لم يكن ينقص حكومة الرئيس تمام سلام إلا تأجيل جديد لنتائج مناقصات النفايات.
النفايات... بانتظار «الطبخة» السياسية
بسام القنطار
لم يكن ينقص حكومة الرئيس تمام سلام إلا تأجيل جديد لنتائج مناقصات النفايات. الحكومة الغارقة في فشلها في مختلف الملفات، تبين لها أن اللجنة المكلفة درس العروض المقدمة في المناقصات التي أطلقها مجلس الإنماء والإعمار، قد خالفت دفتر الشروط ولم تلزّم الدراسة التقنية للعروض لاستشاريين دوليين في الحد الأدنى، فتقرر تأجيل فضّ الأسعار إلى يوم الثلاثاء المقبل.
غصّت قاعة الانتظار في مكتب رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر بالصحافيين وممثلي الشركات المتقدمة إلى مناقصات النفايات في مختلف المناطق اللبنانية. وحده العارض جهاد العرب استقبل بحفاوة غير مسبوقة، عند دخوله إلى مكتب الجسر. الخطوة لم تعجب منافسه رياض الأسعد الذي قرر المغادرة احتجاجاً على الإهانة التي «لا تحتمل» يقول الأسعد لـ»الأخبار»: «بدن يتقاسموا الجبنة فهمنا، بس مش بهل الطريقة».
وفيما كان الجميع ينتظرون تصاعد الدخان الأبيض من الغرفة التي ضمت أعضاء اللجنة المكلفة درس العروض والمؤلفة من: وزراء البيئة محمد المشنوق والداخلية نهاد المشنوق والمال علي حسن خليل والتنمية الإدارية نبيل دو فريج والأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليلفل ورئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، تبين بعد أكثر من ساعتين انتظار أن دخان سيجار نهاد المشنوق هو الوحيد الذي عبق في المكان! فبعد مراجعة الوزراء لخلاصة التقارير الفنية التي تعتبر مؤهلة لكل شركة لفتح عروض أسعارها، لوحظ أن العديد من الملفات قد درسها استشاري واحد، الأمر الذي يخالف بشكل مفضوح دفتر الشروط.
وبحسب معلومات «الأخبار»، أصر كل من الوزيرين محمد ونهاد المشنوق، على أن هذه المسألة تفصيلية، خصوصاً أن الشركات قد تقدمت في أكثر من منطقة، وأن ملفاتها درست في منطقة من قبل استشاريين وفي منطقة أخرى من قبل استشاري واحد، أصر الوزير خليل على موقفه، خصوصاً أن طبيعة الائتلافات مع الشركات الأجنبية تختلف بين منطقة وأخرى. كذلك، إن تقنيات التخلص من النفايات متروكة للمتعهد، وبالتالي يمكن أن تكون التقنية مختلفة بين منطقة وأخرى، لذلك طلب خليل أن يُدرَس كل عرض من العروض الـ 17 المقدمة في ست مناطق لبنانية من قبل استشاريَّين في الحد الأدنى. وانتهى الاجتماع على هذا القرار، على أن يتم ذلك في غضون هذا الأسبوع وبشكل مكثّف، وبالتالي يؤجَّل اجتماع فضّ عروض الأسعار إلى يوم الثلاثاء المقبل.
بعد الاجتماع، عقد وزير البيئة مؤتمراً صحافياً اعتذر فيه عن التأخير، مشيراً إلى أنه «تبين للجنة الوزارية من خلال التقويم الدقيق أن هناك حاجة لوجود أكثر من تقرير يتعلق في كل منطقة خدماتية، أي إن الاستشاريين الدوليين الذين قاموا بأعمالهم قد قوّموا مناطق أحياناً بصورة مزدوجة، وأحياناً بصورة منفردة، ووجدنا من الضروري أن يتم العمل بشكل منسّق، أي أن يكون لكل منطقة أكثر من تقويم. فهناك منطقة مثلاً خضعت لتقويم من 3 استشاريين، ووجدنا أن هناك مناطق خضعت لاستشاريَّين ومناطق خضعت لاستشاري واحد. طبعاً مثل هذه الأمور لا يجوز أن تحصل، ويجب استكمال هذه النقطة من خلال تعميم هذه التغطية الكاملة من استشاريين على حد أقل، ولذلك نحن مضطرون اليوم إلى تأجيل فض العروض المالية الى حين انتاج هذه الدراسة التي ستأخذ معنا بضعة ايام».
لماذا خضعت مناطق لدراسة مكثفة دون مناطق اخرى؟ الاجابة عن هذا السؤال تعيدنا الى تسلسل اجراء المناقصات نفسها. فالمناقصة الاولى اغلقت في 26 ايار الماضي، ولم يتقدم عارضان الا في المنطقة الخدماتية الثانية التي تضم المتن وكسروان وجبيل، فتقرر اعادة اطلاق مناقصة جديدة لبقية المناطق، بالتزامن مع تكليف الاستشاري الألماني Fichtner البدء بدراسة الملفات التقنية لثلاثة ائتلافات لشركات اجنبية ومحلية تقدمت الى هذه المنطقة، وهي: ائتلاف شركات «لافاجيت ــ بتكو، خوري، Daneco Impianti الايطالية»، وائتلاف شركات «بيوتيك، إندفكو، Pizzorno الفرنسية»، وائتلاف شركتي «آراكو وSoriko البلغارية». وبالتزامن مع اعلان نتائج الدورة الثانية من المناقصات في 13 تموز الماضي، والتي افضت الى تقدم 11 شركة الى اربع مناطق باستثناء بيروت، تقرر تكليف الاستشاري الدانماركي Ramboll (يتولى حالياً اعداد دفتر الشروط الخاص بمناقصة المحارق) المشاركة في التقويم التقني للملفات. وبحسب معلومات «الأخبار» قرر مجلس الإنماء والإعمار، ودون العودة الى اللجنة الوزارية، الاستغناء عن خدمات الاستشاري الالماني Fichtner (بسبب غلاء سعره) والتعاقد مع الاستشاري «ايغيب» الالماني ايضاً! حيث بدأ بدراسة ملفات الشركات. وحين أعلن في 7 آب الجاري نتائج الدورة الثالثة من المناقصات التي افضت الى تقدم ثلاثة عارضين لمناقصة بيروت والضاحيتين، كانت اللجنة الوزارية تضغط باتجاه اعلان نتائج الملفين الاداري والتقني، في اسرع وقت ممكن، تمهيداً لعقد جلسة فض عروض الاسعار واعلان الفائزين. ويؤكد صاحب شركة الجنوب للإعمار رياض الاسعد الذي تقدم إلى مناقصة الشوف وعاليه وبعبدا، ولاحقاً تقدم الى مناقصة بيروت والضاحيتين، أن الاسئلة التي وردته من الاستشاري Fichtner عن عرض منطقة الشوف كانت احترافية وتضمنت اسئلة تقنية مهمة تبين عن مهنية عالية، لكنه تفاجأ بأنه في المقابل وردت اليه ملاحظات شكلية في ما يتعلق بالعرض الذي تقدم به الى مناقصة بيروت، علماً أنه تقدم بملف تقني في بيروت مشابه تماماً للملف الذي قدمه في الشوف. وبذلك تطرح خطوة التخلي عن خدمات الاستشاري الالماني Fichtner اسئلة عديدة عن الاسباب والدوافع، التي بالتأكيد تتجاوز «سعره المرتفع».
هل تزامن التأجيل التقني لفض العروض مع ازمة سياسية تعرقل اعلان اسماء الفائزين في مختلف المناطق؟ الاجابة عن هذا السؤال تحتاج الى تقصٍّ دقيق لصحة ما اشيع من أن ائتلاف شركات «لافاجيت ــ بتكو، خوري، Danico الايطالية» هو الاوفر حظاً (من الناحية السياسية) للفوز بمناقصتي بيروت والضاحيتين والشمال وعكار. ويرأس هذا الائتلاف المهندس انطوان ازعور شقيق وزير المال الاسبق والعضو في كتلة المستقبل جهاد ازعور.
التجربة الوحيدة التي خاضتها شركة «لافاجيت ــ بتكو» التي يرأسها أزعور هي معالجة وادارة مكب طرابلس العشوائي، وهي تجربة لا تبشر بالخير. فقد اكتفت الشركة بإنشاء حائط دعم لدفن المزيد من النفايات ولا تملك تجرية ناجحة في معالجة النفايات والتخفيف منها قبل رميها. لكن الشركة تقول انها تملك تجربة في معالجة النفايات في إحدى الدولة الخليجية، كذلك فإنها تستند الى الشراكة مع Daneco Impianti الايطالية. لكن ماذا عن جهاد العرب الذي تقدم الى المناقصات في جميع المناطق باستثناء بيروت والشوف، والى أي جهة من قالب الجبنة سيتجه؟ المعلومات ترجّح أن عينه على منطقة الشمال والبقاع وينافس بجدية في كسروان والمتن وجبيل، وأنه سيكون حكماً شريكاً من الباطن لأي من الفائزين في بيروت. وفيما يزدحم اربعة عارضين في الجنوب، لم يعرف بعد على من سترسو البورصة السياسية، علماً بأن العارضين من «اهل البيت الواحد» كثر! اما في الشوف وعاليه وبعبدا، فلا تزال الرؤية ضبابية، والنائب وليد جنبلاط ابلغ من راجعه انه لم يجد في اي من العارضين الخبرة الكافية لتولي هذا الملف. وفي مقابل تفاؤل البعض بأن لا عودة عن هذه المناقصات، لا تزال العديد من الاطراف السياسية تسرب أن مناقصات بيروت وجبل لبنان ستفشل او تفشّل. وفي كلتا الحالتين سيكون ذلك عودة الى النقطة الصفر.
وبالتزامن مع بورصة المناقصات التي لم يعرف متى ستنتهي، لا تزال ازمة تصريف النفايات من معملي الكرنتينا والعمروسية في ذروتها. وزير الصحة وائل ابو فاعور تمنى على الرئيس تمام سلام عدم استخدام العقار الملاصق لمرفأ بيروت، والعين باتت تتجه الى منطقة الردم في البيال، خصوصاً مع تعثر المفاوضات لنقل النفايات الى عكار واحتمال اصابتها بانتكاسة جديدة. اما خيار الترحيل إلى خارج لبنان، فبات بدوره خارج التداول. وفي حال فشل الانتقال من المكب الحالي في الكرنتينا الى أي مكان آخر، فمن المرجح عودة تكدس النفايات في بيروت في غضون الـ 24 ساعة المقبلة، علماً بأنّ العديد من المناطق الساحلية والجبلية في محافظة جبل لبنان، لا تزال النفايات متكدسة فيها منذ 17 تموز الماضي، وغالبية البلديات التي اوجدت حلاً لنفايتها، كانت تلك التي تستهل مخالفة القانون، والذائعة الصيت في مكبات الاتربة العشوائية. وهي لم تجد حرجاً في استكمال رمي النفايات في هذه المكبات او في الأحراج.
http://al-akhbar.com/node/240398
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه