يسيطر «لواء شهداء اليرموك» على منطقة حوض اليرموك، مشكّلاً جيباً بين حدود الجولان المحتل والحدود الأردنية في درعا. قائد اللواء المعروف بالخال لم يبايع «داعش» علناً، لكنّه أقام أخيراً إمارة «داعشية»
فراس الشوفي
يسيطر «لواء شهداء اليرموك» على منطقة حوض اليرموك، مشكّلاً جيباً بين حدود الجولان المحتل والحدود الأردنية في درعا. قائد اللواء المعروف بالخال لم يبايع «داعش» علناً، لكنّه أقام أخيراً إمارة «داعشية» برعاية إسرائيلية واضحة على حدود الجولان المحتل.
قبل أقل من أسبوعين، صرّح العميد صابر المهايرة قائد حرس الحدود الأردني في منطقة جابر شمال الأردن، بأنه لا وجود لتنظيم «داعش» على الحدود الأردنية ـــ السورية، مؤكّداً أنه «لا يوجد على حدودنا أو بالقرب منها أي جماعات إرهابية، سواء النصرة أو داعش». وعلى عكس الأردن، لا تخفي وسائل الإعلام الإسرائيلية المتلفزة عبر معلقيها العسكريين الإشارة الدائمة إلى وجود «داعش» على مقربة من حدود الجولان المحتل، عبر «لواء شهداء اليرموك»، مع التقليل من خطر التنظيم قرب «الحدود». حتى إن وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون تفاخر خلال مؤتمر هرتسيليا في 9 حزيران الماضي بأن عناصر من «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة»، يعملون على «تطهير المنطقة من داعش»، بعد المعارك التي اندلعت بشكل كبير بين إرهابيي «النصرة» و«حركة أحرار الشام» وبين إرهابيي «سرايا الجهاد» و«لواء شهداء اليرموك»، الذين تردّد عبر وسائل إعلام «النصرة» بداية أن قائدهم محمد سعد الدين البريدي، الملقّب بـ«الخال»، بايع «داعش» سرّاً.
في العام الأخير، اقتصرت مؤشرات مبايعة «الخال» لـ«داعش» على ظهوره في فيديو بثّ عبر موقع «يوتيوب» مع مجموعة من الشّبان يهتفون لـ«التنظيم» وخلفهم رايات «داعش» السوداء، قبل أن تندلع معارك طاحنة مع «النصرة» في بداية العام الحالي، أدت إلى انكفاء «الخال» و«سرايا الجهاد» عن المناطق المحاذية للجولان المحتل في القطاع الأوسط من القنيطرة، ولا سيّما في بلدة القحطانية ومعبر القنيطرة.
وفي نيسان الماضي، اندلعت المعارك مجدداً بين «النصرة» و«الخال»، مخلفةً مئات القتلى والجرحى بين الطرفين في منطقة حوض اليرموك، غربي درعا. واستمرت بحرب اغتيالات متبادلة لأمنيين وشرعيين من الطرفين، ومعارك تتجدّد كل حين. إلّا أنه بنتيجة المعارك الأخيرة، بات «الخال» يسيطر على المنطقة الغربية لحوض اليرموك بأكملها في شرق جنوب الجولان المحتل. وتمتد منطقة سيطرة «الخال» من الحدود إلى الغرب من معبر تل شهاب الحدودي مع الأردن، وتلاصق الحدود الأردنية حتى الخطّ الأول من الحدود مع الجولان المحتل، وعلى طول الحدود إلى بلدة المسيرتية وأبو حارتين شمالاً. وبذلك تكون قرى ومناطق المسيرتية، أبو حارتين، عين ذكر، سد كوكب، الشجرة، نافعة، جملة، الشبرق، عابدين، معربة، كويا والقصير ضمن «إمارة البريدي»، وتشكّل جيباً يصل بين الحدود الأردنية وحدود الجولان المحتل في ريف درعا الغربي الجنوبي. ويستمر النزاع بين البريدي و«النصرة» بشكل دائم للسيطرة على بلدتي سحم الجولان وحيط، فيما باتت بلدة تسيل منطقة «محايدة» في عرف الطرفين، بإشراف فاعليات من المنطقة، و«لواء المعتز بالله»، التابع لغرفة العمليات الأردنية «الموك»، التي تضمّ ضباطاً غربيين وخليجيين وأردنيين وإسرائيليين.
اتهامات «النصرة» للبريدي بمبايعة «داعش»، ورفضه الانضمام والخضوع للمحكمة الشرعية التي تدور في فلك «النصرة» في حوران، وظهوره في الفيديو، لم تمنع البريدي من أن ينفي مراراً وتكراراً مبايعته لـ«داعش» عبر حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي تدور في فلك تنظيمه، واضعاً اتهامات «النصرة» في سياق «حملة للقضاء عليه». كما نفى نائب قائد «لواء شهداء اليرموك» أبو عبدالله الجاعوني في مقابلة مع صحيفة «القدس العربي» في أيار الماضي مبايعة اللواء لـ«داعش».
وحتى الآن، يتمسّك البريدي، حتى بين المقرّبين منه، بنفي بيعته لأبو بكر البغدادي أمير «داعش». إلّا أن المرحلة الأخيرة، من حزيران الماضي حتى اليوم، تاريخ إعلانه عن إقامة محكمة شرعية مقرّها بلدة الشجرة في بناء «الكهرباء الجديد»، وخاصة في حوض اليرموك والمنطقة التي يسيطر عليها، حملت الكثير من أوجه التشابه بين أسلوب عمل مسلحي «لواء شهداء اليرموك»، ومسلحي «داعش» في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في الشرق السوري وغرب العراق.
وارتفعت رايات «داعش» في الآونة الأخيرة على حواجز «الخال» وعلى آلياته وسيارات مقاتليه، بحسب ما أكّد لـ«الأخبار» أكثر من مصدر أهلي في البلدات التي تقع تحت سيطرته. وبدأت «الشرطة الإسلامية» القيام بمهمات «حفظ الأمن الداخلي للمسلمين»، معلنة فتح باب التطوّع للراغبين في الالتحاق بها، بالإضافة إلى استقبال طلبات «من رزقه الله العلم الشرعي» للعمل في «المحكمة». وبحسب إفادات الشهود، فإن حواجز «الخال» و«الشرطة الإسلامية» تلاحق المدخنين، وتسجنهم لمدة شهر، بالإضافة إلى دفع غرامة تصل حتى 30 ألف ليرة سورية. ومنعت الفتيات من لبس «الجينز» وهي تجبرهنّ على التزام «الملابس الشرعية». كما مُنع الرجال من حلاقة الذقن أو الرأس، تحت طائلة الجلد والسجن.
وأفاد الشهود لـ«الأخبار» بأن البريدي سيطر على كامل مساجد القرى، وكلّف شرعييه بإدارتها، وإمامة صلاة الجمعة، وبأن «الشرعيين يأتون إلى المساجد بحراسة كاملة، ويدخلونها بسلاحهم»، فيما «تقوم الشرطة الإسلامية بملاحقة الرجال الذين لا يؤدون صلاة الجمعة في المساجد، وتعتقلهم من الطرقات ومن بيوتهم وتقوم بجلدهم أمام الناس».
وفي المعلومات، أن البريدي انتمى سابقاً إلى «حزب التحرير الإسلامي» في عام 2004، واعتقلته الأجهزة الأمنية السورية في درعا في عام 2009، وسجن في صيدنايا حيث تعرّف هناك إلى زهران علوش والمدعو «أبو عباده» قائد لواء المعتز حالياً، وخرج من السجن في عام 2011 بعد عفوٍ عام.
ومع استعار المعارك، أسّس «كتيبة شهداء اليرموك» وقاتل ضد الجيش السوري، ثمّ طوّر الكتيبة إلى لواء مقرّه بلدته جملة، بعدما غنم من مواقع الجيش من القنيطرة أكثر من 20 دبابة ومدافع مضادة للطائرات وأسلحة متوسّطة. وفي عام 2013، تعرض لانفجار لغم ففقد سمعه وبصره لأكثر من ستة أشهر.
وعماد اللواء من مسلحي آل البريدي وآل الجاعوني و«غرباء» من قرى درعا الشرقية، بالإضافة إلى عدد محدود من المقاتلين من أبناء مدينة الرقة، ومن الأردنيين والفلسطينيين، مثل يعرب قحطان الحاج داود المعروف بـ«أبو عبيده» الأردني الفلسطيني. ويقدّر عدد مسلحي اللواء بحوالى 1500 عنصر، بينهم كثيرون من صغار السن، يتقاضون رواتب مرتفعة تصل حتى 100 ألف ليرة سورية. وانضم إليه أخيراً القائد العسكري السابق في «جبهة ثوار سوريا» المعروف بـ«أبو تحرير الفلسطيني الأردني»، وهو ذو علاقات استخبارية واسعة. وقبل نحو أسبوعين، قتل أربعة من شرعيي «الخال» الأردنيين على الحدود بين بلدة الكويا والأردن.
وليس غريباً على أهالي حوض اليرموك الحديث عن علاقة «الخال» بإسرائيل. فمن المعروف في القرى أن الأخير بقي طويلاً متعهد إدخال الجرحى إلى فلسطين المحتلة. حتى إنه يملك رقماً خلوياً إسرائيلياً، وقد دخل إلى فلسطين المحتلة عدّة مرات. وبحسب مصادر أمنية سورية معنية بالجبهة الجنوبية، فإنه على الرغم من الحديث الإسرائيلي عن أنه بايع «داعش»، إلّا أن إمداد «الخال» يأتي من داخل فلسطين المحتلة، وعبر معبر تل شهاب مع الأردن. وتقول المصادر إن الخال في معاركه يملك غزارة نيران لا تملكها «النصرة»، و«في المعركة الماضية أطلق أكثر من ألف صاروخ وقذيفة على مواقع النصرة».
وتؤكّد المصادر أن «الأردن قلق للغاية من تنظيم داعش، لكن عدوّه الحقيقي في غربي درعا هو تمدّد النصرة بشكل عشوائي إلى داخل مدينة معان الأردنية، وليس داعش، التي تشكل خطراً على شرق الأردن». وفي وقت لم تعد فيه العلاقة بين «النصرة» وإسرائيل سرّاً في الجولان، تقول المصادر الأمنية السورية إن «الإمارة الداعشية الجديدة هي برعاية إسرائيل، وهدفها استمرار المعارك بين الإرهابيين».
شريط أردني شائك مع سوريا
يشعر الأردن بعميق القلق من تمدّد تنظيم «داعش» في البادية السورية والعراقية، خصوصاً بعد سقوط مدينتي تدمر السورية والرمادي العراقية، وسيطرة التنظيم على معبر التنف الحدودي القريب من المثلث السوري ــ العراقي ــ الأردني. وعلى الرغم من أن «داعش» لم يتمدّد في درعا، بمعزلٍ عن «الإمارة» التي يقيمها «لواء شهداء اليرموك» على الحدود الشمالية للأردن (برعاية إسرائيلية)، إلّا أن الحكومة شرعت مؤخراً ببناء شريط من الأسلاك الشائكة على طول الحدود الأردنية ــ السورية البالغة 384 كلم، وجزء من الحدود مع العراق، مع إبقاء ثغرات لعبور المسلحين المدعومين من «الموك» إلى داخل سوريا ومنعهم من العودة إلى الأردن. وتشير المعلومات إلى أن الاستخبارات الأردنية تفرّغ مقاتلين من «الجيش الحر» لمهمة واحدة وهي الانتشار في محيط «الخط الحربي» الممتد من السويداء إلى معبر نصيب، لحماية الحدود الأردنية من «داعش»، بالإضافة إلى تشكيل لواء من عشائر البدو مهمته قتال «داعش» وحماية الحدود الأردنية.
www.al-akhbar.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه