"الماء يبدأ من دمشقَ فحيثٌما... أسندت رأسك جدولٌ ينسابُ" .
خليل موسى
"الماء يبدأ من دمشقَ فحيثٌما... أسندت رأسك جدولٌ ينسابُ"
هذا ما كتبه الشاعر الدمشقي في وصف وفرة المياه، ففي المشهد ما يحرض الذاكرة على استدراج هذا البيت الشعري المكتوب أينما وجد سبيل ماء في دمشق القديمة، مشهد يتصدره رجل يحمل بيده أواني "بلاستيكية" ويمشي إلى حيث يقدر أن يملأها بالماء، يسأل المارة عمّا يبحث، وفي صوته صدى أطفال لا يستوعبون الظروف، ولا ذنب لهم وليس من
واجبهم ان يتفهموها، وفجأة يستوقفه رجل آخر يحمل دلواً ممتلئا بالماء، يسأله ويسارع الخطى إلى المكان.
نعم هذا ما حدث في دمشق على مَر الأيام السابقة، وتحديدا في الأحياء المرتفعة في المستوى الجغرافي بالنسبة لمدينة حيث لا يساعد ضغط المياه البديلة في الوصول إلى أحيائهم في سفح قاسيون، فلم يعد لدى المواطنين اهم من تأمين المياه لأطفالهم ومسنيهم، فمياه الشرب المشهورة في البلاد والصالحة للشرب "الفيجة" كما يسميها الدمشقيون، تكاد تكون ممنوعة عنهم بفعل فاعل.
هنا كلام ليس بجديد عن الحرب السورية، هي الحرب التي لا بد لمن يعتدي خلالها ان يبحث عن كافة الأشكال التي تسبب الإضرار بالناس الآمنين، فثمة آلة عسكرية تعمل جاهدة لدرء الحرب عن مواطنها في المدن السورية مقابل أشكال من الناس أتوا من شتى بقاع هذه الدنيا، وهدفهم قتل الإنسان ومحو الحضارة.
وهذا الكلام أيقظه هذه المرة العطش، عطشٌ لم يأتِ اليوم بفعل كارثة طبيعية سببت الجفاف، إنما أتى بفعل كارثة أخلاقية يرتكبها المسلحون الذين يدّعون الجهاد في سبيل الله وهدفهم واضح ومعلن كما أكدوا هم أنفسهم عبر فيديو اطلقوه وعانى من آثره الدمشقيون، وحسب الشريط "لن ينعم أهالي دمشق، بالماء إلا بشروط هؤلاء المسلحين" وها هم يحومون حول نبع عين الفيجة الذي يغذي أهالي دمشق بمياه الشرب.
هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها المسلحون مياه الشرب للمواطنين، فقد سبق لهم ان فجروا مياه الشرب بمدينة حلب شمال البلاد، ويسيطرون على منابعها الأساسية هناك، وبالمقابل تعمل الدولة في المدينة على تأمين مصادر بديلة للمياه، وإدلب في شمال غربي سورية أيضا الحال نفسه تعاني منه خاصة بعد سيطرة المسلحين على المدينة الذين يتحكمون بشرب المواطنين الذين بقوا في المدينة ولم يستطيعوا مغادرتها.
كما أنهم يمنعون الكثير من أهالي المناطق التي يسيطرون عليها من الحصول على الماء إلا بكميات تجعلهم دائمي الحاجة لهم، بالإضافة لمحاولتهم اكثر من مرة قطعها عن دمشق، ومحاولات متكررة لاستهداف النبع الأساسي الذي يروي اهالي العاصمة، وفي كل مرة يتدخل الجيش السوري ويكون بالمرصاد للمسلحين الذين هددوا أكثر من مرة بتسميم المياه في دمشق، كما حاولوا مرة وضع مادة البنزين في مجرى النبع ليستشعر قسم من سكان دمشق بطعم غير محبب بالماء إلى أن تمت تسوية الامر من قبل المؤسسة العامة لمياه الشرب.
سكان دمشق وحالهم مع انقطاع الماء..
جال موقع المنار في مناطق عدة وأحياء من العاصمة دمشق بدءا من المكان الذي يتواجد فيه مقره بدمشق، "فهذا ليس بجديد والحرب قائمة ولكن هل يحاربوننا حتى بكاس الماء؟؟؟" هذه الجملة التي طرحها رجل التقيناه امس في أحد حارات دمشق، وهو يحمل بيده أواني بقصد ملأها ماء لأطفاله، الجواب كما استكمل هو ذاته ان الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله لم يقطع الماء عن الكفار الذين حاربهم، فما حال هؤلاء الذين يقطعون الماء عن المدينة في حين يدّعون الإسلام وهو بريء منهم ومن افعالهم..
قصي شاب يعمل على احد سيارات نقل الماء الذي يأتي من معامل الدولة في قوارير نقية من معمل الفيجة، يقول قصي وهو منهمك في عمله "لم نشهد فترة عمل كما شهدناها هذه المرة والمرات السابقة أزمة المياه مخيفة، نسأل الله العافية" ويتابع مجادلة الزبون بالكمية التي يمكن له شرائها.
"كلاهما على حق، الزبون والبائع قصي"، هكذا قال رجل مُسن يعرف ما معنى ان تنقطع مياه شرب وبالوقت نفسه يقدر المسؤولية الضميرية للبائع الي تلقى تعليمات بأن يبيع بكميات محددة ليسد حاجة الجميع قدر الإمكان، إضافة إلى أن السعر محدد كما وضعته الشركة فلا زيادة لاستغلال الموقف كما حدث سابقا وهذه المرة تحت طائلة العقوبة القضائية كما علم موقع المنار خاصة، ان هناك من يحاول استغلال الأزمة حيث يبرز الانتهازيون كما في كل الازمات في العالم.
كثر من السكان يحاولون إلى اللحظة ان يحصلوا على المياه الصالحة للشرب قدر الإمكان، في حين استنفرت وحدات الجيش العربي السوري حسب مصادر موقع المنار منذ تسلل المسلحون إلى المكان الاساسي لنبع عين الفيجة، وتجهزوا لعملية عسكرية دقيقة يستعيدون من خلالها المكان الوحيد الذي يروون فيه ظمأ المواطن لأهم مقومات الحياة.
فما احيا الله به كل شيء يحاول الإرهاب تسليطه سلاحا على حناجر الأبرياء، بعد ان عجز عن الوصول إليهم بالسلاح التقليدي.