هذه هي المدرسة الوطنية الجامعة الحاضنة، التي يسعى السيِّد نصرالله لأن تكون قدوة في بناء دولة الشراكة الحقيقية العادلة،
أمين أبوراشد
كثيرون راهنوا على الإتفاق النووي الإيراني وانعكاساته الإيجابية المُبكرة على الواقع اللبناني، علماً بأن إيران انتصرت في هذا الملف منذ سنتين بمجرَّد انعقاد الجلسة الأولى في مواجهة "الخمسة زائد واحد"، ولبنان عندما استقبل مؤخراً وزير الخارجية الإيراني الدكتور محمد جواد ظريف، إنقسم فيه خصوم إيران السياسيون في لبنان في تحليلاتهم قبل وخلال وبعد انتهاء هذه الزيارة، فمنهم من رحَّب بمبدأ الزيارة لما يُعرف عن الدكتور ظريف من خطابٍ أنيق وأدبيات راقية تعكس ديبلوماسية إيران حتى في أحلك الظروف التي كانت تواجهها إقليمياً ودولياً، ومنهم من أبدى ترحيباً في إعادة توطيد العلاقات ولكن بشروط، ومنهم من تمنى أن ينعكس الإتفاق النووي على العلاقات الإيرانية – السعودية لإستيلاد رئيس الجمهورية العتيد، علماً بأن لا تأثيرات إقليمية أو دولية على مسار الداخل إلَّا بما يتناسب ويتواءم مع السيادة اللبنانية، إنطلاقاً من الإيمان الراسخ بالإستراتيجية الوطنية للمقاومة سواء على المستوى العسكري على الحدود، أو على مستوى الأداء السياسي والإحتضان الشعبي.
وقد نُقِل عن الدكتور ظريف بعد زيارته للرئيس برِّي، إعادة تأكيده على سياسة إيران بعدم التدخُّل بالشأن الداخلي اللبناني، خاصة ما يرتبط بإنتخابات رئاسة الجمهورية، وأن السيد نصرالله هو المرجع في هذا الشأن، وقد شاء الدكتور ظريف الإيضاح، أنه حتى ولو كانت مسألة انتخاب رئيس الجمهورية تستلزم توافقاً إقليمياً فإن لهذا التوافق الإقليمي قنوات وطنية لبنانية يجب أن يسلكها هذا المسار.
وما أدلى به وزير الخارجية الإيرانية، ما هو إلَّا انعكاس لنبض الشارع اللبناني بغالبيته الساحقة، وربما كان قدرُ السيِّد نصرالله أن يحمل باليمنى سلاح الدفاع عن الحدود بمواجهة العنصرية العدوانية في الجنوب والتكفير الزاحف من الشرق، وأن يحمل باليسرى راية السلام الأهلي، ويغدو خاصة بعد تشكيل حكومة "المصلحة الوطنية" عرَّاب الدعوات الى الحوارات الداخلية، لتستمر هذه الحوارات ضمن الحدِّ الأدنى، في غياب توافقٍ على انتخاب رئيسٍ للجمهورية، ووسط خلافات على آلية عمل مجلس الوزراء وسياسة الإستحواذ التي ينتهجها البعض بحق شركاء الوطن.
قبل الإطلالة المميزة جداً من وادي الحُجير، دعا سماحة السيِّد في إطلالتين سابقتين، الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل الى محاورة شركاء الوطن وسمى التيار الوطني الحر بالذات، وأكَّد على الحقوق التي يُطالب بها الجنرال للشركاء المسيحيين، لكن أن يصل السيِّد الى استخدام عبارة "كفى إدارة الظهر" فلأن الوضع في مؤسسات الدولة لم يعُد يحتمل التأجيل والمماطلة، ولا أن يبقى الوطن رهينة من "وطنُهم طائرة ولو طار الوطن"!
إطلالة وادي الحُجير، على أهمية تلك المنطقة المباركة بدماء الشهادة، أرادها السيِّد ليس فقط تحية لمن صهروا فولاذ دبابات الصهاينة مع أشلاء المعتدين، وليست فقط عربون وفاء للمجاهدين وعوائل الشهداء، ولا أرادها فقط لتوجيه رسائل رؤيوية واضحة للداخل والخارج حول أخطار التقسيم القادمة على المنطقة خدمة لإسرائيل، ولا فقط، دعماً واضحاً وصريحاً في عين الشمس للحلفاء الذين آزروا المقاومة في صنع انتصار تموز 2006، بل عاد بالتاريخ الى تاريخ وادي الحجير، والرسالة الوطنية التي انتهجها العلماء في ذلك الوادي اللبناني الأصيل، واستذكر سماحة الإمام السيد موسى الصدر ومدرسة العلماء الذين أسسوا لثقافة المقاومة اللبنانية النقيَّة الشريفة وقال سماحته: أقرأ على مسامعكم بضعة أسطرٍ من رسالة السيد عبد الحسين شرف الدين، التي وجهها من وادي الحجير عام 1920، لأننا نحتاج إليها في لبنان الآن، ونحن في أمسّ الحاجة إليها مسلمين ومسيحيين: "يا فتيان الحميّة المغاوير، الدين النصيحة، ألا أدلّكم على أمر إن فعلتموه انتصرتم، فوّتوا على الدخيل الغاصب برباطة الجأش فرصته، واخمدوا بالصبر الجميل الفتنة، فإنه والله ما استعدى فريقاً على فريق إلا ليثير الفتنة الطائفية ويشعل الحرب الأهلية، حتى إذا صدق زعمه وتحقق حلمه بالفتنة، استقر في البلاد بعلّة حماية الأقليات (كما تقدم اسرائيل نفسها اليوم، أنها تحمي الأقليات الطائفية في المنطقة)، ألا وإن النصارى (المسيحيين) إخوانكم في الله وفي الوطن وفي المصير، فأحبُّوا لهم ما تحبُّون لأنفسكم، وحافظوا على أرواحهم وأموالهم كما تحافظون على أرواحكم وأموالكم، وبذلك تحبطون المؤامرة، وتخمدون الفتنة وتطبقون تعاليم دينكم وسنة نبيكم".
هذه هي المدرسة الوطنية الجامعة الحاضنة، التي يسعى السيِّد نصرالله لأن تكون قدوة في بناء دولة الشراكة الحقيقية العادلة، بلا هيمنة من أحدٍ على أحد، ولا فريقٍ على فريق، ولا طائفة على طائفة، ومن لم يتَّعظ من مآثر الماضي ودروس الحاضر فإنه بلا شك سيُخرج نفسه من مشروع بناء الدولة ومن ضمير الوطن ومن نبض أحلام اللبنانيين.
وفي الختام، لا بدَّ من التوقُّف عند كلام للدكتور عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس، خلال إطلالته منذ أربعة أيام على إحدى الفضائيات في جولة بانورامية، على أوضاع الأنظمة والدول العربية التي انهارت حتى الآن ضحية "الربيع العربي" حيث قال ما معناه:
ليس لدينا في كل العالم العربي زعيمٌ واحد أو شخصية قيادية واحدة، لديها الشعور القومي والعربي الجامع سوى السيد حسن نصرالله، وأنا أدعو الشباب المثقَّفين العرب من كافة الأقطار، الى عقد مؤتمر عام لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه نتيجة أخطاء الأنظمة العربية على مدى تاريخها، وأن يكون نصرالله القدوة في الوحدة المجتمعية من أجل مستقبل تُصان فيه الأوطان والكرامات...