اكثر من ثلاث وفيات و1724 حالة اختناق هي الحصيلة الاولية لأضرار العاصفة الرملية التي تضرب لبنان حتى مساء أمس. الحكومة أعلنت استنفار مختلف أجهزتها على أعلى المستويات وأقفلت
اكثر من ثلاث وفيات و1724 حالة اختناق هي الحصيلة الاولية لأضرار العاصفة الرملية التي تضرب لبنان حتى مساء أمس. الحكومة أعلنت استنفار مختلف أجهزتها على أعلى المستويات وأقفلت جميع الإدارات والمؤسسات الرسمية ودور الحضانة والمدارس، خوفاً من النتائج الكارثية للعاصفة التي يُتوقع أن تنحسر غداً، وطلبت من المواطنين اتخاذ كافة الاحتياطات، خصوصاً أنّ عدداً من المستشفيات لم يعد قادراً على استيعاب الأعداد الكبيرة للمصابين
ليس الشتاء وحده ما يقتل المواطنين واللاجئين، فالصيف أيضاً له حصة من الموت. حتى مساء أمس مات أربعة أشخاص بسبب العاصفة الرملية التي تضرب المنطقة، إلّا أن العدد مرشّح للارتفاع، إذ لا يوجد تعداد دقيق لضحايا هذا الطقس.
محمد إبراهيم أحمد نام ليل أمس على سطح منزله في بلدة الخريبة شرق بعلبك. الرجل البالغ من العمر سبعين عاماً تنشّق كمية هائلة من الغبار والرمال ما أدّى الى وفاته.
سيدة مسنّة من آل نمر لم تحتمل هذا الطقس الحار المسيطر على بلدة أنصار، خصوصاً أنها تعاني من السكري والضغط، فماتت بسبب ضيق في التنفس. عائشة، اللاجئة الستينية التي انتقلت منذ ثلاثة أيام الى عكار، زادت الرمال والغبار من معاناتها مع الربو، فتوفيت في بلدة المونسة في جبل عكروم. أمّا هدلا فقد ماتت في مستشفى تمنين.
استقبلت المستشفيات أعداداً هائلة من المصابين بحالات اختناق ونوبات ربو بلغ عددها حتى مساء أمس 1724 حالة اختناق، بحسب إحصاءات وزارة الصحة، علماً بأن هذه الاحصاءات تتحدث عن 3 وفيات حتى مساء أمس. وكانت الوزارة أعلنت ظهراً عن 750 حالة اختناق ووفاة امرأتين، إلّا أنّ هذا العدد ارتفع عصراً مع اشتداد العاصفة، خصوصاً بعدما أعلن الصليب الاحمر اللبناني أنّ عدد الحالات التي نقلها منذ أول من أمس حتى ظهر أمس ارتفع من 250 حالة عند الساعة الثانية ظهراً الى 352 حالة عند الساعة الرابعة، أي 100 حالة خلال ساعتين فقط، عدا عن الذين نُقلوا بوسائل خاصة.
وعليه، قرر وزير الصحة وائل أبو فاعور إغلاق دور الحضانة على كافة الأراضي اللبنانية اليوم، كذلك فعل وزير التربية الياس بو صعب الذي طلب إقفال المدارس الخاصة بسبب العاصفة الرملية، ليصدر مساءً عن رئاسة مجلس الوزراء قرار بإقفال جميع الإدارات والمؤسسات العامة!
العاصفة الرملية التي تشهدها البلاد مصدرها الحدود العراقية ــ السورية، وهي غطّت لبنان منذ مساء أول من أمس وتستمر اليوم لتنحسر الخميس، وفق ما أعلن رئيس مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي مارك وهيبي. ويشير وهيبي الى أننا «لم نشهد لها مثيلاً منذ ربيع عام 1998 وكانت أشد من التي نشهدها الآن ومن مصدر مختلف»، مؤكداً أن «الكتل الهوائية طبيعية وكذلك موجة الغبار والرمال».
أمّا مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية فقد ذكرت أنّه للمرة الأولى في لبنان يحدث تراكم للغبار بسماكة 2 ميليمتر في مناطق عكار والبقاع، إذ إنّ ما يشهده لبنان هو أسوأ موجة رياح صحراوية مغبرة أو عاصفة رملية خاصة في شهر ايلول. وأكدت المصلحة أن البلد يشهد «طقساً حاراً غير اعتيادي لعدّة أيّام مع رياح شرقية مغبّرة قادمة من العراق، ما يسهل حدوث حرائق، على أن تشتد موجة الحر في الايام المقبلة لتنحسر بداية الاسبوع المقبل»، محذرةً من «الآثار السلبية للحر على النفايات ما يزيد من التخمير».
لذلك أعلنت وزارة الصحة أمس حالة الاستنفار من خلال شبكة الرعاية الصحية الاولية والترصد الوبائي والمستشفيات الحكومية والخاصة المتعاقدة مع الوزارة، وكذلك من خلال الصليب الاحمر اللبناني لمتابعة الرضع، داعية «المواطنين إلى عدم الهلع والخوف والتقيد بالإرشادات والتوجيهات الصادرة عن الوزارة».
وحذّر ممثل وزير الصحة الدكتور بهيج عربيد، خلال الاجتماع الموسّع الذي عُقد لمتابعة تداعيات العاصفة الرملية، من أن «الغبار لا يؤدي إلى الاختناق أو إلى أمراض الرئة فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى انتشار الفيروسات والبكتيريا ويشكل وسيلة نقل للأمراض على أنواعها، لا سيما لدى الفئات الاكثر عرضة من كبار السن والاطفال والحوامل ومرضى الحساسية والربو والامراض الرئوية المزمنة ومرضى القلب».
وقد صدر عن الشبكة الوطنية لمراقبة نوعية الهواء بإدارة وزارة البيئة أنّ مؤشر جودة نوعية الهواء يشير الى أن مستويات الجزيئات في الهواء تصل الى نسب تركيز مرتفعة جداً في جميع الأراضي اللبنانية. فقد تخطت النسب في المناطق الداخلية، لا سيما في بعلبك وزحلة، المعايير الموضوعة من قبل منظمة الصحة العالمية، وذلك إبتداءً من يوم الأحد 6/9/2015.
أما في ما خصّ الجزيئات ذات قطر 2.5 ميكروميتر أو أصغر وهي الأخطر على الإطلاق لصحة الإنسان، فإن معدل النسب في بيروت بلغ أعلى نسبة تركيز تجاوزت 900 ميكروغرام/م3 عند الساعة العاشرة. أما في منطقة البقاع، فقد تخطى المعدل اليومي لهذا الملوث 200 ضعف الحدود القصوى المسموح بها عالمياً.
مدينة بيروت التي اكتسحها اللون الأصفر كانت الأقل تأثراً بالعاصفة، الا أنّ مناطق الشمال والبقاع حظيت بالضرر الأكبر.
في البقاع، نثرت العاصفة الرملية غبارها بشكل غير مسبوق على كامل المنطقة مع ارتفاع في درجات الحرارة والرطوبة. حُبِست العائلات في منازلها وسط انقطاع في التيار الكهربائي والمياه. مرضى الربو والحساسية شكلوا العدد الأكبر من المصابين الذين نقلوا إلى مستشفيات البقاع، وناهز عددهم 800 حالة حتى عصر يوم أمس.
أُدخل الى طوارئ مستشفى رياق العام في البقاع الأوسط ما يفوق 400 حالة تعاني ضيقاً في التنفس والاختناق. وفي مستشفى دار الأمل الجامعي بلغ عدد الحالات ما يقارب الـ100، وفي مستشفى الريان 30 حالة، ومستشفى الططري 32 حالة بينهم 7 عناصر من الجيش اللبناني، ودار الحكمة 80 حالة، والمرتضى 23 حالة.
وقد أكّد مدير مستشفى رياق العام الدكتور محمد حمد العبدلله أن أكثر من 400 حالة أدخلت إلى طوارئ المستشفى منذ مساء يوم الاثنين حتى عصر يوم أمس، وتوزعت الحالات بين من تلقّى الاسعافات الأولية في الطوارئ وغادرها، وبين من يعاني الربو والحساسية وأدخل أقسام المستشفى، إلا أنه نفى بشكل قاطع حصول وفيات في المستشفى بسبب العاصفة الرملية.
وإذا كانت العاصفة تهدد اللبنانيين القاطنين داخل منازلهم، فكيف تكون الحال لدى القاطنين في الخيم؟ إذ أشارت مصادر صحية في البقاع إلى أنه تم تسجيل نحو 300 حالة اختناق لدى اللاجئين السوريين، نقلوا الى مستشفيات المنطقة وتمت معالجتهم وإعطاؤهم الادوية والكمامات والارشادات لمواجهة حالة كهذه.
أمّا طرابلس، فقد شهدت إقبالاً كثيفاً على الكمامات، إذ أوضح الصيدلي أحمد الصمد أنه باع «أكثر من 500 كمامة في أقل من 3 ساعات»، كذلك انتشرت حواجز في الشوارع لتوزيع الكمامات مجاناً على المواطنين.
وامتدت آثار العاصفة إلى الأراضي الزراعية بعدما غطى غبار سميك أوراق الأشجار وثمار الفاكهة والخضر، ما دفع مزارعي الضنية إلى التخوف من أن «يؤدي هذا التبدّل في أحوال الطقس إلى تفتح براعم الأشجار المثمرة قبل أوانها، نتيجة الدفء وارتفاع درجات الحرارة المرافقة للعاصفة، ما سيؤثر سلباً على مواسمنا الزراعية العام المقبل».
جنوباً، وصل عدد الحالات المصابة الى أكثر 200، تم نقلهم الى مستشفيات مرجعيون وتبنين وبنت جبيل وميس الجبل. وسُجّل في مستشفى تبنين الحكومي استنفار غير مسبوق، نسبة الى عدد المصابين الذين دخلوا على دفعات متقاربة، بينهم حالات تستدعي العناية الفائقة.
ولفت مصدر في إدارة المستشفى الى دخول أكثر من 40 مصاباً، حتى الثانية من ظهر أمس، بينهم 4 حالات استدعى دخولها الى قسم العناية الفائقة، وهم من كبار السن. ورجّح المصدر أن تزداد هذه الحالات في المساء. وفي مستشفى الشهيد صلاح غندور، استقبل المستشفى حتى عصر أمس أكثر من 50 حالة. أمّا مستشفى مرجعيون الحكومي فقد وجّه نداءً إلى أبناء المنطقة لملازمة منازلهم، خصوصاً أنه لم يعد قادراً على استيعاب أعداد المصابين بحالات ضيق التنفس والأختناق.
الإجراءات الوقائية التي تطلب وزارة الصحة العامة من المواطنين اتخاذها للحماية:
1- تجنّب الهلع والخوف، والتصرف بهدوء.
2- تفادي الخروج وملازمة المنازل وإحكام إغلاق النوافذ وتشغيل المكيفات في حال توافرها.
3- عدم ممارسة الرياضة، كونها تتطلب تنشّق كمية كبيرة من الهواء.
4- عدم تناول الاطعمة المكشوفة الجوالة.
5- وضع الكمامات الواقية او منشفة مبللة ووضع النظارات لحماية العيون.
6- تناول الكثير من السوائل، خاصة الماء.
7- استنشاق بخار الماء لتنظيف الأنف من الغبار.
أما في حال ضيق التنفس وانخفاض ضغط الدم، فيجب التوجه الى أقرب مركز صحي أو الاتصال بالطبيب، كذلك في حالات السعال والصداع والالتهاب في العين.