أيها الإخوة والأخوات، في يوم النصر الإلهي هذا نجدد الشكر لله تعالى، خاضعين خاشعين مسلّمين لفضله وإحسانه وعظمة نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وهو الذي في مثل هذا اليوم عزّ وجل رأى صدقنا وصدق شعبنا فأنزل علينا النصر وبعدوّنا الكبت.

الشكر والتحية مجدداً لكل من قاوم وقاتل وصمد وثبت وصبر وساهم وأعان واحتضن وساند في لبنان وخارج لبنان، ولكل من استشهد وجُرح وهُجّر وأصيب في أهله وماله.

كل التحايا لعوائل الشهداء والشرفاء الذين قدّموا فلذات أكبادهم في هذا الطريق وما زالوا إلى اليوم يواصلون طريق العطاء والفداء  في مواجهة كل تهديد صهيوني أو تكفيري أو إرهابي وبلا تردّد ولا منّة، وبكل افتخار واعتزاز واحتساب عند الله تعالى.

والتحايا لكل المجاهدين المقاومين الأبطال الذين قاتلوا حتى آخر قطرة دم في حرب تموز، وما زالوا يملأون الساحات والميادين والجبهات، يلبون النداء ويصنعون المعجزات ويرفعون رايات النصر في كل معركة خاضوها.

كلما فكرت، في الأيام القليلة الماضية، أن أكتب شيئاً في بداية الكلمة، لعوائل الشهداء وللجرحى وللمقاومين الأبطال، رغم أنه أحيانا ـ بفضل من الله عز وجل ـ قد لاتعوزني العبارة أو الإنشاء، ولكن أمام حجم التضحيات، وخصوصاً أمام مواكب الشهداء التي ما زالت تتوالى على قرانا وأحيائنا ومدننا وبلداتنا، وأمام مواقف عوئل الشهداء، آباء الشهداء، وأمهات الشهداء، وعظمتهم وشجاعتهم وإخلاصهم ووفائهم وصدقهم وتضحياتهم الجسيمة، وأمام حضور المقاومين الأبطال الذين يستجيبون، لم يضعفوا ولم يهنوا ولم يتراجعوا ولم يتخلفوا، أستطيع أن أقول ـ وأمام جراح وآلام هؤلاء الجرحى ـ أستطيع أن أقول فقط  إن اللسان عاجز، عاجز عن التعبير، عاجز عن الشكر، عاجز عن الكلام، فأستبدل الكلام بتقبيل أيدي عوائل الشهداء والجرحى والمقاومين وكل المضحين الذين، ببركة تضحياتهم، كانت هذه الانتصارات وستبقى هذه الانتصارات وسيبقى نصركم دائماً إن شاء الله.


في حديثي وفي خطابي عدد من النقاط كالعادة.

النقطة الأولى: أدعو إلى تثبيت يوم 14 من آب يوماً للنصر الإلهي في حرب تموز،  كما لدينا 25 أيار يختصر انتصارالمقاومة من العام 82 وقبل 82 إلى 2000.

14 آب فليكن اليوم الذي يعبر ويختصر انتصار لبنان في حرب تموز أولاً لأنه اليوم الذي توقف فيه العدوان وقد فشل العدو في تحقيق أي من أهدافه المعلنة وغير المعلنة، ولأنه اليوم 14 آب، عند الساعة الثامنة صباحاً، ولأنه اليوم الذي عاد فيه أهلنا الأوفياء من الأماكن التي هُجّروا إليها، عادوا إلى قراهم ومدنهم في الجنوب والبقاع وإلى أحيائهم في الضاحية وبقية المناطق عند الساعات الأولى لوقف العمليات العسكرية، عادوا بكل ثقة ويقين واطمئنان، ودون خوف أو وجل، لا من معاودة العدوان، لأنهم آمنوا بهزيمة العدو وبانتصارهم، وآمنوا بمعادلة الردع التي أوجدها النصر في تموز منذ الساعات الأولى، ولا من القنابل العنقودية ولا من مواجهة الدمار الهائل.

كانت عودة أهلنا أقوى رد شعبي ونفسي ومعنوي وسياسي وثقافي وإعلامي وميداني وجهادي على العدوان وأهداف العدوان، وكانت عودتهم في مثل هذا اليوم ومثل هذه الساعات تعبيراً بالغاً أو بليغاً عن تمسكهم بأرض الآباء والأجداد، مهما كانت المخاطر والتضحيات.

ويوماً للنصر الإلهي، وليس فقط للانتصار، لأنه كذلك بحق، لنثبت من خلال هذا العنوان السياسي والإعلامي ما نؤمن في قلوبنا وعقولنا، أننا في 14 آب كنا أمام نصر إلهي، نصر أعطاه الله لنا جميعاً. من يأخذ بعين الاعتبار كل المعادلات والموازين والحسابات ومستوى الدعم الدولي والاقليمي وقوة العدو، وفي المقابل إمكانيات المقاومة ومن وقف معها وساندها، يستطيع أن يدرك ببساطة أنّ ما حصل في حرب تموز وفي مثل هذا اليوم في النهاية كان معجزة حقيقية لا يمكن تفسيرها بالأسباب المادية الطبيعية. هذا الانتصارالعظيم من نِعَم الله الكبرى علينا وعلى الناس، ونحن عاجزون عن شكره مهما شكرنا.

إذاً، النقطة الأولى أن نتعاطى إن شاء الله، كما في السنوات الماضية، على قاعدة ـ لأنه كنا دائماً بين 12 تموز و14 آب نتساءل متى نقيم المناسبة ومتى نحيي وما هو عنوان المناسبة ـ  دعونا نثبّت يوماً وعيداً للانتصار الإلهي، 14 آب من كل عام كما أنه 25 أيار من كل عام هو عيد للمقاومة والتحرير .

النقطة الثانية متعلقة بالمكان. هنا وادي الحجير بموقعه الجغرافي المميز في قلب الجنوب والطريق المؤدية إلى فلسطين وبمميزاته الخاصة والتي تشاهدونها من حولكم، اخترناه لهذا العام مكانا لاحتفالنا لننطلق من تاريخه وقيمه وما أسّس فيه ومن ماضيه القريب في المقاومة وموقعيته الخاصة في حرب تموز، لننطلق من هذه القيم وهذا التاريخ لنقارب ملفات الحاضر وتحدياته ومسؤولياته الكبيرة.

في هذا الوادي عام 1920 عُقد المؤتمر التاريخي المعروف في وادي الحجير والذي ضم عدداً كبيراً من علماءالدين والزعامات السياسية وقيادات في المقاومة الشعبية ووجهاء وفعاليات، وكان الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين رضوان الله عليه  خطيبَ هذا المنبر ومرشده الأول وإمام العقل والحكمة والمبادىء وإمام الحماسة والجهاد فيه. أسس هذا المؤتمر من خلال علمائه الأعلام الذين جاؤوا من كل الجنوب ومن كل لبنان وقادته وزعمائه لنهج على قواعد ومبادىء ومبانٍ وأسس ساروا عليه وجاهدوا من خلاله.

من خلال هذا النهج الذي انتقلت أمانة قيادته إلى سماحة الإمام المغيب القائد السيد موسى الصدر، أعاده الله ورفيقيه، وهو الذي رسّخه وثبّته وطوّره وأعطاه أبعاداً جديدة وآفاقاً بعيدة وما زال أبناء هذين الإمامين الجليليين يواصلون الالتزام بهذا النهج ومبادئه وقواعده ويسيرون عليها إلى اليوم ويفون ببيعتهم لهؤلاء القادة العظام في تاريخهم وحاضرهم بالصدق والجهاد والحضور في الميادين والصرخة والدم.

من هنا سأدخل إلى مواضيع الخطاب في ثلاثة عناوين من ذلك المنبع الصافي في الحجير.

الأول عنوان المقاومة لكل احتلال، الثاني عنوان رفض مشاريع التقسيم في المنطقة، والثالث عنوان الوحدة الوطنية ومنه أدخل إلى التطورات السياسية الداخلية الأخيرة في لبنان.

العنوان الأول عنوان المقاومة. تعلمنا هنا أن واجبنا أن نرفض كل احتلال، هذه مدرسة وادي الحجير، وأن نقاومه بكل الوسائل المتاحة، إن شاء الله بالعصى والبندقية الإنكليزية والألمانية وبندقية الصيد والرشاش وصولاُ إلى الكورنيت 2006 في وادي الحجير بكل الوسائل المتاحة سواء كان احتلالاً فرنسياً أو إسرائيلياً أو تحت أي أسم آخر. وهذه المقاومة متواصلة بأشكالها المختلفة منذ ذلك المؤتمر إلى اليوم، صنعت الانتصارات وحققت الإنجازات وبدّلت المعادلات وأسقطت مشاريع الاحتلال والهيمنة في لبنان وفي المنطقة وفرضت نفسها في الموقع المتقدم من أحداث المنطقة، ويمثّل الصمود الأسطوري لمقاومتنا وجيشنا وشعبنا في لبنان في حرب تموز قمة هذا الإلتزام في مواجهة تلك الحرب. تكامل الصمود العسكري في الميدان، والذي هو الأصل، مع الصمود الشعبي في كل الأماكن، حيث بقي الناس أو حيث هجّر الناس، مع الصمود السياسي في مواجهة المشاريع المشبوهة وإملاء الشروط والتهديد والوعيد بالرغم من قساوة الانقسامات السياسية في السلطة والشارع في عام 2006.

وكانت المعركة في هذا الوادي. هذا ما أريده أن أقف عنده قليلاً في عنوان المقاومة عند هذه المحطة التي تعني هذا المكان، كانت المعركة في هذا الوادي من المعارك الحاسمةـ لأنه بحرب تموز من 12 تموز ل14 آب هناك محطات. خلال تسع سنوات، خلال الخطب والدراسات ووسائل الإعلام، عادةً يتم التوقف عند العديد من هذه المحطات، قصف حيفا وما بعد حيفا من المحطات، معركة بنت جبيل من المحطات، ضرب ساعر خمسة من المحطات، المجازر التي ارتكبت في أكثر من بلدة في لبنان، في الجنوب والبقاع وفي الضاحية وفي الشمال أيضاً من المحطات، وهناك محطات كثيرة لا أريد الآن أن أرسم لها جدولاً، لكن من أهم المحطات الحاسمة جداً في حرب تموز هي محطة وادي الحجير والقرى والبلدات المحيطة بهذا الوادي، هذه المعركة، هذه المحطة كانت حاسمة في إنهاء الحرب وإيقاف العدوان وإذلال العدو.

قبل عدة أيام كانوا على التلفزيون الإسرائيلي أجروا مقابلات مع أولمرت الذي كان رئيس وزراء الحرب وقتها، ولاحقاً حالوتس الذي كان رئيس أركان، ومع وزير الدفاع الذي أكيد نسيتم اسمه، مع عمير بيرتس الذي كان يقول إننا لن نننسى إسمه، يقول بهذه المقابلة: كانت تمر حالات في أيام الحرب أشعر فيها بالمذلة والمهانة بيني وبين نفسي. هذه حقيقة مشاعر قادة العدو في تلك الحرب التي أذلّت العدو وأسقطت كل خططه العسكرية ولم يبقَ أمامه سوى الانسحاب السريع إلى الحدود. في الأيام الأخيرة للحرب، تذكرون، في 11 آب صدر القرار الدولي 1701، مع العلم أنه كان سياسياً ومعنوياً لمصلحة إسرائيل، عملياً البعض افترض أن الحرب انتهت، لكن ب11 آب ليلاً أتخذت حكومة العدو قراراً بعملية عسكرية برية واسعة لاحتلال جنوب الليطاني من الحدود إلى نهر الليطاني، وتقدمت من أكثر من محور، وأخطر المحاور كان العبور من وادي الحجير، وحشدت لذلك ألوية وكتائب من المدرعات وقوات النخبة وقامت بعمليات إنزال في مواقع حساسة وخلف خطوط المقاومين، وقد اعترفت بعض المصادر الإسرائيلية  بأنها أضخم عمليات إنزال جوي منذ حرب تشرين 73. الإسرائيلي اتخذ هذا القرار الأحمق لأنه كان بحاجة إلى عمل من هذا النوع، أولاً كان بحاجة إلى إنجاز نوعي ومعنوي، لأنه إذا انتهت الحرب كما كان مفترض أن تنتهي ب11 آب، فلا إنجاز عند الإسرائيلي، لا هدف من الأهداف تحقق، لا يوجد إنجاز معنوي، نعم، دمّر، قتل، ارتكب مجازر، هذا أيّاً كان يستطيع فعله، سواء من يملك أقوى جيش في الشرق الأوسط أو يملك مييشيا كداعش، أيّاً كان يستطيع أن يدمّر ويرتكب مجازر، لكن لا يستطيع تحقيق إنجازات عسكرية وانتصارات حقيقية في الميدان تفرض وقائع جديدة، هذا الإسرائيلي كان لم يحقق منه شيء.

إذاً كان بحاجة أولاً لهذه الخطوة حتى لا يخرج من الحرب بهزيمة كاملة، ثانياً كان بحاجة لهذه الخطوة ليفرض شروطه على لبنان وعلى اللبنانيين، كان يود أن يفاوض على عودة الناس، أهالي المدن والبلدات في جنوب الليطاني، كان يود أن يفاوض على نزع سلاح المقاومة في جنوب الليطاني، كان يود أن يفاوض على عناوين عديدة وكثيرة، وكنا نعرف هذه التفاصيل حتى من النقاشات التي كانت تحصل داخل الحكومة اللبنانية.

كان يريد احتلال جنوب الليطاني لأنه كان يريد أن تكون له اليد العليا، كان يريد أن يخرج من الحرب منتصراً ليثبت عنفوانه واستعلاءه وعتوّه.

ولكن هنا في وادي الحجير وفي هذه التلال والبلدات المحيطة بالوادي كانت المواجهة البطولية التاريخية. هنا دمّرت عشرات الدبابات والمدرعات، هنا قُتل عشرات الضباط والجنود من قوات النخبة الصهاينة، هنا جُرح العشرات، هنا شعروا بالجحيم وجهنم من تحت أرجلهم ومن فوق رؤوسهم، هنا تهاوت دبابة الميركافا، فكانت مقبرة الدبابات ومقابر الغزاة ومدافن أحلام العدوان بالعلو والانتصار وإلحاق الهزيمة. هنا تحطمت أسطورة الميركافا وجيشها الذي لا يُقهر، وهنا قهر وأذل، وهنا كان الرجال الرجال، أصلب من الجبال وأقسى من صخور الوادي، وصنعوا هذه الملحمة.

كل أسلحة المقاومة كانت هنا، سلاح الهندسة، سلاح المدفعية، سلاح الدفاع الجوي، سلاح المشاة، المجاهدون الأبطال، ولكن كان الدور الأبرز لتلك القوة الشريفة من مجاهدي ضد الدروع، الذين دمروا عشرات الدبابات والآليات والمدراعات بصواريخهم.

في تلك الواقعة كانت الرمية، وكان الرماة في الظاهر رجال المقاومة وفي الحقيقة والواقع "فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى".

هنا كان الأبطال وكان الرجال وكان الصمود وكان العقل وكان التخطيط وكانت الإرادة وكان العزم وكان الثبات وكانت البطولات وكان الصدق والصبر والإيمان فكان الإنتصار.

من عناوين الشهداء الكبار في معركة وادي الحجير الشهيد القائد علي صالح، الحاج بلال، والذي كان من مسؤولي هذا السلاح الكبار في المقاومة وله تاريخٌ طويلٌ في المقاومة، مع إخوانه الشهداء الآخرين.

من هنا في الوادي سقط المشروع كله، مشروع احتلال جنوب الليطاني، مشروع الوصول إلى نهر الليطاني، إنقلب السحر على الساحر، أرادوا علواً فوضعهم الله، وأرادوا عزاً فأذلّهم الله، وأرادوا نصراً فهزمهم الله. هذا الذي حصل، وولّوا الأدبار.

أولمرت يقول في هذه المقابلة التلفزيونية، ومن الجيد أن يتابعها الناس لأنها جميلة جداً، يقول:  قادة الجيش قبل أيام كانوا يقومون بالضغط علي: يجب أن نسرع، ويجب أن نقوم بالعملية البرية الواسعة، هذا ضروري جداً لإسرائيل ولأمن إسرائيل ولمعنويات إسرائيل، لكن في آخر الليل في 13 آب يعني في ليلة 14 آب جاءوا إليّ مسرعين وقالوا: يجب أن ننسحب إلى الحدود، لماذا إلى الحدود؟ "طوّلوا بالكم" نريد أن نرى الأمم المتحدة وآليات تطبيق القرار، (وكان جوابهم) كلا كلا كلا يجب أن ننسحب إلى الحدود "ركض"، وقبل الساعة الثامنة يجب أن نكون على الحدود، هذا نص يؤيده أيضاً رئيس الأركان حالوتس. يقول: أنهينا النقاش وقلت: ليست لدينا الرغبة في البقاء عالقين في لبنان، ولا دقيقة واحدة زيادة، في تغيير إتجاه 11، هم أسموها بعملية" تغيير الإتجاه 11"، نفذت وتحقق منها ما تحقق، يعني يقول لهم: "خلونا نزمط بريشنا"، طبعاً تزامن ذلك مع إسقاط المروحية العسكرية الإسرائيلية الحديثة فوق وادي مريمين، بالقرب من بلدة ياطر، فأُسقط في أيديهم، فلا الإنزال الجوي يمكن أن يُواصل، غير قادر أن يوصل لا بالطائرة ولا بالهليكوبتر ولا بالدبابة ولا بالمشي، لا مشياً ولا ركباناً، لا يوجد شيء، في هذه الأرض لا سبيل لكم إلى الوصول ولا سبيل لكم إلى البقاء.

هذه كانت المحطة الكبيرة والمهمة من محطات حرب تموز، طبعاً هذه الحرب بدّلت وعدّلت في إستراتيجيات عسكرية كبرى في العالم، عند أميركا وعند الناتو وعند العدو الإسرائيلي، كان السائد قبل حرب تموز نتيجة الذي حدث في أكثر من بلد في العالم، أن سلاح الجو يحسم المعركة، هذا إنتهى.

أمس نشروا في الإعلام الإسرائيلي شيىئاً أسموه إستراتيجية الجيش الإسرائيلي، كتبها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي وهو كان أساسياً أيضاً في حرب تموز، كان يمكن رئيس شعبة العمليات على ما أذكر، أنا أدعو إلى قراءة هذا النص الذي نُشر لمن يهتم بلبنان. واضح جداً أنه يوجد تسليم إسرائيلي بأن سلاح الجو لم يعد يحسم معركة، هذا انتهى، أيضاً يوجد شيء آخر، حسمته حرب تموز وحروب غزة، وأيضاً حرب اليمن اليوم: لا يوجد حسم من الجو وثانياً: النار والدمار والقتل والمجازر وتهجير الناس وقطع أرزاقهم لا يُلحق بهم الهزيمة، إذا كان لديهم الإيمان وإرادة البقاء والصمود والمقاومة، لأن هذا كان جزءاً من الإستراتيجية، يتحرك الطيران والدبابات والبوارج من البحر لتقصف وتدمر وتقتل وترتكب مجازر مثلما فعلت عندنا في لبنان، وفي غزة ومثلما يحصل الآن في اليمن، وفي أماكن أخرى، فالناس تُرعب من مشاهد النساء والأطفال والدمار فتستسلم، لا يبقى عزمٌ ولا إرادة ولا تصميمٌ، وتخضع لهذا الغازي المدمر والقاتل، أيضاً هذا إنتهى وفي الإستراتيجيا إنتهى، لا سلاح الجو يحسم معركة ولا قوة الدمار وهول المجازر يحسم معركة، في مواجهة شعب يؤمن ويصر ويصبر ويصمد ويريد أن يعيش بعزة وكرامة، لذلك رجع لتثبيت إستراتيجية الجيش الإسرائيلي أن الإعتماد هو على القوات البرية والمناورة البرية وما شاكل، يعني الدخول إلى الأرض وعدم الإكتفاء بالقصف الجوي، ورغم أن هذا جربوه في حرب تموز وفشل، لكن في النهاية هم ليس لديهم خيارات، يعني أنه لم يأتِ بشيءٍ جديد في الحقيقة، لكن هذا الذي جربوه في حرب تموز وفشل، أنا أريد أن أقرأ لكم نصاً، وهنا نصل إلى ختام موضوع عنوان المقاومة، لشيمون بيريز الذي كان وزيراً في حكومة أولمرت، يمكن العلاقات الدولية أو شيء كهذا "كانوا مضبطين له وزارة"، هذا الكلام قاله في لجنة فينوغراد ولم يكن يتوقع أن هذا الكلام يُنشر، طبعاً يقول: إن إسرائيل كما كانت لم تكن كما كانت عليه دائماً، كانت غير متألقة وغير مفاجئة وغير مبدعة وكنا ضعفاء وكنا ... وكنا...، إلى أن يقول: كونها حرب باليستية وحرب ضد الإرهاب، هنا أنا لن أتكلم لغة إستراتيجيات بل سأتكلم باللغة البسيطة التي يفهمها كل الناس، يقول، وأريد أن أعلق عليه: لا يمكن أن نهرول بطائرة إف 16 تبلغ قيمتها مئة مليون دولار خلف شاب عمره 16 سنة، يعني هذا من نتائج حرب تموز، الآن أضيفوا إليه مثلما قلنا حروب غزة وحرب اليمن... إلخ، إذاً، سلاح الجو لا يحسم. حسناً إذا كان عندك كم طائرة، نحن لدينا مئات آلاف الشباب الذين عمرهم ستة عشرة سنة "وطلوع"، " شو بدك تلحق طيارات لتلحق"، يقول: في النهاية سيكون لديهم صواريخ ضد الطائرات وسيسقطون الطائرات، أيضاً لا يمكن إرسال دبابة ميركافا كلفتها عشرة ملايين دولار إلى حفرة محصنة تحت الأرض، وأنا أقول لكم اليوم 14 آب 2015 إن كل بقعةٍ في أرضنا ستكون حفرةً محصنةً تدمر دباباتكم ومدرعاتكم، وتقتل جنودكم وضباطكم وتهزم جيشكم.

لن تكون هناك إستراتيجية ناجحة للجيش الإسرائيلي بعد اليوم في لبنان، هذا إلتزام وهذا فعل، وهذه جهوزية وهذا عمل يومي وعمل دائم بمعزل عن كل الأحداث والتطورات التي تحصل عندنا في المنطقة.

في مقابل إستراتيجية الإقتحام البري التي يتحدث عنها رئيس أركان العدو، نحن نطرح إستراتيجية وادي الحجير ، ونحن اليوم أقوى إرادةً وأمضى عزيمةً وأشد بأساً وأعظم عدةً وعديداً.

أيها الإخوة والأخوات، عندما نصرّ على الاحتفال في الرابع عشر من آب بهذا الإنتصار لنذكر للبنانيين، أن الإسرائيلي منذ 14 آب 2006 إلى اليوم لا يزال يدرس ويناقش ويأخذ العبر ويعدّل ويكتب إستراتيجيات، ونحن في لبنان ماذا عملنا؟ لم نعمل شيئاً.

نحن إنما نصرّ لنأخذ العبرة وأنا أقول اليوم للبنانيين: ثقوا وكونوا على يقين أنكم قادرون على الصمود في أصعب الظروف، وقادرون على إسقاط المشاريع، وقادرون على الانتصار في وجه أقوى جيوش المنطقة، وإرهابيي المنطقة، وقادرون على حماية بلدكم وشعبكم وسيادتكم من خلال معادلات الردع، ومن خلال المعادلة الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة، هذه هي العبرة، التي يجب أن نؤكد عليها.

قوة المقاومة الرادعة في لبنان ، أقول حتى أوباما أصبح يستفيد منها، لما اجتمع قبل أيام مع قادة الجاليان اليهودية في الولايات المتحدة الاميركية، ليقنع ناتنياهو ويقول له ضع قدميك على الأرض وعقلاتك "حاجة يتشّو" بماذا هدده؟ لم يهدده بالمباشر، بصواريخ المقاومة في لبنان، لأن الأميركي يعرف جيداً قوة الردع التي باتت تملكها المقاومة في لبنان.

هذا الانتصار أيها الإخوة والأخوات، أيها اللبنانيون، تحقق بالرغم من الانقسام العامودي الحاد في لبنان بحرب تموز 2006، ومن انقسام القوى السياسية ومن انقسام السلطة السياسية، ولا ننسى كيف كانت تدار المفاوضات وتُتخذ القرارات في ذلك الجو الصعب. لا ننسى عندما كان دولة الرئيس نبيه بري في الصف الأول الأمامي، يفاوض كل مفاوضي العالم ويحفظ أمانة المقاومة ودماء الشهداء، ونتذكر فخامة الرئيس العماد إميل لحود والذي كان محاصراً في قصره، ولكنه كان يرئس جلسات الحكومة، والمعارك التي كانت تخاض في داخل الحكومة. لا أريد أن أفتح ملفات الماضي سوى هذه الإشارة لأقول، إذا كنا منقسمين وانتصرنا، كيف إذا كنا موحدين؟ كيف لو توحدت السلطة السياسية؟ وتوحدت القوة العسكرية والأمنية؟ واجتمعت القوى السياسية وتجاوزت خلافاتها وصراعاتها في مواجهة التهديد سواء، كان إسرائيلياً أم إرهابيا، ألسنا قادرين كلبنانيين وكدولة في لبنان وكشعب في لبنان أن نحمي بلدنا وأن نصون سيادتنا وأن ندافع عن كرامتنا وعن شعبنا دون حاجة إلى أحد في هذا العالم؟ وإذا كان من صديق يمد لنا المساعدة نقابل المساعدة بالشكر؟

هذه من العبر، في مواجهة التهديدات اليوم، بلدنا مهدد في وجوده، في سيادته، في أمنه، في بقائه، نحن ندعو إلى هذا الالتزام، الى هذه الوحدة، إلى هذه الثلاثية، إلى هذا الترفع عن الصراعات في مواجهة التهديد الوجودي.

في عنوان المقاومة نجدد التزامنا بمواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة، نجدد التزامنا بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة في استعادة الارض والمقدسات.

من وادي الحجير نعيد التذكير بالتهديد الذي يطال المسجد الأقصى والمقدسات في القدس، وآخرها نيّة العدو بناء كنيس في ساحة البراق وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إحراق البيوت والخيم على ساكنيها، على نسائها وعلى أطفالها دون رادع في هذا العالم. المقاومة هي سبيلنا للدفاع عن بلدنا، عن كرامتنا لاستعادة المقدسات ولمواجهة كل الأخطار ولصنع كل الانتصارات.

العنوان الثاني رفض التقسيم. في مؤتمر الحجير كان الموقف التاريخي رفض تقسيم المنطقة، وقُسِّمت المنطقة، ولكن كان لهم في الوادي شرف الموقف. اليوم نحن المجتمعون هنا يجب أن نرفض تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، وهذا ما تعمل عليه الولايات المتحدة الاميركية في منطقتنا، ومعها إسرائيل، وللأسف الشديد معها بعض القوى الإقليمية من حيث تعلم أو لا تعلم وفي مقدمها السعودية. اليوم يجب أن نطلق في كل وادٍ، وليس فقط في وادي الحجير، صوتاً ينذر شعوبنا وأمتنا بان التقسيمات الجديدة والتجزئة الجديدة سوف تدخل المنطقة في حروب أهلية وطائفية وعرقية طويلة، لن يكون نتاجها إلا الدمار والخراب والتهجير والضياع، ولذلك اليوم علماء الأمة، قادة الأمة، المسلمون والمسيحيون، الإسلاميون والوطنيون والقوميون والعلمانيون وكل التيارات والاتجاهات، مدعوون إلى موقف حاسم. إذا سمحنا اليوم، اذا سمح هذا الجيل بأن تُقسم وتجزأ من جديد هذه المنطقة، نحن جميعاً أمام الله سنحمل مسؤولية كل الآثار والتبعات الخطيرة على كل الأجيال الآتية، على الأولاد والأحفاد وأولاد الأحفاد، وهذه مسؤولية كبيرة.

أميركا اليوم تستخدم داعش من أجل تقسيم المنطقة، من حيث تعلم داعش أو لا تعلم. تذكرون قبل سنة، أنا قلت هذا الكلام، وقلت إن أميركا ليست جادة على الإطلاق في الحرب على الإرهاب وفي الحرب على داعش. هي تريد أن تستغل داعش لإعادة تركيب المنطقة من جديد، لإسقاط حكومات وإسقاط أنظمة، ورسم خرائط جديدة. هذا الذي يحصل.

قبل أيام، تقول أنقرة، العاصمة التركية، إن الولايات المتحدة طلبت منّا وقف العمليات ضد داعش، لماذا؟ احتراما للسيادة السورية؟ كلا، لأن التحالف الدولي لا يحترم السيادة السورية، بل لأنها لا تريد أن تُضرب داعش الآن، تريد أن يوظف داعش في سورية، كما توظف داعش في العراق، كيف تريد ان يوظف؟ الآن ياتي في سورية الكلام الجديد، كلام الدوحة، كلام جون كيري ومن يلحق به، أن انظروا، داعش تشكل خطراً كبيراً على سورية، على الشعب السوري، ولا يمكن للنظام الحالي كما يقول هو أن يواجه داعش، كي نمنع داعش من السيطرة على سورية ومن الوصول إلى دمشق يجب أن يرحل النظام الحالي، ويجب أن نسلّم السلطة للمعارضة السورية المعتدلة.

إذاً هو يوظف وجود داعش سياسياً للتخلص من النظام الحالي في سورية، ولكن هو يكذب وهو يخادع. هل هذه المعارضة السورية المعتدلة، خارج داعش وجبهة النصرة هي قادرة على مواجهة داعش؟ أصلاً هو يقول إن تجربة تدريب المعارضة المعتدلة فشلت، من 2000 شخص درّبتهم المخابرات الأميركية في تركيا يوجد 60 شخص فقط قبلوا أن يقاتلوا داعش، إذاً أنت تأتي ببديل هزيل ضعيف لا حول له ولا قوة، نعم هو يقول إذا استلمت المعارضة السورية المعتدلة السلطة، أنظروا إلى النفاق والاحتيال، سوف يأتي العالم ليقدم لها الدعم، ونحن سندعمها وسنقاتل داعش. هذه الخديعة تحصل في أكثر من بلد. بمعزل عن الخلافات داخل العراق وبين العراقيين، والصراعات السياسية، لكن مما قيل للعراقيين: غيّروا حكومتكم، ندعمكم لتهزموا داعش، غيّروا وستحصلون على دعم دولي وعربي وإقليمي لا حدود له، حسناً، غيّروا حكومتهم لأسباب عديدة، هذا ليس موضوع نقاشي، لكن ما هي النتيجة؟ هل حصلوا على الدعم الأميركي والإقليمي والأطلسي والعربي لمواجهة داعش؟ أم كانت داعش تتقدم إلا في المكان الذي كانت القوات الحقيقية الأصيلة المعتمدة على إرادتها وأصدقائها الحقيقيين تواجه، يعني الحشد الشعبي والقوات العراقية.

أكثر من هذا، العقود الموقعة بين العراق وأميركا، عقود السلاح والذخيرة والطائرات أين هي؟ لا تنفذ، يوجد مشكلة سلاح وذخيرة عند الجيش العراقي والقوات العراقية.

أكثر من هذا، جاءت أميركا والسعودية وتآمرتا وخفضتا سعر النفط، فتضاءلت الميزانية العراقية إلى النصف وما دون النصف، أصبح لديهم مشكلة حقيقية. حسناً أنتم وعدتم العراق بأن تساعدوه لو بدّل حكومته، هل ساعدتموه؟

واليوم في سورية هم يكررون هذا الكلام، يجب أن ننتبه جميعا لهذا الخداع الأميركي.

في اليمن، يقولون لك: نحن نقاتل الإرهاب، ويتحالفون مع القاعدة ويتحالفون مع داعش ضد الشعب اليمني، وضد القوى الوطنية والأصيلة في اليمن، أميركا وحلفاء أميركا وأدوات أميركا في المنطقة يوظفون الإرهاب لفرض شروطهم وخرائطهم ونحن يجب أن نواجه هذا كله في كل المواقع، لأن المشروع الأميركي الحقيقي "يا عالم صدقونا"، المشروع الحقيقي هو التقسيم، تقسيم العراق، تقسيم سورية، تقسيم المنطقة، تقسيم حتى السعودية، لأن هذه مصلحة أميركا ومصلحة إسرائيل، لأن هذا آخر شيء يمكن لهم أن يفعلوه في المنطقة لاستيعاب النهضة والوعي والقيام الذي حصل في أمتنا وفي منطقتنا، وهذه مسؤولية كبيرة على كل حال. في هذا السياق أيضاً يجب أن نعلّق أيضاً على كل الاتهامات في سورية التي تتهم القيادة السورية أو الجيش السوري وحلفاءهم ومنهم نحن بأننا نعمل أو نحضر لتقسيم سوريا. أبداً، لا يوجد من داع للنقاش كثيراً، يكفي أن أقول لكم إن الجيش السوري وإن الشعب السوري والقوات السورية من خمس سنوات عندما تقاتل في الحسكة وفي دير الزور وفي درعا وفي السويدا وفي حلب وقاتلت حتى آخر نفس في أدلب وفي دمشق وفي حمص وفي كل الأماكن، إذاً هي تقاتل من أجل بقاء سوريا موحدة، بقاء سوريا واحدة وترفض الخضوع للتقسيم الذي يريدونه تقسيماً واقعياً.

في اليمن أيضاً ـ في نهاية هذا العنوان ومدخل للعنوان الأخير ـ يجب ان نجدد اليوم، بعد 142 من العدوان الأميركي ـ السعودي على اليمن وعلى شعب اليمن، أن نجدد إدانتنا واستنكارنا لهذه الاستباحة الوحشية الإنسانية الخطرة والتي تؤسس لاستباحات أبشع من قبل إسرائيل وأميركا في منطقتنا، ونقول أيضاً: كل ما اُستفيد من عبر في حروب منطقتنا هناك أيضاً حاضر في اليمن، قد تسقط مدينة هنا أو منطقة هناك، لكن ما دام هناك إرادة وقضية وإيمان وصمود وإحساس بالعزة وطلب للعيش بالكرامة ورفض للاحتلال، لا يمكن لهذا العدوان أن ينتصر أو أن يحقق أهدافه.

العنوان الأخير في خطابي للبنان والوحدة الوطنية: عام 1920 حدثت أحداث طائفية في لبنان وفي الجنوب بين المسلمين والمسيحيين، وقد يكون هذا من أهم الأسباب في عقد مؤتمر وادي الحجير.

في كل بلد، عندما يحضر الاحتلال، ومن أجل أن يثُبت دعائمه، يقوم بافتعال الفتنة بين مكوّنات البلد، وهذه سياسة قديمة وليست جديدة، عملت إسرائيل بهذه الطريقة، أميركا عملت هكذا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، كل بلد احتل بلداً عمل هكذا.

هذا فعلوه عندنا في لبنان، قام الإمام شرف الدين، السيد عبد الحسين شرف الدين، في هذا الوادي وقال كلمة في عام 1920. بضعة أسطر أعيدها على مسامعكم، لاننا نحتاج إليها في لبنان الآن، نحن في أمسّ الحاجة إليها، مسلمين ومسيحيين: "يا فتيان الحميّة المغاوير، الدين النصيحة، ألا أدلّكم على أمر إن فعلتموه انتصرتم، فوّتوا على الدخيل الغاصب برباطة الجأش فرصته، واخمدوا بالصبر الجميل الفتنة، فإنه والله ما استعدى فريقاً على فريق إلا ليثير الفتنة الطائفية ويشعل الحرب الأهلية، حتى إذا صدق زعمه وتحقق حلمه (بالفتنة)، استقر في البلاد بعلّة حماية الأقليات (كما تقدم اسرائيل نفسها اليوم، أنها تحمي الأقليات الطائفية في المنطقة) ألا وإن النصارى (المسيحيين) إخوانكم في الله وفي الوطن وفي المصير. فأحبوا لهم ما تحبون لأنفسكم وحافظوا على أرواحهم وأموالهم كما تحافظون على أرواحكم وأموالكم، وبذلك تحبطون المؤامرة، وتخمدون الفتنة وتطبقون تعاليم دينكم وسنة نبيكم ".

هذا هو نهج وادي الحجير، الذي حمله الإمام موسى الصدر لعشرات السنين، وثقّفنا وثقّف أجيالنا على هذا الفهم وعلى هذه الرؤية وعلى هذا المنطق. اليوم نحن نحتاج إلى هذا النهج.

نحتاج كلبنانيين جميعاً أن لا نتكلم على العيش الواحد أو على العيش المشترك، بل أن نعمل جاهدين ليكون عيشنا واحداً وعيشنا مشتركاً.

يجب أن نقتنع جميعاً، وأنا ابن الحركة الاسلامية وابن الحزب الإسلامي أقول لكم ذلك، يجب أن نقتنع جميعاً بقيام الدولة التي يشارك فيها الجميع، جميع مكوّنات هذا الشعب وهذا الوطن، ويشعر فيه الجميع بالثقة، يعني دولة لا تخيف أحداً، لا تقلق أحداً، لا يشعر أي مكوّن بأنها تتأمر عليه، دولة تبعث الطمأنينة عند المكوّنات، دولة تخدم جميع مكوّنات الشعب اللبناني، فلا تمييز ولا إهمال ولا حرمان بين المناطق أو الطوائف. هذه الدولة هي التي نحتاج اليها وهي الضمانة في كل شيء، يجب أن ينتهي التفكير أو منهجية التعاطي السياسي على قاعدة الطائفة القائدة، ليس هناك طائفة في لبنان تستطيع أن تكون طائفة قائدة، اليوم الكل لديهم علماء، والكل لديهم نخب، والكل لديهم شخصيات وزعامات وقيادات، والكل لديهم كفاءات، والكل لديهم قوة وحضور وحيوية وثقافة وحضارة.

عقلية الطائفة القائدة يجب أن تخرج من العقول.

عقلية الحزب أو التنظيم أو التيار القائد للدولة يجب أن تنتهي، لا يوجد إمكانية لها في لبنان، وسوف نستمر في الأزمات.

في السابق، كان يقال إنه يوجد ثنائية خوف وغبن، المسيحيون يشعرون بالخوف لأنهم في بحر إسلامي في المنطقة، فإنهم يطلبون من المسلمين اللبنانيين ضمانات في الدولة، والمسلمون يشعرون بالغبن.

أما اليوم أيها اللبنانيون أقول لكم: "كلنا شركاء في الخوف والغبن، كلنا شركاء في الخوف والغبن، من هو المطمئن على وجوده أو على وجود مكوّنه أو على وجود طائفته أو حتى على وجود لبنان أمام كل التهديدات الموجودة في المنطقة؟".

الكل يتحدث عن الحرمان وعن الإهمال وعن الفساد وغيرها. إذاً لم يعد هناك طائفة محرومة وطائفة غير محرومة، طائفة خائفة وطائفة غير خائفة، اللبنانيون اليوم متساوون للأسف في الإحساس بالخوف والغبن، هذه الدولة نعم هي الضمانة وهي الحل، لا التقسيم ولا الفدرالية و"لا كل شخص يحك جلدوا ويزبط رأسه"، كلا الدولة هي الضمانة الحقيقية.

لكن هذه الدولة العادلة المطمئنة التي تبعث على الثقة، التي تخدم الناس بدون تمييز، لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا كانت دولة شراكة حقيقية، هذا الذي يعطي طمأنينة وثقة، دولة شراكة حقيقية تعطي طمأنينة وثقة.

عندما نكون جميعاً موجودين بمؤسسات الدولة ومؤسسات القرار نطمئن جميعاً بأنه لا يتآمر أحد على أحد، ولا هناك أحد يريد أن يستخدم الدولة ومؤسسات الدولة لسحقه أو طعنه أو عزله أو كسره أو استبعاده أو إهانته. إذاً الطريق للدولة، للدولة العادلة، للدولة التي تبعث الثقة والاطمئنان هو الشراكة الحقيقية بين جميع مكوّنات الشعب اللبناني، وبدون أن نتكلم لا بالعدد ولا بالنسب، بأن نأتي ونقول من أكثر ومن أقل ونتنازع في هذا الأمر.

بمعزل عن هذا كله، الشراكة الحقيقية هي المطلوبة لخروج لبنان من كل أزماته، اليوم نحن نواجه أزمات خطيرة وكبيرة، الفراغ الرئاسي، مجلس نيابي معطل، وحكومة مأزومة تجتمع ولكنها عاجزة، ومجموعة كبيرة من الأزمات الاقتصادية والمعيشية والحياتية، وكان أبشعها منذ أسابيع أزمة النفايات.

 

يجب أن نجد حلولاً لكل أزماتنا، لكن من جملة المشاكل الكبيرة الآن والتي تعبّر عن نفسها، باتت تعبّر عن نفسها حتى في الشارع قبل أيام، أن هناك شريحة كبيرة أو شريحة كبرى من المسيحيين تشعر بالغبن وبالاستبعاد وتعبّر عن ذلك، أقصد تكتل التغيير والإصلاح والتيار الوطني الحر ومن معه.

ويتطور الموقف السياسي في بعض الأماكن في لبنان إلى حد الحديث عن كسر هذا المكوّن أو عن عزله، أو عندما يتحدثون عن زعيم هذا المكوّن العماد ميشال عون، يقولون كسر العماد عون أو عزل العماد عون. هذا مؤسف، أن نصل إلى هذه المرحلة.

في خطب سابقة، قلنا لا تتجاهلوا هذا الذي يحصل، إذهبوا إلى الحوار، استمعوا، هناك مشكلة حقيقية، فهم تجاهلوا، بل أكثر من ذلك ذهبوا إلى الاستفزاز.

البعض يراهن على أن هذا التحرك لن يؤدي إلى نتيجة، وآخر الشيء الجنرال عون ومن معه يشعرون باليأس وبالإحباط  ويعودون إلى بيوتهم و"البلد يمشي"، ونكون كسرناهم وعزلناهم و"شلناهم وحطيناهم". طبعاً هذا تفكير خاطئ، وتفكير خطر.

أنا أريد اليوم في 14 آب، ذكرى الانتصار الإلهي، أن أثبت كما في السابق أصلاً بالنسبة لنا، نحن في لبنان، نحن - الآن أحكي حزب الله بالتحديد - لا نقبل أن يكسر أيّ من حلفائنا أو يعزل أيّ من حلفائنا. لا يمكن أن نقبل بهذا على الإطلاق، وخصوصاً أولئك الذين وقفوا معنا في حرب تموز، ووضعوا رقابهم مع رقابنا، ومصيرهم مع مصيرنا، ودماءهم مع دمائنا.

بكل صراحة أنا اليوم أقول لكل القوى السياسية في لبنان، هذا الموضوع بالنسبة لنا نحن في حزب الله كما هو موضوع سياسي هو موضوع أخلاقي وإنساني يستحق التضحيات، لا أحد يحسب خطأً بهذا الموضوع، وهذا يعني كل الحلفاء.

لكن باعتبار المستهدف الآن، في ما يجري من أحداث هذه الأيام، هو العماد عون والتيار الوطني الحر، فأنا أقول لهم: أنتم مخطئون، لن تستطيعوا أن تكسروه ولن تستطيعوا أن تعزلوه، لن تستطيعوا.

بكل بساطة أضرب مثلين ثلاثة، لأننا أصبحنا على آخر الخطاب.

واحد: أنه ماذا يعني عزل وكسر، يعني إخراج التأثير من الساحة السياسية، هذا غير ممكن. أول عنوان، العماد ميشال عون ممر إلزامي لانتخابات الرئاسة، يمكنكم أن تتجاوزوه؟ يمكنكم أن تعزلوه؟ لا يمكنكم. نحن ملتزمون بهذا الموقف.

أيام المفاوضات النووية، كان يقال إنهم ينتظرون المفاوضات النووية وهناك ستحل، وقلنا لكم مفاوضات نووية وبس، لا يوجد شيء آخر. حسناً، بعد الاتفاق النووي، أنهم ينتظرون، ماذا تنتظرون؟

قبل أيام كان الأخ الدكتور ظريف وزير خارجية الجمهورية الإسلامية في لبنان، والتقى مع عدد من المسؤولين، كان واضحاً أن إيران لا تتدخل، إذا طلب منها أن تساعد تساعد، لكن أنا أقول لكم كيف تساعد إيران، إذا كان أحد يتوقع أن إيران تأتي وتضغط على حلفائها ليأخذوا قراراً هم غير مقتنعين به، فهو واهم، واهم، واهم حتى ينقطع النفس.

هذه ليست إيران. الجمهورية الإسلامية تتكلم مع أصدقائها لا يوجد مشكلة، وإن كانت هي تؤكد في كل يوم أن هذا شأن داخلي وشأن لبناني، لكن لا أحد يفرض على أحد شيئاً.

حسناً، هذا التكتل وهذا نحن مع التكتل، وأجروا انتخابات رئاسية، وانتخبوا رئيساً من دون العماد عون. هذا يعني العزل، هذا واحد.

اثنين: الحكومة، لتعود حكومة منتجة ولتعود حكومة فاعلة أيضاً ممرها الإلزامي العماد ميشال عون. لكن إذا كان أحد يفكر أنه يستطيع أن يكمل بحكومة ويدير بلداً ويتجاهل مكوّنات أساسية في البلد، هنا لا يتجاهل فقط التيار الوطني الحر، يتجاهل مكونات أساسية وكبيرة في البلد، هو أيضاً مشتبه وواهم. إذاً لا يمكنكم أن تعزلوا ولا يمكنكم أن تكسروا.

حتى في موضوع الشارع، الآن ترون أن الشارع التيار الوطني الحر "نازل على الشارع"، حسناً، وأنا أقول لكم في هذه المرحلة، أكيد المصلحة أن التيار يكون هو في الشارع طالما هو اتخذ قراراً أن يكون في الشارع. أن نكون نحن وأمثالنا لا نتواجد معه، فهناك مصلحة، وهذا تكلمت به سابقاً وشرحته.

 لكن أنا أود أيضاً اليوم أن أقول، هل من يتجاهل ويدير ظهره ويستكبر ويفكر بالكسر والعزل لديه ضمانات أن يبقى الشارع فقط هذا الشارع؟ هل لديه ضمانات بأن حلفاء كثيرين لن يلتحقوا وينضموا إلى هذا الشارع في وقت من الأوقات وفي مرحلة من المراحل؟

أنا ذكرت سابقاً وقلت خياراتنا مفتوحة، واليوم أعيد وأقول، لنساعد ونقف إلى جانب حلفائنا، أيّا كان من حلفائنا في مطالبه المشروعة، نحن خياراتنا مفتوحة. رغم انشغالاتنا، مرابطة في الجنوب وقتالاً في سوريا. ولكن أيضاً في الداخل، من قال إننا نغض النظر عن الداخل أو نتجاهل الداخل.

لذلك أنا أقول عودوا إلى الحوار، تكلموا مع بعض، ناقشوا بعض، ابحثوا عن حلول، لا تتعاطوا مع الأزمة القائمة على أنها أزمة زعيم أو تيار أو شريحة من طائفة معينة ولو كانت شريحة كبرى. نحن نعيش الآن أزمة سياسية وطنية، وبحاجة إلى قادة بمستوى الوطن وإلى قامات بمستوى الوطن ليأخذوا المبادرة ويجدوا الحلول.

إدارة الظهر لبعضنا البعض، محاولة البعض أن يكسر البعض الآخر لن تؤدي إلى نتيجة.

سيقول بعضهم: عندما شكّلتم، كقوى 8 آذار، شكّلتم حكومة دولة الرئيس نجيب ميقاتي عزلتم القوى الأخرى. أبداً غير صحيح. بقي الرئيس ميقاتي يفاوض شهراً كاملاً قوى 14 آذار، وكانت الرغبة أن يشاركوا، تيار المستقبل وحلفاء تيار المستقبل، وفي ذلك اليوم، في الاستشارات الداخلية، نحن في قوى 8 آذار اقترحنا على الرئيس ميقاتي أنه حتى لو طالبت قوى 14 آذار بالثلث الضامن فهذا حقها، فليكن، لأننا نريد حكومة شراكة.

اليوم أعيد وأقول، الحوار هو الطريق الموصل إلى الشراكة، والشراكة هي الطريق الموصل إلى بناء الدولة. إدارة الظهر يأخذ البلد إلى الضياع والتيه والخراب. نحن بحاجة إلى مبادرات.

طبعاً في هذا السياق، ومع هذا الموقف الواضح والحازم، إلا أنني أجد من المصلحة أيضاً أن أوجه نداءً صادقاً ومخلصاً للقيادات المسيحية الوطنية في لبنان أن تعيد النظر في موقفها من فتح المجلس النيابي وإطلاق عمله. هنا يجب أن نفكك الأمور قليلاً، يجب أن نسمح لهذه المؤسسة من أجل لبنان، من أجل معالجة قضايا اللبنانيين، من أجل فتح أبواب الحوار، من أجل فتح الأبواب للوصول إلى حلول في الأزمات الأخرى، يجب أن نجد حلاً لهذا الأمر ولهذه المشلكة. من أجل لبنان، من أجل الوطن، من أجل المستقبل، يمكن إعادة النظر وإيجاد المخارج.

في كل الأحوال، أيها الأخوة والأخوات، في الرابع عشر من آب 2015، ذكرى 2006، بقينا هنا وإن شاء الله سنبقى هنا، نقاتل من أجل كرامة هذا البلد وهذا الشعب وهذه الأمة، نحيا هنا ونستشهد هنا وندفن هنا، وتبقى هنا الأسماء والذكريات والأجساد والأرواح، ونواصل المسيرة، نتحمل المسؤولية ولو تخلف من تخلف، ونواصل الطريق ولو تراجع من تراجع، لا يسقطنا حجم التضحيات ولا عدد الشهداء ولا التهويل ولا التهديد، ولا الحروب النفسية ولا الأكاذيب، نبقى واثقين بربنا، بقضيتنا، بمسؤوليتنا، بتكليفنا، بشعبنا، بعائلاتنا الشريفة، بمجاهدينا، بجيشنا، بالمقاتلين على هذه الأرض الطيبة، ولن يكون من هذا النهج ومن وادي الحجير ومن السيد عبد الحسين شرف الدين، ومن الإمام موسى الصدر إلا نصركم دائم، ونصركم دائم وكما كنت أختم وأقول دائماً، ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات ولكن بشرطها وشروطها، والسلام عليكم ورحمة الله وكل عام وأنتم بخير.