الحملة الأكبر على الفيلم تشنّها الوهابية التي ترى فيه صورة مغايرة تماما عما تروجّه عن النبي (ص) وشخصه وبأنه قدم إلى الجزيرة العربية حاملاً شعار "جئناكم بالذبح" فكيف يمكنها تقبّل أنه كان على خلق عظيم حتى قبل أن يبعث نبيا؟!
منذ بدأت الجمهورية الإسلامية في إيران، منذ ثماني سنوات، تعلن عن بدء تصوير فيلم سينمائي خاص بحياة الرسول الأعظم (ص) صوّبت إليها السهام محمّلة بشتى الاتهامات ومنها تجسيد شخص الرسول (ص). ومع تأكيد المخرج الإيراني مجيد مجيدي مراراً نفيه التام لهذا التجسيد، لا تظل هي التهمة نفسها حتى اليوم مع انطلاق الفيلم في الصالات الإيرانية الأسبوع الماضي ثبت بالدليل القاطع أن الفيلم لا يجسد شخص النبي الأكرم (ص).
والمقاطع المتقطعة من الفيلم والمتداولة على بعض مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد ما أعلنه مخرج الفيلم مجيد مجيدى منذ شهور طويلة، وهو أن وجوه الممثلين الذين يؤدون دور الرسول (ص) في مراحله العمرية التي يتناولها الفيلم لا تظهر. فلا يرى المشاهد ما يدل عليه إلا ملابس بيضاء.
ويتحدث الفيلم عن حياة خاتم الانبياء (ص) منذ ولادته وحتى بلوغه سن الـ13. وهو بذلك يقدم رؤية إنسانية خاصة حول حياة النبي قبل بعثه بالرسالة المحمدية، وهي مرحلة يعدّها المؤرخون غائبة بشكل عام عن وعي المسلمين وذاكرتهم التاريخية.
والجدير ذكره، أن الفيلم يتعرّض لمرحلة من حياة النبي (ص) لا خلاف بين المذاهب الإسلامية عليها، وهو قد أنتج وفاق رؤية تاريخية إسلامية تسهم في تحقيق وحدة العالم الإسلامي. من هنا تأتي مشاركة الدولة الإيرانية في ميزانية الفيلم داعمة له، إذ قد بلغت ميزانيته نحو 40 مليون دولار، بحيث تعد الميزانية الأضخم في تاريخ الجمهورية الإسلامية منذ بداية عهدها بالسينما.
ومن هنا يتبدّى أن صنّاع الفيلم لا يهدفون للربح المادي على شباك التذاكر في دور السينما، أو أي أهداف سياسية كما أشيع، بل "الهدف هو تقديم شخصية الرسول والتعريف بها والتي لا تقدر بثمن"، بحسب تعبير المخرج مجيدي، وأن الفيلم يأتي رداً على كل الاساءات الغربية التي سيقت بحق خاتم الأنبياء الذي مدحه الكريم في كتابه العزيز "وأنك لعلى خلق عظيم". وفي هذا السياق أعلن يوم أمس المخرج أن هذا الفيلم يعدّ الجزء الأول من سلسلة مؤلفة من ثلاثة أجزاء ستستكمل حياة النبي (ص) مرورا بتأسيسه أول حكومة إسلامية حتى وفاته.
وقبل افتتاح الفيلم "محمد رسول الله" في إيران بأسبوع، عرض في مهرجان "مونترال" السينمائي الدولي المقام حاليا في كندا حيث لاقى إقبالا واسعا من الجالية المسلمة وعشاق الفن السابع لدرجة أرغمت الجهات المعنية على تخصيص حفلات إضافية لعرض الفيلم. وهناك أبدى بعض النقاد أرائهم حول الفيلم إذ رأوا أن رسالته وقراءتها وتعريفها عن الاسلام وحياة النبي تختلف عن سابقاتها وانها تفتح نافذة جديدة للغرب والعالم الإسلامي عن الاسلام والنبي محمد صلى الله وعليه وآله وسلم. وفي تصريح خاص لمخرج الفيلم في المهرجان قال :" إن جميع الأجانب الذين شاهدوا الفيلم كانوا متفقين على أن نظرة الفيلم ورؤيته بالنسبة للأديان أخرى جيدة وبعيدة عن إثارة الحساسية والجدل".
وعبر رئيس مهرجان مونتريال بعد عرض الفيلم عن ارتياحه لحماس الجمهور خلال العرض العالمي الاول له والتفاعل الإيجابي الواسع والرائع عند الجماهير الأجنبية الذي يدل على ما عكسه الفيلم من روحانية عالية والذي له علاقة وثيقة مع الطبيعة الإنسانية. وكان بعض النقاد أبدوا اندهاشهم حول المستوى العالي للتقنية الفنية السينمائية المستخدمة في انتاج الفيلم، وعّدها اخرون أنها تفوق التوقعات.
ووفق إعلان للموقع الرسمي للفيلم السينمائي "محمد رسول الله" أن المخرج الأميركي الشهير "فرانسيس فورد کابولا قد شاهد الفيلم وامتدحه. فقد أعلن مسبقا الموقع الرسمي للفيلم أن أن "فيتوريو استورارو" مصور الفيلم سيعرض عرضا خاصا في جمعية الأفلام الأميرکية (American Film Institute) لمجموعة مؤلفة من 135 شخصا من رواد السينما في مدينة لوس آنجلس في أميركا. وبناء على ما صرّح به استورارو فإن العدد المحدود حرم الكثيرين من حضور الفيلم ممن رغبوا بمشاهدته، ومن بين المشاهير الذين حضروا الفيلم في عرضه الخاص هذا، كان حضور مخرج الثلاثية الرائعة "الأب الروحي" الأكثر بريقا. حيث امتدح المخرج الشهير "فرانسيس فورد کابولا" الفيلم وأثنى عليه.
ولقد سخّر المخرج مجيدي وكل طاقم العمل الفني معه كل الامكانيات الهائلة الفنية والتقنية المتوفرة في إيران لإنجاح هذا الفيلم بهدف تقديم صورة صحيحة عن الإسلام التي شوهتها من تسمي نفسها حركات إسلامية تمارس القتل والعنف وإبادة الأخر باسم الدين في ظرفنا الراهن. ويؤكد في هذا المقام المخرج :" أنه في هذه الفترة الزمنية يتم خدش الإسلام الحقيقي وعرض نسخة راديكالية ومتعصبة وعنيفة منه في الوقت الذي يتمتع فيه الإسلام بالسلام والحب وهذا ما كان هدفي لإظهاره في الفيلم".
وردا على ما يساق من اتهامات للجمهورية الإسلامية من خلال هذا الفيلم، وللفيلم نفسه، دعا "مجيدي" علماء الأزهر إلى مشاهدة الفيلم والتحاور بشأن تحفظاتهم ومخاوفهم من مسألة تجسيد شخصيات الأنبياء، مشيرا إلى ما أصدروه من حكم مسبق قبل تصوير الفيلم برفض الفيلم.
ولكن الحملة الأكبر على الفيلم تشنّها السعودية مستخدمة مشايخ مذهبها الوهابي، كونها ترى فيه صورة مغايرة تماما عما تروجّه عن النبي (ص) وشخصه وبأنه قدم إلى شبه الجزيرة العربية حاملاً شعار "جئناكم بالذبح"..!!..فكيف يمكنها تقبّل أن الرسول كان على خلق عظيم حتى قبل أن يبعث نبياً..؟!!
وفي رد لافت ينمّ عن اخلاق رفيعة من المخرج الإيراني نفسه، حيال خبر أعلنته قطر يتعلق بنيتها القيام بانتاج سلسلة من الأفلام حول حياة الرسول (ص) بمساعدة هوليوود إذ قال :" عندما ننتج المزيد من الافلام عن الرسول (ص) يزيد فهم الناس للدين، وندعو صناع السينما في قطر لإنتاج أفلام مشابهة، ويمكننا تسهيل الكثير من الإجراءات إذا ما قدموا إلى إيران".
ورأى "مجيدي" أن هناك بريقا بهجة وفرحا في عيون الناس وشعورا غريبا لدى الجمهور بعد مشاهدة الفيلم وليس هذا الا من بركات النبي الأكرم (عليه وآله آلاف التحية والصلاة والسلام) الذي يهيمن على القلوب كلها. وكشف مجيدي أن مهرجانات سينمائية مختلفة طالبت بعرض الفيلم خلال فعالياتها كما استلموا طلبات من بعض الدول وشركات توزيع للأفلام للمفاوضة لبيع الفيلم لهم وعرض الفيلم في بلدانهم.
وحاليا يعرض فيلم "محمد رسول الله " في 85 قاعة سينما في المحافظات الإيرانية و41 قاعة في العاصمة طهران. والعديد من المدن التي تفتقر لدور السينما، سيتم تدشين قاعات فيها بالتعاون مع مؤسسة المستضعفين الايرانية الاسبوع القادم، وذلك عبر تجهيز المجمعات الثقافية وتحويلها إلى دور للعرض.