22-11-2024 07:04 AM بتوقيت القدس المحتلة

أنت سوري، فلترحل

أنت سوري، فلترحل

أربع سنوات من الحرب كانت كفيلة بتحويل شعب الى "أزمة"، يحمل هويته المتخمة بالدمار والقتل والارهاب والتهجير والفقر، ويدور بها في دول وعدته بالحرية وبالدفاع عن "حقوقه المهدورة" حتى الرمق الأخير، ثم نادته: أنت سوري، فلترحل

على شاطئ بودروم جنوب غرب تركيا، تجسدت الحرب السورية بسنواتها الأربعة. هناك، استلقى ايلان، الطفل السوري، ميتاً، بفعل حلم ببلد اوروبي يمارس فيه الحياة. هو جزء من أسرة مكونة من أربعة أفراد شاركته الحلم نفسه والمصير نفسه، وجزءٌ ايضاً من شعب تبددت احلامه، ربما على شاطئ بودروم ايضاً، أو في أماكن اخرى كثيرة.

بحلول العام 2015، توقعت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بحسب تقرير نشره موقع بي بي سي في تموز/يوليو الماضي، وصول عدد اللاجئين السوريين خارج حدود وطنهم الى ما يقارب الأربعة ملايين لاجئ. رئيس المفوضية انطونيو غوتيريس وصف اللاجئين، في التقرير نفسه، ب "أسوأ أزمة إنسانية شهدها جيلنا"، أربع سنوات من الحرب كانت كفيلة بتحويل شعب الى "أزمة"، يحمل هويته المتخمة بالدمار والقتل والارهاب والتهجير والفقر، ويدور بها في دول وعدته بالحرية والديمقراطية والدفاع عن "حقوقه المهدورة" حتى الرمق الأخير، ثم نادته: أنت سوري، فلترحل.

في تركيا نفسها التي لجأت اليها أسرة الطفل ايلان من مدينتهم" كوباني" ، هرباً من كابوس تنظيم "داعش" الذي وبحسب تقارير نشرتها وسائل اعلام غربية نقلاً عن تقارير استخباراتية، يتلقى دعماً مادياً وعسكرياً من انقرة. من تركيا فضلت تلك الأسرة والاف الأسر المخاطرة والرحيل بزورق على البقاء حيث "يُعامل اللاجئون السوريون بطريقة سيئة جداً"، حسبما أكدت شقيقة والد الطفل ايلان عقب غرقه واسرته. تركيا نفسها استضافت أكثر من مرة ما يُسمى "مؤتمر اصدقاء سورية"، حيث حرصت مع الدول العربية والأوروبية المشاركة في البحث في كيفية اغراق سورية بالمزيد من السلاح وارسال المزيد من المقاتلين المرتزقة، الذين قاموا بكل شيء من قتل واستغلال ومتاجرة بالبشر وبالارث الحضاري لسورية، خلف شعار "اسقاط الديكتاتور"، الكلمة التي كان يحرص الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على استخدامها في هجومه على الرئيس السوري بشار الأسد ومطالبته بالتنحي.

إنهم "أصدقاء سورية"، الذين لم يجتمعوا منذ زمن تحت هذا المسمى تحديداً، لماذا يا ترى؟ هل لأن المرحلة الحالية تقتضي عناوين أخرى ك "التحالف ضد الارهاب في سورية"؟، أي محاولة استثمار القضاء على تنظيمات بعد أن فشلت في تحقيق أهداف ارسلت لأجلها؟

الازدواجية الخبيثة التي مارستها تركيا ازاء سورية، مارسها الأردن ايضاً، من جهة يظهر على أنه "الأكثر استضافة" للاجئين السوريين، بالرغم من بيان المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، الذي كشف أن حوالي 86 في المئة من 630 ألف لاجيء سوري في الأردن يعيشون تحت خط الفقر، ومن جهة ثانية يحتضن عدداً كبيراً من معسكرات التدريب للمسلحين ويشكل نقطة انطلاق لهم باتجاه المدن السورية.

ماذا عن المملكة العربية السعودية، عرابة "الثورة" على طريقة ملوكها وامرائها؟ لم تفتح الأخيرة ابوابها لمخيمات اللجوء، ربما لأن ذلك قد يعكر صفو المملكة التي تنعم بالسلام والازدهار، اكتفت بتسخير مال النفط لاستقطاب عناصر القاعدة من افغانستان وباكستان والشيشان وغيرها من الدول "لنجدة السوريين ومساعدتهم في بناء دولة ديمقراطية"، أليس هذا كافياً؟

وعلى نهجها، مع اختلاف في بعض التفاصيل فرضه الاختلاف في المصالح، سارت قطر التي سخّرت مالها واعلامها من أجل "حرية" سورية، وكذلك العديد من الدول الخليجية، لكن دون استضافة أي لاجىء، ربما لأن ذلك قد يؤثر على الموسم السياحي" المزدهر" في تلك الدول. أما الولايات المتحدة الأميركية، التي كادت أن تشنّ حرباً ذات صيف، كرمى لعيون أطفال الغوطة الشرقية في ريف دمشق، متهمة النظام السوري بقتلهم بواسطة السلاح الكيميائي، لم تكلف نفسها انشاء أي مخيم لاستقبال السوريين، ولم ترسل لهم الا سلاحاً "لدعم المعارضة السورية المعتدلة".

بعيداً عن ذلك كله، نعود الى وجهة ايلان في رحلته الأخيرة: اوروبا الجميلة. هناك، وجد عدد من اللاجئين أنفسهم مؤخراً في مواجهة مع هراوات رجال الأمن الذين تعرضوا لهم بالضرب لمحاولتهم مخالفة التوجيهات وركوب القطار المتوجه من هنغاريا الى النمسا. على أبواب الدول الأوروبية، التي شرّعت الحرب في سورية، يقف السوريون بانتظار اصدار قادتها قراراً يحدد عدد اللاجئين المسموح لهم بالدخول. لكن ايلان لم يطق الانتظار، قرر الاستلقاء على الشاطئ، والحلم، بماذا؟ لقد تقلصت المخيلة، لم تعد تتسع للأشياء الجميلة.