إعادة تعويم مهمة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، عبر البيان الرئاسي في مجلس الأمن الدولي.
محمد بلوط
إعادة تعويم مهمة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، عبر البيان الرئاسي في مجلس الأمن الدولي. الإنجاز ليس متواضعاً بالمقارنة مع الفراغ الديبلوماسي حول سوريا فحسب، وخاصة أن المبعوث الأممي لم يتقدم خطوة واحدة خلال عام من تكليفه، بعد فشل خطة حلب أولاً، لكنه انجاز لتقطيع الوقت، ومن دون أنياب.
البيان الرئاسي تبنّاه مجلس الأمن أمس الأول بـ14 صوتاً، ونأي فنزويلا بنفسها عن التصويت، بعد أن تدخل الروس لإقناعها بذلك، وتمرير البيان بعد طول اعتراض، خصوصا على صياغة بند «الحكومة الانتقالية». وقال ممثل كراكاس في الأمم المتحدة رفاييل راميريز إن دعم مجلس الأمن لخطة تنتهك حق سوريا في تحديد مصيرها يشكل «سابقة خطيرة جداً».
والبيان هو أقصى ما يمكن الحصول عليه للإبقاء على حضور للديبلوماسية الأممية في سوريا، وتقطيع الوقت، بانتظار أن تنضج، ربما، شروط التسويات الإقليمية، وأن تؤدي المبادرة الروسية، ومشاريع المبادرات أو الأفكار الإيرانية، وقناة الوساطة العمانية، إلى تحقيق اختراق سياسي، يمنح دي ميستورا فرصة التحرك مجدداً نحو مؤتمر «جنيف 3».
ذلك أن البيان الرئاسي، الذي صاغه الفرنسيون وضم 16 بنداً، يستعيد بشكل خاص بيان «جنيف 1»، من دون اعتبار للمتغيرات الميدانية، ولا للعامل الإرهابي المستجد الذي تحول إلى أولوية في المواجهة. كما انه لا يشكل قاعدة كافية لإطلاق عملية سياسية واضحة المعالم، ولا خريطة طريق متكاملة، باقتصاره على الدعوة إلى تأليف أربع لجان عمل مشتركة، تضم ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة، للتوصل إلى تصور وقراءة موحدة لبيان «جنيف 1»، وآليات تطبيقية لبنوده المختلفة، الذي عجزت القوى الدولية على التوافق حوله. كما أن أحدا لم يتقدم لأي روزنامة عمل واضحة، ولا مهل زمنية لعمل تلك اللجان، الذي قد يستغرق أشهراً، وربما سنوات من دون التوصل إلى نتائج. كما أن إيقاع الاجتماعات الذي لم يحدد، والذي يمكن التأكيد أنها ستنعقد في جنيف، قد لا يتجاوز الاجتماع الواحد أو الاجتماعين في الشهر الواحد.
ومع ذلك استحق البيان أن يوصف بالتاريخي من قبل مساعد المندوب الفرنسي في مجلس الأمن الكسندر لاميك، لمجرد نصه على «إقامة هيئة حاكمة انتقالية جامعة لديها الصلاحيات التنفيذية كافة، يتم تشكيلها على قاعدة التوافق المشترك، مع ضمان استمرارية المؤسسات الحكومية». وهو نص يعد مجرد إدراجه في البيان انتصاراً ديبلوماسياً بنظر باريس، التي تتمسك، رغم تهميش دورها المتواصل في الملف السوري، بقراءة «أصولية» لبيان جنيف، يسقط الرئيس بشار الأسد من حسابات أي عملية سياسية. فضلاً عن أن ما صدر عن مجلس الأمن هو بيان رئاسي، وليس قراراً ملزماً، لا يحمل أكثر من قيمة رمزية تدعم خطة المبعوث الأممي، لكي يتسنى له مواصلة مهمته.
وفي نصه تشكيل أربع فرق عمل لبحث المسائل التالية: السلامة والحماية، ومكافحة الإرهاب، والقضايا السياسية والقانونية، وإعادة الاعمار، ترسل الأمم المتحدة مبعوثها دي ميستورا، إلى محاولة النجاح في ما فشل فيه جنيف واحد واثنان، من دون منحه ما يكفي من الإمكانيات لتحقيق ذلك.
ويعاني البيان الرئاسي من انتكاسة في الولادة أصلاً. اذ سقط منه اقتراح إقامة مجموعة اتصال إقليمية، تساعد دي ميستورا في تسهيل أعمال اللجان المشتركة، التي سيباشر تأليفها، عند عودته من إجازته مطلع الشهر المقبل. إذ اعترض الأتراك على مشاركة مصر في مجموعة الاتصال، كما اعترضت السعودية على دور لإيران في المجموعة. وكان للمجموعة الرباعية الإقليمية، المؤلفة من مصر وتركيا وإيران والسعودية، أن تشكل مظلة لعمل اللجان المشتركة، وان تقوم بالضغط على «حلفائها» السوريين، لتقريب وجهات النظر، وتشجيع التوافق الإقليمي على الحل السياسي، واختبار الإسهام المصري للمرة الأولى في العملية السياسية، فضلاً عن اختبار الإيرانيين وقدرتهم على الإسهام في حل سياسي في سوريا.
ومن دون غطاء إقليمي لعمل اللجان، سيترك السوريون وحدهم لترتيب أمورهم، من دون أن تكون هناك سابقة واحدة مشجعة، تقول بقدرتهم على تجاوز خلافاتهم من دون تدخل القوى الإقليمية ديبلوماسياً في الغرف المجاورة لقاعات الاجتماع. وسيقع على عاتق فريق دي ميستورا عبء التوسط بين ممثلي المعارضة والحكومة السورية في تكرار لفشل معلن، كما في جنيف. وكما أن عمل اللجان يفتح مساراً سياسياً على قاعدة جنيف لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى انعقاد مؤتمر «جنيف 3».
وبفرض توصل الديبلوماسي الدولي، وفريقه خصوصاً، إلى وضع لوائح بأسماء المعارضين السوريين، قد تصل إلى 80 إسماً، ينبغي تجاوز عقدة «الائتلاف الوطني» ونزعة الهيمنة التي يعاني منها. إذ لا يزال «الائتلافيون» يلوحون بأعلام 112 دولة، اعترفت بهم من دون غيرهم ممثلين اوحدين للشعب السوري، من مقرهم الاسطنبولي، ولا تزال تصريحاتهم، كالأخيرة عن انفرادهم بالذهاب إلى موسكو مؤخرا، تعبر عن نزعة إزاحة الآخرين عن أي تمثيل في أي مؤتمر حول سوريا. كما أن «الائتلاف» ينقسم بين تيارات متعددة حول مسألة لجان العمل المشتركة. وسيكون التوافق أسهل مع لجنة متابعة مؤتمر القاهرة، التي تعتبر نفسها عرّابة فكرة لجان العمل المشتركة، ولجنة مؤتمر الأستانة التي تستعد لملاقاة خطة دي ميستورا بمؤتمر أوسع وأكبر في أيلول المقبل، بالإضافة إلى العسكريين والمستقلين.
وسيكون صعباً الحصول على لائحة مماثلة من الحكومة السورية التي لم تعلن موقفها حتى الآن، بانتظار أن يصل مساعد المبعوث الأممي إلى دمشق رمزي عز الدين، للحصول على جواب واضح.
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه