ليس جديدا ان يعاني اللبنانيون من كل هذه الازمات المتراكمة في مختلف الاتجاهات، دون أي حلول جذرية لاي واحدة منها، فطالما كانت الحلول الموضعية او المسكنات هي الحلول المعتمدة من كل الحكومات التي تعاقبت منذ 1992.
ذوالفقار ضاهر
ليس جديدا ان يعاني اللبنانيون من كل هذه الازمات المتراكمة في مختلف الاتجاهات، دون أي حلول جذرية لاي واحدة منها، فطالما كانت الحلول الموضعية او المسكنات هي الحلول المعتمدة من كل الحكومات التي تعاقبت أقلها منذ 1992 وحتى اليوم، ولكن مؤخرا برزت في لبنان أزمة عامة جديدة أرخت بظلالها على كل شي، وهي أزمة ومشكلة الفراغ والتعطيل المنتشر في كل جسم الدولة ومؤسساتها ما يدفع حتما الى التمديد في محاولة للهروب الى الامام من قبل بعض السياسيين، إما قصيري النظر او المنتفعين من هذا الجمود القاتل.
فالتعطيل والفراغ ومن ثم التمديد كلها مشاكل ليست وليدة الصدفة او وجدت اليوم بدون مسببات، بل هي نتاج السياسات الفاشلة على كافة المستويات الدستورية والقانونية والسياسية ومحاولات الالتفاف على النظام والدستور والقوانين لتمرير صفقات وتعيينات او انتخابات رئاسية ونيابية وتعيينات في مجالس دستورية او انمائية او اعمارية، فلو كان في لبنان اعتماد حقيقي على القانون لكنا رأينا بعد كل أزمة سياسية تعديل لقانون او دستور او نظام بما يمنع بالوقوع بنفس الفخ في مرات مقبلة، لكن يبقى "مربط الفرس" هو في العقلية التجارية او "النفعية" التي يسكنها مبدأ الربح والخسارة فقط، هي التي تحكم وتتحكم في تفكير الطبقة الحاكمة في ظل غياب الرقابة الشعبية عليها، خاصة ان أي رقابة اخرى(قضائية، مالية، سياسية...) غائبة أصلا لانها من صنيعة الطبقة الحاكمة بطريقة او باخرى.
"عندما يصل الى قصر بعبدا مواطن لبناني بسيط او من الطبقة الفقيرة وعندما يصبح الوزير في لبنان من الفقراء او من عامة الناس يصل الى منصبه بناء على كفاءته وعندما ينجح في الانتخابات النيابية شخص غير موظف عند زعيم سياسي، فقط عندها يمكن الحديث عن إمكانية البحث عن حلول لمشاكل اللبنانيين التي لا تنتهي، من الكهرباء والمياه الى الى الى وصولا للفساد الناخر في جسد الدولة اللبنانية والى الطائفية السياسية التي تنهك لبنان وشعبه وترفع سياسييه الى اعلى المناصب وارفع الكراسي على حساب الفقراء"، هذا هو رأي "ابو رائد" الموظف "العتيق" في إحدى الادارات الرسمية اللبنانية، وهو يقوم بوظيفته هذه منذ سنوات طويلة ويشاهد أحوال ادارته على حالها دون تغيير يذكر مع كل ما فيها من آفات وعلل ومشاكل لا تنتهي.
ولكن هل الموضوع هو دعوة لـ"إفقار الحكام" فقط ام للبكاء على الاطلال تحت عنوان "إصلاح" الطبقة السياسية اللبنانية، فالفقر أمر بغيض لا يتقبله عقل ولا دين ولا اخلاق ولا يمكن التمني به لاحد، إنما الامر بالتأكيد هو دعوة للاحساس بمعاناة الناس وآلامهم، وهنا تبرز المشكلة، هل أهل السياسة في لبنان يحسون مع الناس؟ وكيف يحسون وهم بكلهم وكلكلهم "إما ولدوا اغنياء" وفي "فمهم معالق ذهب" وإما انتقلوا من "دار الى دار" بوصولهم الى مناصبهم، انتقلوا من دار الضيق الى دار الرخاء، فكيف وحالهم رخاء برخاء ان يحسوا مع الناس في معاناتهم اليومية والحياتية والمعيشية؟
ولكن لماذا لا يعاني الزعماء من كل ذلك بينما يعاني كل الشعب اللبناني منها؟ ما سر رخاء السياسيين وضيق عيش المواطنين؟ وما هو رأي المواطنين اللبنانيين حول كل ذلك؟ توجهنا بهذا السؤال الى عينة من الشارع اللبناني فكانت مواقفهم على الشكل التالي:
من جهته، يقول احمد(وهو سائق سيارة اجرة): "قبل وصول السياسيين يكون الامل معقود على من يصل ولكن التجارب اثبتت ان من يصل ينسى كل الوعود ولا يبحث سوى عن مصالحه الخاصة فقط"، وذكّر ان "البعض يصل ويكون فعلا صادق وشريف ولانه كذلك لا يستطيع البقاء بل يفضل الرحيل لانه لا يريد العمل لزعيمه السياسي باعتبار ان الجميع يجب ان يعمل لمصلحة هذا الزعيم".
أما غنوة(وهي طبيبة أسنان) تعتبر ان "الناس في لبنان أضعف من القيام بثورة لانهم يركضون خلف لقمة العيش ولا وقت له لاسقاط هؤلاء السياسيين"، وتابعت "ما زال راسخا في ذهننا كيف ان نصف الشعب اللبناني على الاقل نزل قبل سنوات واعتصم ضد رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة ومع ذلك لم يحترم رأي الناس واستمر السنيورة في منصبه ومع ذلك لم يحترم احد رأي الناس"، وتابعت "هذا استخفاف بالراي العام اللبناني ما يؤكد ان الخارج هو من يسيّر السياسيين وليس الشعب في لبنان".
بدورها، سألت منال(اعلامية) "هل لرئيس او لوزير او لنائب راتبه ملايين الليرات اللبنانية(بالطبع هذا راتبه الاساسي ناهيك عن المخصصات والحوافز وغيرها من الامور..) ان يعاني من اقساط اولاده في المدارس والجامعات او من مصروف المنزل او العائلة؟؟"، وتابعت "هل لهذه الشخصية السياسية ان تشعر بضيق او بقلق نتيجة التفكير بسعر فاتورة الطبيب او المستشفى او المتجر او او او ...؟ هل لوزير او سياسي ان تغلبه احتياجاته عائلته في المأكل والمشرب؟ هل يعاني احدهم من فاتورة الهاتف او من تراكم النفايات على باب منزله او من بدل اشتراك مولد الكهرباء؟".
من جهته، يقول طلال(صاحب محل بقالة) إن "الشعب اللبناني يستحق كل ما يجري له لانه لا يتحرك حتى انه وصل لمرحلة يعتقد انه عاجز ولا يستطيع التغيير وهذه قمة اليأس"، ودعا "كل الناس الى النزول الى التظاهر والاعتصام أمام منازل السياسيين ومكاتبهم ولو تعطل البلد وخسروا ايام قليلة من عملهم ولقمة عيش اولادهم"، مؤكدا ان "الوطن يحتاج الى تضحية فاليوم نضحي قليلا كي نشتري وطنا".
بالتأكيد ان الطبقة السياسية في لبنان ليست جميعها على نفس المستوى من الفساد وإن تميزت أغلبيتها بذلك، إلا ان هناك من السياسيين من هو منغمس تاريخيا في الفساد بل قد يكون احد اسبابه، وهناك جهات استفادت كثيرا من الفساد وعاشت عليه وبنت من خلاله امبراطوريات سياسية ومالية ستورثها لاجيال من الوارثين طالما التغيير غائب عن لبنان، وبالتاكيد هؤلاء لن يسعوا الى الاصلاح باعتبارهم مستفيدين منه بشكل كبير، بينما هناك من السياسيين من هو رافض للفساد ويرفع الشعارات الداعية للتغيير والاصلاح لكنه تعايش مع حالة الفساد الناخر في جسد لبنان الدولة والمؤسسات.
وحول ذلك يعتبر الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حبيب فياض ان "في لبنان ثمة ثلاث فئات من الفرقاء الفاعلين والممسكين بشؤون البلاد والعباد:
- الفريق الأول ينخرط في الفساد ويتخذ منه وسيلة لتوفير الحضور، وخدمة المناصرين، حيث بلغ هذا الفريق مرحلة متقدمة على طريق نهب الدولة والإفساد.
- الفريق الثاني يرفع لواء الإصلاح ومواجهة الفساد، من دون أن تتخطى إنجازاته حالة الخطاب والشعار التي لم تغيّر من واقع الحال شيئا.
- الفريق الثالث لم يقترب من الفساد وظل الى حد بعيد يعيش تعففاً حال دون انغماسه في موبقات السلطة، إلا انه لم يتخذ من الإصلاح برنامجاً له وظلت مواجهة الفساد بندا خارج أجندته وأولوياته".
لذلك يبقى في لبنان التعويل المبدئي على الفئة النظيفة الشريفة صاحبة الايادي البيضاء من السياسيين الذين لم توسخ ايديهم بمال الشعب ولم يشاركوا بنهب ثروات وخيرات لبنان وإن لم يستطيعوا بلحظة تاريخية معينة إجراء عملية التغيير الحقيقية، ولكن على هؤلاء عدم الاكتفاء بالتفرج بل تقديم البديل من سياسات وخطط وبرامج عمل شاملة تخولهم تطبيقها بما يحقق مصالح الناس، الا انه كيف يمكن تطبيق هذه الخطط الاصلاحية المفترضة في وجود حيتان السياسة والمال المنتشرة أيديهم كأيدي الاخطبوط في كل مفاصل الدولة؟
هنا يأتي دور الشعب الواعي الحي الذي يعرف ما يريد، فإن أراد التغيير حقا وإيصال من يعمل لمصلحته عليه الوقوف فعلا بوجه كل الفاسدين لاجراء أكبر عملية جراحية في تاريخ لبنان لاكبر غدة سرطانية تنخر في جسده منذ عشرات السنين والانطلاق من جديد بلبنان صاحب الجسد السليم المعافى بالاصلاح والمواطنة والقانون.