أعلن رئيس المجلس الدستوري التونسي شغور منصب رئيس الجمهورية نهائيا. وأضاف أن رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع سيتولى مهام الرئاسة مؤقتا وفقا للمادة 57 من دستور البلاد لمدة أقصاها ستون يوما تجري خلالها انتخ
أعلن رئيس المجلس الدستوري التونسي شغور منصب رئيس الجمهورية نهائيا. وأضاف أن رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع سيتولى مهام الرئاسة مؤقتا وفقا للمادة 57 من دستور البلاد لمدة أقصاها ستون يوما تجري خلالها انتخابات. وكان الوزير الأول (رئيس الوزراء) بتونس محمد الغنوشي الذي أعلن نفسه رئيسا مؤقتا, قد أعلن عن مشاورات مع ممثلي الأحزاب والهيئات الوطنية السبت للخروج من الأزمة السياسية الراهنة ولتشكيل حكومة انتقالية، لكن أوساطا معارضة شككت في شرعية الرئيس المؤقت واتهمته بمحاولة الالتفاف على الحركة الاحتجاجية.
الشارع يطالب برحيل الغنوشي
من جهته بدأ الشارع منذ الليلة الماضية التحرك مطالبا برحيل الغنوشي مع مسؤولين آخرين من نظام بن علي. فبعد ساعات من إعلانه تولي الرئاسة المؤقتة بمقتضى ما قال إنه "تفويض" من الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ذكر محمد الغنوشي أنه سيجتمع السبت مع ممثلين للأحزاب السياسية لتشكيل حكومة، ووجه نداءً للقوى السياسية لبدء محادثات عاجلة. وأضاف في تصريحات صحفية أن يوم السبت سيكون "حاسما". وأبدى أمله في أن تفي الحكومة "الائتلافية" المحتملة بما هو متوقع منها لمواجهة الوضع عقب مغادرة بن علي البلاد تحت ضغط انتفاضة شعبية عارمة بدأت قبل نحو شهر.
هدوء حذر يخرقه انباء عن عشرات القتلى في حريق سجن
في غضون ذلك ساد هدوء حذر وغموض العاصمة التونسية صباح السبت فيما لوحظ انتشار امني كثيف، في حين تحدثت أبناء عن استمرار موجة الانفلات الأمني في عدة مناطق تونسية. وأشار إلى أن سجن المرناغية في ضواحي العاصمة قد شهد مواجهات وأعمال عنف، كذلك الأمر في سجن المونستير في مدينة بورقيبة. وقال ثلاثة من شهود العيان لرويترز في حديث هاتفي السبت ان عشرات السجناء قتلوا في فرار جماعي من سجن في بلدة المهدية التونسية. وقال شاهد عيان يدعى عماد ويقيم على بعد 200 متر من السجن "حاولوا الفرار وأطلقت الشرطة النيران عليهم. الان هناك عشرات القتلى وفر الجميع." وأضاف أن السجن في المهدية جنوب تونس العاصمة كان يضم 1200 سجين. وقال شاهدا عيان اخران أيضا ان عشرات القتلى سقطوا أثناء الفرار من السجن. كما استهدفت أعمال العنف بعض الأملاك التي ترتبط بعائلة الرئيسى المخلوع زين العابدين بن علي في ضاحية قرطاج. وعلم أن بعض الذين ألقي القبض عليهم اثناء اعمال العنف ينتمون إلى بعض الأجهزة الأمنية.
المجال الجوي والمطارات مفتوحة
من جانبها قالت وكالة الأنباء التونسية الرسمية السبت إن المجال الجوي والمطارات في البلاد مفتوحة أمام الرحلات الجوية المدنية بعد يوم من إلغاء عدد من الرحلات الجوية. وأعلن ديوان الطيران المدني والمطارات التونسي في بيان نقلته الوكالة أن المجال الجوي التونسي وكل المطارات مفتوحة أمام حركة الملاحة الجوية بخلاف ما ذكر في عدد من وسائل الإعلام. في غضون ذلك نظم محامون وناشطون الليلة الماضية مظاهرات ضد استمرار رموز نظام بن علي في السلطة، وبينهم الغنوشي، وشملت المظاهرات مدن القصرين وسليانة بالوسط الغربي وقابس جنوب شرقي البلاد.
السعودية ترحب بالرئيس المخلوع واسرته
اما وجهة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي فقد أعلنت الحكومة السعودية إستضافته وأسرته في السعودية بعد فراره من تونس اثر انتفاضة شعبية. وذكر الديوان الملكي أن "حكومة السعودية رحبت بقدوم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وأسرته الى السعودية". وأكد البيان على "تقدير حكومة السعودية للظروف الاستثنائية التي يمر بها الشعب التونسي الشقيق وتمنياتها بأن يسود الامن والاستقرار في هذا الوطن العزيز على الامتين العربية والاسلامية جمعاء، وتأييدها لكل اجراء يعود بالخير للشعب التونسي الشقيق". ولفتت الحكومة السعودية الى انها "وإذ تعلن وقوفها التام الى جانب الشعب التونسي الشقيق لتأمل، بإذن الله، في تكاتف كافة ابنائه لتجاوز هذه المرحلة الصعبة من تاريخه".
اسابيع من الاحداث الدامية
وغادر بن علي تونس امس الجمعة بعد اسابيع من الاحتجاجات الدامية، وكان رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي قد اعلن في خطاب بثه التلفزيون التونسي توليه السلطة في تونس موقتاً مع تعذر قيام بن علي بمهامه والذي كان غادر البلاد اثر يوم دراماتيكي توالت فيه الاحداث تباعاً وبعد شهر من الاضطرابات الدامية. ووجه الرئيس التونسي بالانابة محمد الغنوشي مساء الجمعة نداء الى التونسيين دعاهم الى الوحدة لتمكين البلاد "من تخطي الصعاب".
وكان اخر تلك الاحداث سيطرة الجيش التونسي عصر الجمعة على مطار تونس قرطاج الدولي وتم اغلاق المجال الجوي بحسب ما اعلن مصدر ملاحي. كما اعلنت السلطات "حالة الطوارئ في كامل انحاء الجمهورية، وبمنع تجمع اكثر من ثلاثة اشخاص في كامل البلاد بالطريق العام والساحات العامة". كما سمحت السلطات لقوات الامن والجيش بفتح النار على كل شخص مشتبه فيه ولم يمتثل لامر الوقوف وحاول الفرار ولم يبق مجال لاجباره على الوقوف وذلك بحسب القرار. وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد قرر حل الحكومة ودعا لانتخابات تشريعية مبكرة خلال ستة اشهر على ما افاد مصدر رسمي في البلاد.
وكانت تواصلت التظاهرات في شوارع المدن والمحافظات التونسية على الرغم من خطاب الرئيس "بن علي" الأخير مساء الخميس. المحتجون طالبوا برحيل بن علي. ودعوا الجيش التونسي للانضمام إلى صفوفهم، في ظل قصور المعارضة عن مواكبة ما يجري. ولم تفلح وعود الرئيس زين العابدين بن علي بتهدئة الشارع التونسي، فخرج الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع العاصمة والمحافظات للمطالبة برحيله. المتظاهرون الذين صبوا جام غضبهم على مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزراة الداخلية، دعوا عناصر الجيش التونسي إلى الانضمام لمسيرتهم، محيدين المؤسسة التي تعتبر محل اجماع التوانسة.
الترحيب الشعبي العربي بتغيير تونس
فوسط صمت رسمي مطبق, رحبت الأوساط الشعبية وفعاليات المجتمع المدني العربية بثورة الشعب التونسي التي أجبرت الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي على الفرار باتجاه السعودية، معتبرين ذلك إنجازا تاريخيا، في حين اتسمت ردود الأفعال الرسمية في التعامل مع الوضع بالحذر والتحفظ أو الصمت. وعلى الصعيد الشعبي تدفقت آلاف من رسائل التهنئة للشعب التونسي على الإنترنت الجمعة على مواقع فيسبوك وتويتر وغيرها، واستبدل الكثير من الناس صورهم الشخصية بالأعلام التونسية الحمراء في هذه المواقع.
كما نظم العشرات من النشطاء المصريين المعارضين للرئيس حسني مبارك وقفة احتجاجية أمام السفارة التونسية بالقاهرة. ورحبوا بما حدث في تونس واعتبروه رسالة للنظام المصري، ورددوا شعار "بن علي أخبر مبارك أن طائرة تنتظره أيضا".
وعبر عدد من نواب المعارضة في البرلمان الكويتي عن تقديرهم للشعب التونسي وانتفاضته التي أدت إلى فرار الرئيس بن علي. كما شهدت الكويت تعاطفا كبيرا مع الشعب التونسي وانتفاضته التي وصفت بأنها انتفاضة الدفاع عن الحرية والكرامة حيث شهدت المواقع الإلكترونية الكويتية حركت تفاعل كبيرة في نقل ما يجري من أحداث في تونس.
كما رحب يمنيون من مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية بما وصفوه سقوط جنرال تونس الرئيس زين العابدين بن علي وتمنوا نهاية مشابهة لنظام الحكم في بلادهم. ونظم ناشطون من مختلف القوى السياسية اليوم السبت في صنعاء مسيرة باتجاه السفارة الفرنسية بصنعاء طالبوا خلالها بترك الشعب التونسي يختار حكامه دون وصاية فرنسية.
من جهتها أصدرت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية -مقرها البحرين- بيانا هنأت فيه الشعب التونسي بنجاح حركة الاحتجاجات الشعبية في تونس على خلفية إخفاق السلطة في تحقيق مطالبه المشروعة. وقالت الوفاق إن الشعب التونسي قام باحتجاجاته وأراد الحياة بعد أن سئم سياسة الاستئثار بالثروة والقرار، فأراد الانتفاضة وأراد القدر أن يكون معه مستلهما من نشيده الوطني منذ الاستقلال أبيات أبي القاسم الشابي.
صمت وتحفظ رسمي
وعلى الصعيد الرسمي العربي آثرت أغلب الدول العربية الصمت تجاه الأحداث الجارية في تونس وخروج الرئيس بن علي بعد طلب شعبي باستقالته. وكان موقف المملكة العربية السعودية هو الأبرز وهي التي رحبت ببن علي على أراضيها، وأكد بيان للديوان الملكي السعودي نشرته وكالة الأنباء السعودية في ساعة مبكرة من صباح اليوم نبأ وصول بن علي إلى أراضي المملكة. وقال البيان إن السعودية رحبت ببن علي "تقديرا للظروف الاستثنائية التي يمر بها الشعب التونسي الشقيق" وبـ"لكل إجراء يعود بالخير على الشعب التونسي الشقيق".
وفي قطر، قال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية مساء الجمعة إن بلاده تراقب الأحداث الجارية في تونس وتحترم إرادة الشعب التونسي وخياراته. وأكد المصدر تأكيده التزام قطر بعلاقتها المتينة مع الشعب التونسي العزيز وحرصها على علاقاتها المميزة مع الجمهورية التونسية.
من جهته أكد المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية أن الجامعة قلقة من الأوضاع في تونس وإنها تراقبها عن كثب، ودعا جميع الأطراف العمل على التوصل لاجماع وطني يخرج البلاد من أزمتها.
ردود الفعل الدولية
وعلى صعيد ردود الفعل الدولية. أدت الأحداث المتسارعة في تونس إلى ردود فعل دولية أجمعت في معظمها على احترام إرادة التونسيين والحوار الوطني.
فقد أشاد الرئيس الأميركي باراك أوباما بـ"شجاعة وكرامة الشعب التونسي". ودعا إلى إجراء انتخابات نزيهة وحرة قائلا "إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب المجتمع الدولي للشهادة على هذا النضال الشجاع من أجل الحصول على الحقوق العالمية التي يجب أن نحافظ عليها، وسنذكر على الدوام صور الشعب التونسي الذي يسعى لإسماع صوته". كما أدان أوباما "استخدام العنف ضد المواطنين الذين عبروا عن آرائهم بشكل مسالم", وحثّ جميع الأطراف على "التزام الهدوء وتفادي اللجوء إلى العنف".
من جهتها قالت مصادر مقربة من الحكومة إن باريس "لا ترغب في مجيء بن علي إلى أراضيها، عازيا هذا الموقف إلى عدم الرغبة في إثارة استياء الجالية التونسية في فرنسا". وأعربت الرئاسة الفرنسية عن أملها في التهدئة وإنهاء العنف. وشددت على أن "الحوار وحده يمكن أن يؤمن حلا ديمقراطيا ودائما للأزمة الراهنة".
الأمين العام للمنظمة بان كي مون أعرب عن قلقه إزاء التطورات الجارية في تونس وأسفه للخسائر الحاصلة في الأرواح. ودعا إلى البحث عن تسوية ديمقراطية للأزمة والاحترام الكامل لحرية التعبير والتجمع.
في حين دعا إلى حل ديمقراطي ودائم في تونس، كما دعا إلى الهدوء بعد خروج زين العابدين بن علي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إن تونس تعيش لحظة تاريخية، مشيرا إلى أن التونسيين عبروا في الأسابيع الماضية عن تطلعاتهم.
بدورها دعت جميع الأطراف المعنية إلى بذل كل الجهود لإجراء حوار وحل المشكلات سلميا لمنع وقوع المزيد من العنف والتصعيد.
فلسطينياً, كان لمنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية المختلفة رد فعلها حيث اشادت منظمة التحرير "بشجاعة" الشعب التونسي و"تضحياته البطولية" لتحقيق مطالبه. وقالت المنظمة في بيان ان "الانتفاضة الشعبية العفوية للشعب التونسي ضد مظاهر الفساد وكبت الحريات والقمع تؤكد من جديد الطاقة الخلاقة للشعوب في تقرير مصيرها واختيار وجهتها الديموقراطية والتنموية". واضاف البيان ان "القيادة الفلسطينية تنظر باعجاب وافتخار للشعب التونسي الشقيق وبسالته في الذود عن مستقبله ومستقبل ابنائه وتؤكد انحيازها المطلق للشعب التونسي واحترامها الكبير لخياراته السياسية واختيار قياداته". وقالت المنظمة ان "شعبنا الفلسطيني ينظر بالعرفان والجميل للشعب التونسي الذي احتضن الثورة الفلسطينية وقيادتها في وقت عزت فيه الامكنة".
وعبرت فصائل فلسطينية في مقدمتها حركة حماس عن دعمها وتأييدها "لانتفاضة" الشعب التونسي ضد النظام "المستبد" الذي "تربطه علاقات مشبوهة" بالكيان الاسرائيلي. وقال فتحي حماد وزير الداخلية في الحكومة المقالة "نحن مع الشعب التونسي الشقيق في اختيار قادته مهما بلغ ذلك من تضحيات". واضاف حماد وهو قيادي في حماس ان ما حدث في تونس "تطبيق لارادة الشعب التي صبر عليها على مدى الزمان في اطار قهر معين". وتابع "نسأل الله لهم الخير في اطار تطبيق الانتخابات التي يتحدثون عنها لاختيار حكومة جديدة".
من جهته قال داوود شهاب المتحدث باسم حركة الجهاد الاسلامي "نبارك للشعب التونسي انتفاضته بوجه النظام المستبد". واضاف ان ما حدث في تونس "يدلل ان الجماهير العربية قادرة على احداث التغيير من اجل الحرية ورفض الاستبداد والظلم". واعتبر شهاب انها "رسالة للجميع بما فيها اسرائيل والغرب نحن سعداء ان النظام السابق تربطه علاقات مشبوهة بالكيان الصهيوني وعندما ينتهي فهذا بشائر فجر حرية قادمة".
واشاد ناطق باسم الجبهة الديموقراطية في بيان ب"الانتصار الكبير" للشعب التونسي. وبعدما وصفت الجبهة وهي عضو في منظمة التحرير الفلسطينية ما حدث بانه "درس للجميع". دعت "جماهير الشعوب العربية للانتفاضة في وجه حكامها الخونة وتحديدا في بلداننا العربية التي اصبحت مرتعا لتسويق مشاريع الولايات المتحدة".