فوجئ كثيرون بهذه الانعطافة السعودية بشأن قبولها البحث في التوصل إلى حلول سلمية لقضايا المنطقة، وخاصة في الشأن السوري، حيث تردّدت أنباء مؤخراً عن لقاءات جرت بين اللواء علي مملوك والأمير محمد بن سلمان.
طلال ياسر
فوجئ كثيرون بهذه الانعطافة السعودية بشأن قبولها البحث في التوصل إلى حلول سلمية لقضايا المنطقة، وخاصة في الشأن السوري، حيث تردّدت أنباء مؤخراً عن لقاءات جرت بين اللواء علي مملوك والأمير محمد بن سلمان.
وبصرف النظر عمّا إذا كان هذا اللقاء قد تمّ أم لا، فإن هذا الأمر يشير إلى تطوّرات دراماتيكية حدثت في الموقف السعودي من الأزمة في سورية، فهل ذلك نابع من رغبة سعودية في إيجاد حلّ سلمي للأزمة فيها، أم أن هناك أسباباً أخرى قاهرة أجبرت آل سعود على التفاوض مع سورية على هذا المستوى، وكيف نفسّر في هذا السياق الموقف الأخير الذي أطلقه وزير الخارجية السعودي في موسكو، والردّ الروسي القوي والمباشر عليه عبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف؟.
إن المتتبّع للتصريحات السعودية إزاء سورية منذ بداية الأزمة السورية قبل نحو أربع سنوات ونيف، يستغرب حقيقة هذا الانحراف السعودي المفاجئ نحو اجتراح الحلول، وهي الدولة التي راهنت كثيراً على قدرتها على عزل القيادة السورية وتدمير سورية جيشاً وشعباً، ولم تدّخر جهداً على كل الصعد للوصول إلى هذه الغاية، فما الذي دفع آل سعود إلى التفاوض مع السوريين كـ"شرّ لا بدّ منه" حسب ظنّهم؟.
يعلم جميع المراقبين السياسيين والعسكريين أن السعودية منذ بداية الأزمة عملت بكل الوسائل على عسكرتها، وحشدت كل الإمكانات المالية والإعلامية والعسكرية وحتى "الدعوية" في سبيل تجنيد مقاتلين وإرسالهم إلى سورية، وقد شاركت في مجموعة من البرامج تحت رعاية الاستخبارات الأمريكية لتجنيد مقاتلين وتدريبهم وتسليحهم وتمويلهم لإرسالهم إلى سورية، وغضّت النظر بشكل متعمّد عن آلاف الشباب السعوديين الذين سافروا إلى دول أوروبية وتمّ نقلهم برعاية المخابرات المركزية الأمريكية إلى تركيا، ومنها عبر الاستخبارات التركية إلى الداخل السوري ليتمّ توزيعهم لاحقاً على المجموعات الإرهابية الموجودة في الداخل السوري.
والآن بعد أن تبيّن للعالم أجمع أن الاستثمار في الإرهاب لا يمكن أن يؤدّي حقيقة إلى النتائج المبتغاة منه، ولا يمكن أصلاً لأيّ جهة مهما كانت خبرتها في هذا المجال أن تسيطر على هذه الجماعات الإرهابية بعد أن تمكّنت الأخيرة من الحصول على موارد مادية تمكّنها من الاستغناء عن المموّل الذي ظنّ في وقت من الأوقات أنه أصبح ربّ نعمة هذه الجماعات، وأنها في النهاية ستدين له بالولاء وتنفّذ كل طموحاته، يبدو أن السحر انقلب على الساحر حيث استشعرت الدول الأوروبية الخطر المتأتي من عودة هؤلاء المقاتلين إلى البلد المصدّر لهم بعد أن اكتسبوا خبرات كبيرة في القتال، فراحت تفتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية للحصول على معلومات حول مواطنين أوروبيين جاؤوا إلى سورية بدعوى الجهاد خوفاً من عودة هؤلاء إلى البلد الأم واستخدام مهاراتهم الإرهابية فيها، وهذا بالتحديد ما يمكن أن ينطبق على الهدف الكامن وراء عودة السعودية إلى البحث في سبل حلّ الأزمات في المنطقة وخاصة السورية، وذلك أن أجهزة الأمن السورية بحكم حربها الطويلة على هذه الجماعات اكتسبت خبرة واسعة في التعامل معها، وشكّلت بنكاً كبيراً من المعلومات حول شبكات الإرهاب الدولي التي يبدو أن سورية باتت الآن بحكم ما دبّر لها من مؤامرة تحتضن أخطرها، وبالتالي فإن على آل سعود وغيرهم من حكام المنطقة الذين تآمروا على سورية أن يأتوا صاغرين إلى دمشق للحصول على معلومات حول إرهابييهم الذين أرسلوهم إلى سورية، وخاصة أن هؤلاء انقطعت أخبارهم تماماً عن بلدهم الأم، ولم يعُد ممكناً بالمطلق التأكد من أنهم قد قضي عليهم في سورية أم سقطوا بأيدي أجهزة الأمن، أم لا يزالون يقاتلون ضمن مجموعات إرهابية في سورية.
فإذا كان هؤلاء قد قتلوا في معارك سورية فهذا جيد بالنسبة لآل سعود، أما أن يكونوا لا يزالون أحياء فإن ذلك سيشكل مصدر رعب حقيقياً لهم وخاصة أنه تبيّن لأجهزة الأمن السعودية وغيرها في المنطقة أن العمليات الإرهابية التي تتم في بلادهم إنما تُدار من أشخاص يقاتلون في سورية، وهذا ما يجعل السيطرة على هذه المجموعات أو كشفها ضرباً من المستحيل في غياب التنسيق مع أجهزة الأمن السورية، ومن هنا يتبيّن ربّما السبب الحقيقي وراء سعي آل سعود المحموم الآن إلى الحل في سورية بعد أن كانوا أشدّ الناس عداوة لها وأكبر مموّل ومحرّض على الحرب فيها، وما تصريحات وزير الخارجية السعودي الأخيرة حول شرعية الرئيس السوري بشار الأسد إلا للتغطية على الفشل السعودي في الانتصار على سورية، وعلى الرعب الذي ينتاب مملكة آل سعود من ارتداد الإرهاب الذي صدّرته إلى سورية إليها بعد أن فقدت كل إمكانية للسيطرة عليه، والشواهد على ذلك تظهر تباعاً ولا تحتاج السلطات السعودية إلى كثير عناء حتى تتأكد من ذلك، وعندها لن ينفعها كل التعتيم الذي تمارسه على نشاط الجماعات الإرهابية في الداخل السعودي، لأن الأمر قد خرج عن السيطرة ولات ساعة مندم.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه