22-11-2024 11:43 AM بتوقيت القدس المحتلة

«الأنصار» السوريّون: تربة «الربيع الجهادي» وحاضنة «المهاجرين»

«الأنصار» السوريّون: تربة «الربيع الجهادي» وحاضنة «المهاجرين»

حظيت التنظيمات «الجهاديّة» في المشهد السوري بنصيب وافر من الأضواء الإعلاميّة، لكنّ القسم الأكبر منها اجتذبته ظاهرة «المهاجرين» («الجهاديون» من خارج سوريا).


صهيب عنجريني

حظيت التنظيمات «الجهاديّة» في المشهد السوري بنصيب وافر من الأضواء الإعلاميّة، لكنّ القسم الأكبر منها اجتذبته ظاهرة «المهاجرين» («الجهاديون» من خارج سوريا). ورغم أنّ هؤلاء لا يزالون يلعبون دوراً مؤثّراً في الحرب، غيرَ أنّ لـ«الأنصار» (الجهاديّون السوريّون) دوراً لا يقلّ أهميّة في استمرار تلك التنظيمات.

فرض العنصر «الجهادي» نفسه بقوّة في المعادلة السورية، إلى درجة سيطرته على النسبة العُظمى من الأراضي الخارجة عن سيطرة الدولة. فرغم اختلاف «أجندات» الجماعات المسيطرة وأولوياتها، غير أنّ الحامل «الجهادي» هو الأساس فيها، من «داعش» إلى «جبهة النصرة» و«جيش الفتح»، مروراً بـ«جيش الإسلام» و«حركة أحرار الشام الإسلاميّة». وإذا كان «المهاجرون» يمثلون «بيضة القبّان» في معظم «الغزوات»، فإنّ عديد «الأنصار» هو العمود الفقري للتنظيمات «الجهاديّة».

ويدلّل على ذلك أنّ صعود القوّة «الجهاديّة» قد تناسب طرداً مع ازدياد أعداد المنتسبين السوريين. كما أنّ «الأنصار» شكّلوا بيئة حاضنة لـ«المهاجرين» الذين «نفروا لنصرة إخوانهم» وأخذوا على عاتقهم نقل خبراتهم القتاليّة إليهم.

السوريّون والفكر «الجهادي»
لا يُعتبر الفكر «الجهادي» غريباً كُليّاً عن الساحة السوريّة. فرغم الاختلافات «الفكريّة» بين تيار «السلفيّة الجهاديّة» وجماعة الإخوان المسلمين، غير أنّ الأخيرة لعبت دوراً تاريخيّاً في تعريف المجتمع السوري بفكرة «الجهاد»، سواء عبر التنظيم الأم بشكل مباشر أو عبر الذراع التي انبثقت عنه «تنظيم الطليعة المقاتلة» (الذي زاوجَ بين الانتماء لـ«الجماعة» وبين «السلفيّة الجهاديّة»). وإليهما يرجع جزء كبير من «الفضل» في تصدير شخصيّات «جهاديّة» معروفة، لعبت أدواراً مؤثرة في «المشهد الجهادي العالمي» وشغلت مناصب قيادية داخل كثير من تنظيماته (أبو مصعب السوري على سبيل المثال). الأجهزة السوريّة بدورها لم تتوانَ عن الاستثمار في الميدان «الجهادي»، وغض النظر عن ظواهر أسهمَت في تكريسه داخل المجتمع السوري حين اقتضت اللعبة ذلك. ولعلّ أشهر الأمثلة في هذا المضمار كان الشيخ أبو القعقاع (محمود غول أغاسي) الذي اضطلع بدور أساسيّ في تجنيد «المجاهدين» السوريين وإرسالهم إلى العراق، واغتيل في حلب في شهر أيلول 2007 (كانت نسبة المهاجرين السوريين إلى العراق بين 10 و13% وفقاً للمصادر الجهاديّة).

«الرّبيع الجهادي»
مثّلت بدايات الحدث السوري فرصةً سانحةً لازدهار «المشروع الجهادي في الشام». عزّز ذلك أن التجييش الإعلامي الذي أسهم بقوّة في تأجيج الشارع وجّه خطابَه وفق «بوصلة» طائفيّة، وهي بوصلةٌ أثيرةٌ لدى أصحاب الفكر «الجهادي». وبالتزامن مع تنامي العنف وعسكرة المشهد تدريجاً، كان «الإخوان» والسلفيّون قد سجلوا نشاطاً مكثّفاً في تهريب وتخزين الأسلحة عبر البوابتين اللبنانية والأردنيّة أوّل الأمر (قبل أن تهيمن البوابة التركيّة).

وإذا كان إطلاق سراح عدد من «الجهاديين» من السجون السوريّة قد أثّر في تكريس «عقيدة الجهاد»، فإنّ دور هؤلاء ما كان ليكتملَ لولا أنّهم لعبوا في مُناخات مُهيّأة فكريّاً واقتصادياً واجتماعيّاً، الأمر الذي ينطبق على «الجهاديين» السوريين العائدين من «هجراتهم»، ومن هؤلاء على سبيل المثال أبو محمد الجولاني مؤسس وزعيم «جبهة النصرة، تنظيم القاعدة في بلاد الشام».

«الروافد» وعوامل الاستمرار
لم يكن تنامي القوّة «الجهاديّة» ممكناً لو انعدمت «الروافد» البشريّة المحليّة. وهو أمر تنبّهت إليه التنظيمات والجهات الداعمة لها، وخاصةً مع استمرار الحرب وانعدام ملامح حسمها. خروج بعض المناطق والمدن عن سيطرة الدولة السوريّة كان عاملاً أساسيّاً من عوامل اجتذاب المنتسبين الجدد، حيث شكّل الفراغ مساحةً مناسبةً لتحرك «الدعاة» و«الشرعيين». وبالإفادة من التمويل الكبير الذي حظيت به التنظيمات (الخليجي بشكل عام، وخاصةً القطري، والسعودي، والكويتي غير الرسمي، وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي كما في حالة «داعش»). لم يكتفِ «الدعاة» بمنابر المساجد، بل ابتكروا وسائل تتيح لهم انتشاراً أكبر، مثل «الخيم والملتقيات الدعوية» (سُجل أكبر نشاط لها في ريفي حلب وإدلب). وتوزيع «المطويّات الدعوية» وكُتيّبات «فقه الجهاد» مع السلل الإغاثية أول الأمر، ثم بشكل مستقل (نشطت تحديداً في ريف دمشق والمناطق المحاذية للقلمون)، وصولاً إلى انتهاج سياسة «التجنيد الإجباري» في بعض المناطق (جيش الإسلام في الغوطة، وداعش في الرقّة).

«الأنصار» في موازين القوى
بات «الأنصار» يشكلون تيّاراً قائماً في حدّ ذاته داخل «جبهة النصرة». وهو تيّار يطمح كثيرٌ من مُنظّريه إلى خلق حالة «جهاديّة» سوريّة شبيهة بتجربة «حركة طالبان»، تحافظ على نهجها «الجهادي» مع التخفّف من ثِقل الارتباط بتنظيم «القاعدة». وقد اصطُلِح على تسمية أصحاب هذا التوجّه «القُطريين». كذلك؛ لعب «الأنصار» دوراً أساسيّاً في «تمدّد» تنظيم «الدولة الإسلاميّة» داخل سوريا، قبل أن ينحسرَ الدور في العام الأخير نتيجةَ تضافر عوامل عدّة، منها ما يتصل بتغير «استراتيجيّات» التنظيم، ومنها ما يتّصل بالشرخ الكبير الذي حصل بين «داعش» وسكّان المناطق التي احتلّها في سوريا بعد استتباب سيطرته واستحكام قبضته «الأمنيّة الجهاديّة» فيها. علاوةً على ذلك، ثمّة جماعات مقاتلة سوريّة الصبغة، تتبنّى العقيدة «الجهاديّة» (السلفيّة بشكل خاص) من دون وجود «مهاجرين» في صفوفها، وأبرز أمثلتها «جيش الإسلام». فيما يطغى العنصر السوري على مجموعات أخرى مع وجودٍ محدود لـ«المهاجرين» كما هي الحال مع «حركة أحرار الشام الإسلاميّة»، و«ألوية صقور الشام» التي اندمجت في آذار الماضي اندماجاً كليّاً بالأولى.

www.al-akhbar.com

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه