تنتظر مجلس الوزراء اليوم أزمة المراسيم المئة. صدرت بلا اقترانها بتواقيع الوزراء الـ 24، رغم اتصافها بمراسيم عادية تقع في صلب صلاحية أساسية لرئيس الجمهورية. قد تجعل هذه الذريعة الجلسة لا تمضي على خير.
نقولا ناصيف
تنتظر مجلس الوزراء اليوم أزمة المراسيم المئة. صدرت بلا اقترانها بتواقيع الوزراء الـ 24، رغم اتصافها بمراسيم عادية تقع في صلب صلاحية أساسية لرئيس الجمهورية. قد تجعل هذه الذريعة الجلسة لا تمضي على خير.
قد لا يكون سهلاً على مجلس الوزراء، في جلسة اليوم، تكريس قاعدة أن ما يصح على مراسيم القرارات التي تصدر عنه عملاً بالمادة 65، يصح أيضاً على المراسيم العادية التي تتخذ قراراتها خارج مجلس الوزراء، وتكتفي بتواقيع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين.
تالياً، فإن تجاوز «التعطيل» بطرح القرار على التصويت لا يجد في المراسيم العادية مخرجاً هيّناً مشابهاً لقرارات مجلس الوزراء التي تمثل أمام هيئة مصوِّتة، ما دام صدور المرسوم العادي غير مقيّد بمهلة ملزمة، ولا يمكن تجاهل موافقة رئيس الجمهورية عليه على غرار قرارات مجلس الوزراء، عملاً بالمادة 56 إذ تقضي بإصدارها بعد انقضاء المهلة أو بعد إصرار المجلس عليها.
بذلك يواجه مجلس الوزراء هذه المرة مشكلة مختلفة تماماً، لا تضع بين يدي الرئيس تمام سلام والأكثرية الحكومية الحجة الصلبة، وهي أن في الإمكان إصدار المرسوم العادي بلا موافقة الوزراء الـ24. في جلسة الثلاثاء الفائت، لمس بعض الوزراء نبرة إنذار عالية.
في الغالب، لا تنقضي ولاية لرئيس للجمهورية من دون أن يُخلّف وراءه، في أدراجه، عدداً من المراسيم العادية لم يوافق على توقيعها طيلة ولايته. من دون أن تكون ثمة مهلة مقيّدة وملزمة له. كان للرئيس دائماً أكثر من ذريعة لرفض التوقيع. هكذا لبثت عشرات المراسيم العادية في الأدراج، إلى أن يأتي رئيس خلف ليبتّها ويصدرها، أو يصر على موقف سلفه فتستمر مجمدة، أو يصير عند الانتقال من حكومة إلى أخرى جديدة إلى إعادة إرسالها إلى رئيسها الجديد وإلى الوزير أو الوزراء المختصين لإعادة النظر فيها، وإحالتها مجدداً على رئيس الجمهورية كي يتخذ قراراً بتوقيعها وإصدارها، أو إعادتها كما مراراً إلى الأدراج. في بعض الأحيان، كان رئيس الحكومة الخلف يصر على تلك المراسيم كما هي، فلا يوقعها رئيس الجمهورية، فتغفو في الجوارير إلى أن تستقيل الحكومة وتأتي سواها من بعدها... وهكذا دواليك.
نُظِر باستمرار إلى هذه الصلاحية على أنها من بين إحدى اقوى ما يملك رئيس الجمهورية من صلاحيات لارتباطها حصراً بإرادته في الإصدار. ما أدى استطراداً إلى اعتبار وكالة مجلس الوزراء عن رئيس الجمهورية، عند شغور المنصب، تجعل توقيع الوزراء جميعاً الذين تتألف منهم الحكومة ملزماً لإصدار المرسوم، لكونهم مجتمعين يمثلون هيئة الرئيس، وقد انتقلت إليهم جميعاً أيضاً هذه الصلاحية. من دون توقيع الوزراء الـ24 في حكومة سلام لا مرسوم عادياً يصدر. وإذا صدر، يقتضي أن يتوقع مشكلة.
منذ اليوم الأول للشغور، أيد رئيس مجلس النواب نبيه بري هذا التفسير ولم يتزحزح عنه. وهو ما أفصح عنه مراراً، وأعاد تأكيده في جلسة الثلاثاء الوزير علي حسن خليل بالقول، بعد انسحاب وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله، إنه لن يغادر القاعة وسيستمر فيها. ثم أضاف: نحن مقتنعون تماماً بأن المرسوم العادي يتطلب توقيع الوزراء الـ24.
بدوره سلام مذ ذاك ـ متمسكاً بقاعدة التوافق في اتخاذ القرارات ـ أيد توقيع الوزراء الـ24 الوزراء المراسيم العادية، إلى أن اصطدم بأول اختبار.
أحجم الوزير بطرس حرب عن توقيع مرسوم ترفيع ثلاثة موظفين في وزارة التربية، تبين أنهم موالون للتيار الوطني الحر، فتوقف المرسوم طوال شهرين من دون أن يقترن بتوقيعه ما عطّل تالياً إصداره. آنذاك كان التحفظ الأول لرئيس الحكومة عن هذا الموقف عندما وجد في عدم توقيع المرسوم ما شاع لاحقاً وهو «نيّة التعطيل»، غير المرتبطة بشائبة تمس المرسوم أو مخالفة، وعُزي الامتناع عن التوقيع إلى دوافع سياسية بحتة. بعد اشتباك في مجلس الوزراء حيال ذلك المرسوم بين الفريقين المعنيين، ارتأى سلام مخرجاً يقضي بأن يتولى هو درس المرسوم العادي الذي لا يحظى بموافقة أيٍّ من الوزراء، ويتيقن من عدم وجود «نية تعطيل» تختبئ وراء عدم توقيعه. ما قاله آنذاك أنه لا يسعه تعليق المراسيم على مواقف الوزراء وأمزجتهم، مصراً على تجاوز التوافق بحيث يأمر هو بإصدار المرسوم الذي يراد تجميده. إلا أنه في المقابل يأخذ في الاعتبار الأسباب القانونية الموجبة لعدم التوقيع. على الأثر أصدر المرسوم الذي امتنع حرب عن توقيعه، إلى مراسيم عادية مماثلة، متشبثاً بحجة أنه لا يريد تعطيل مصالح الناس وشؤون المواطنين وعمل الإدارات والمرافق.
انفجر الموقف مجدداً في مستهل جلسة 2 تموز، عندما اتهم الوزير جبران باسيل رئيس الحكومة بالاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية، عبر إصدار مراسيم خلت من تواقيع الوزراء الـ24، في مناسبة الخلاف في مجلس الوزراء وخارجه على التعيينات العسكرية والأمنية. تصاعد الاشتباك في جلسة الأسبوع التالي، 9 تموز، فلم يتح سوى الموافقة على مرسوم توزيع اعتمادات وزارة الصحة. وكان قد حظي بموافقة ضمنية من الرئيس ميشال عون، رغم وطأة الخلاف بين تكتل التغيير والإصلاح ورئيس الحكومة على آلية ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء، وإصرار التكتل وحليفه حزب الله على اقتران المراسيم بتواقيع الوزراء الـ 24. في جلسة 9 تموز، قرر وزراء التكتل والحزب رفض توقيع أي قرار يصدر عن مجلس الوزراء أو مرسوم عادي لا يقترن بالتواقيع الـ24 بلا استثناء. إذ ذاك جُمّد في الأدراج 170 مرسوماً وقعها 18 وزيراً يمثلون ثلثي حكومة سلام، بينما امتنع الوزراء الستة الباقون في تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله عن مهرها. كان الاستثناء الوحيد توقيع الوزراء الـ24 مرسوم تخريج تلامذة الكلية الحربية وترقيتهم عشية الأول من آب.
الأسبوع الماضي أمر سلام بإصدار مئة من المراسيم الـ170، بينها 96 مرسوماً عادياً اقتصر توقيعها على الوزراء الـ18، فاندلع الخلاف في جلسة الثلاثاء 25 آب، وانسحب وزراء التكتل وحزب الله الذي أسمَعَ للمرة الأولى، ومن خلال الوزير محمد فنيش مجلس الوزراء موقفاً، بدا أنه يتجاوز مراعاة حليفه عون إلى إعلان رفضه الصريح المضي في آلية كهذه تقضي بتوقيع مراسيم عادية لا تحظى بموافقة الوزراء جميعاً، أياً تكن مبررات امتناعهم، مبدياً رفضه كل محاولة لتجاوز موافقته هو بالذات على المراسيم العادية تلك. في هواجس الحزب احتمال اتخاذ مراسيم تشعره بالقلق على نفسه في حال صدورها خلافاً لإرادته. ذهب في مواقفه إلى أبعد من ذلك بالقول إن حزب الله لن يسمح بإمرار مراسيم على نحو كهذا.
عند هذا الاشتباك ينعقد مجلس الوزراء اليوم. لكن ثمة مشكلة إضافية ترتبت على إصدار المراسيم العادية المئة، هي أن صدورها وتعميمها ومباشرة تنفيذها أحال مفاعيلها حقوقاً مكتسبة للمستفيدين منها.
www.al-akhbar.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه