تشكيل «جيش نظامي».. ضمن المحور التركي ـ القطري
عبد الله سليمان علي
تسير «حركة أحرار الشام الإسلامية» بخطى حثيثة نحو إحداث تغييرات جوهرية في هيكليتها وارتباطاتها، بالتزامن مع الانعطافة السياسية التي قامت بها مؤخراً، تجاه الدول الغربية والولايات المتحدة، حيث أعلنت في بيانين منفصلين نيتها تشكيل ما أسمته «جيشاً نظامياً»، ونفت وجود أي علاقة تنظيمية لها مع تنظيم «القاعدة»، فيما أكدت استمرار اصطفافها ضمن المحور القطري التركي، في وقت ظهرت فيه بوادر خلاف داخل صفوف الحركة حول المنطقة العازلة التركية.
وأعلنت الحركة في تعميم صدر، امس، نيتها «إعادة هيكلة الجناح العسكري ليكون نواة جيش نظامي، وبدء تشكيل القوة المركزية النظامية» تحت مسمى «صقور الشام». ودعت من تتوافر فيهم الشروط للانتساب إلى الجيش الجديد.
وكان لافتاً أن يكون من بين الشروط التي ذكرها التعميم «التفرغ كلياً للعمل في القوة المركزية والالتزام بالعمل في أي منطقة تقتضيها مصلحة الجهاد»، حيث فسّر البعض الشرط الأخير بوجود رفض داخل الحركة للقتال على بعض الجبهات، خصوصاً الجبهات الساخنة مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال حلب.
وتعهدت الحركة بمنح المنتسب راتباً شهرياً مقداره 150 دولاراً أميركياً مع تأمين عائلته من مواد الإغاثة.
من جهة ثانية، وبعد أيام فقط من تصريح المتحدث الرسمي باسم «الخارجية الأميركية» جون كيربي بشأن قلق واشنطن من ارتباطات «حركة أحرار الشام» مع جماعات متشددة، أصدرت الحركة في استجابة سريعة بياناً، أمس، تعلن فيه صراحة أنه «ليس لها علاقة تنظيمية بأي أطراف خارجية بما فيها تنظيم القاعدة».
وليست هذه المرة الأولى التي تنفي فيها الحركة عدم وجود ارتباط تنظمي بينها وبين «القاعدة»، فقد سبق لمسؤول العلاقات الخارجية لبيب النحاس أن أكد ذلك في مقالته المنشورة في صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية، الشهر الماضي. ولكن أهمية النفي الجديد تكمن في أنه صدر عن «القيادة العامة» للحركة، ما تنتفي معه إمكانية أن يكون الكلام الذي صدر عن النحاس من قبيل توزيع الأدوار ضمن الحركة، كما حاول البعض أن يقول.
وبالرغم من أن البيان صدر تحت عنوان «بيان توضيحي حول مواقف حركة أحرار الشام»، الأمر الذي يوحي بأنه سيتضمن مواقف جديدة تجاه بعض القضايا المطروحة في الساحة السورية، إلا أنه جاء مكرراً لمواقف صدرت عن الحركة سابقاً، ولم يتضمن أي موقف جديد.
ويمكن بسهولة ملاحظة أن البيان يكاد يكون صورة طبق الأصل عن «ميثاق الشرف الثوري» الذي وقّعته الحركة بمشاركة فصائل أخرى في شهر أيار من العام الماضي وأثار في حينه الكثير من الجدل حول مضمونه ودلالاته، ولقي اعتراضاً حادّاً من قبل بعض قادة «جبهة النصرة»، وعلى رأسهم مسؤولها الشرعي سامي العريدي، أردني الجنسية.
وأكد البيان أن «أحرار الشام» هي «حركة سورية وبناؤها الأساسي يعتمد على أبناء الشعب السوري» وأنها «تسعى من خلال عملياتها العسكرية والسياسية إلى تمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بما ينسجم مع تاريخه وهويته الإسلامية ونسيجه الاجتماعي» مؤكدةً أن «أهداف الثورة هي إسقاط النظام بكل رموزه وأركانه وتعتبر مؤسسات الدولة ملكًا للشعب السوري». ولم تتطرق الحركة إلى بعض القضايا ذات الحساسية، خاصةً تلك التي تتعلق بشكل الدولة التي تريد إقامتها، لا سيما أن ميثاقها الذي أحالت إليه يتحدث عن «تمكين الدين من الفرد والمجتمع والدولة». وكذلك تلك المتعلقة بمصير المقاتلين الأجانب في صفوفها والذين تبلغ أعدادهم المئات ويحتل بعضهم مناصب قيادية عليا في الحركة كـ «أمراء شرعيين»، ومؤخراً وقّع عدد من هؤلاء على بيان ضد من أسموهم «جماعة البغدادي».
وحتى نفي الحركة وجود علاقة تنظيمية مع «القاعدة»، يبدو ملتبساً وغير واضح، لأن النفي جاء بخصوص «العلاقة التنظيمية» أي البيعة، وهذا أمر معروف بأنه ليس هناك بيعة بينها وبين قيادة «القاعدة». فماذا عن العلاقات الأخرى، ولا سيما التحالفات العسكرية القوية مع «جبهة النصرة» (فرع القاعدة في الشام)؟ هل ستستمر الحركة في هذه التحالفات التي تجسدت مؤخراً بتشكيل «جيش الفتح في إدلب» ودرعا والقلمون، وبتشكيل «غرفة عمليات أنصار الشريعة في حلب»؟ أم أن البيان من قبيل السياسة الشرعية التي تجيز نفي العلاقة علناً مع الاستمرار بها سراً؟ وما علاقة إعادة هيكلة الجناح العسكري بهذا النفي، فهل يمكن أن تكون خطوة أولى نحو انفراد الحركة بجيش خاص بها بعيداً عن «جبهة النصرة»؟ والسؤال الأهم هل ستعتبر واشنطن أن الحركة نفذت شرطها بفك الارتباط مع الجماعات المتشددة وتمتنع عن تصنيفها كتنظيم إرهابي تمهيداً لتنسيق ما بينهما؟
لكن النقطة الأهم في البيان، والتي قد تبدو تفصيلية، تأكيده أن «مواقف الحركة تؤخذ من بياناتها الرسمية وكل ما يصدر من مواقف وتصريحات فردية يعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل الحركة» لأن في ذلك إشارة إلى ما أشيع خلال الأسبوع الماضي من وجود خلافات ضمن صفوف الحركة حول الموقف من المنطقة العازلة التركية.
وقيل إن الأمير الشرعي العام في «أحرار الشام» أبو محمد الصادق يقود تياراً رافضاً للخطوة التركية، ويحرّض بعض قادة الحركة على الاعتراض عليها، وذلك برغم صدور موقف رسمي عن الجناح السياسي في الحركة بتأييد المنطقة العازلة واعتبارها تخدم مصالح الشعب السوري. فأراد البيان الإيحاء بأن الجدل حول هذه المسألة قد حسم لمصلحة الجناح السياسي. إلا أن المعطيات المتوافرة تؤكد أن الخلاف داخل الحركة ما زال مستمراً، وثمة توقعات بأن تكون الاستخبارات السعودية هي من تقف وراء تأجيجه نظراً للعلاقة القوية التي تربط أبو محمد الصادق مع هذه الاستخبارات منذ العام 2004 حيث كلفته بتشكيل تنظيم متطرف فوق الأراضي السورية بالاشتراك مع قريبه حسن صوفان، فألقي القبض عليه من قبل السلطات السورية نتيجة ذلك. وما يعزز من ذلك أن البيان الذي شكر كلاً من تركيا وقطر امتنع عن ذكر السعودية، علماً أنه سبق للحركة أن أيّدت عاصفة الحزم التي تقودها الرياض ضد اليمن.
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه