تموضعات إقليمية ودولية تفرض إيقاعها
نبيل هيثم
ما بعد الحوار.. انتظار.
هذا ما تخلص إليه قراءة ديبلوماسية للحوار الجاري بين اللبنانيين. الملاحظة الأساس في تلك القراءة، من جهة، انه حوار يحظى بدعم داخلي، وبنسب متفاوتة جداً، بوصفه محطة تبقي شعرات التواصل قائمة بين قوى الانقسام السياسي، وحاجة ملحة لمحاولة تلمس حلول او مخارج للأزمة السياسية. وأنه من جهة ثانية حوار محصّن بدعم خارجي واسع، باعتباره عاملاً مساهماً في تعزيز الاستقرار في لبنان، ومنع انزلاقه الى منحدرات خطيرة.
إذاً، انعقاد الحوار بحد ذاته، وفق تلك القراءة، هو المطلوب، وبالتالي هو مريح للداخل والخارج ويخلق مناخات إيجابية تعزّز مظلة الأمان والاستقرار في لبنان. ولكن إمكان بلوغ نتائج نوعية أمر غير مضمون، إلا إذا حدثت معجزة تلزم المتحاورين بقواسم مشتركة حول أي من العناوين المطروحة على طاولة الحوار. وخصوصاً على مستوى رئاسة الجمهورية، وكذلك حول قانون الانتخابات الذي يُعدّ النقطة الأصعب في جدول أعمال الحوار، إذ إن كل طرف يريده على مقاسه، ما يجعل التفاهم عليه صعباً جداً.
تؤكد القراءة الديبلوماسية، أنه لا بد من تمديد حال الانتظار التي يعيشها لبنان، الى حين إنضاج بعض الملفات في المنطقة، والتي ما تزال في غاية التعقيد، والى حين دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ قبل نهاية الشهر الجاري.. وربطاً بهذا الانتظار تسجّل القراءة الديبلوماسية الملاحظات التالية:
ـ هناك من لبنان ما زال يبني آمالاً على مفاوضات سعودية ـ سورية تجري خلف الأضواء، مع أنها مقطوعة وغير قائمة على الإطلاق لا في مسقط ولا في اي مكان آخر. وهذا البعض لم يقتنع بعد بفشل المفاوضات التي جرت بين اللواء علي المملوك ومسؤولين سعوديين، مع أن مراجع لبنانية رفيعة المستوى تبلّغت من مسؤولين سوريين أن هذا اللقاء لا قيمة له ولا يمكن التعويل عليه.
ـ هناك في لبنان مَن هو مُصرّ على أن يبني تفاؤلاً في غير محله، ارتكازاً على اعتقاد وهمي بانعقاد مفاوضات سعودية إيرانية في مسقط، وأن لبنان ضمن نقاط البحث، علماً أن الجانب الإيراني يؤكد أن اللقاء السعودي الايراني لم يحصل على أي مستوى وفي أي مكان. فضلا عن ان مصادر اخرى تتحدث عن مزيد من التشدد في الموقف السعودي.
ـ حتى اليوم، الاولوية السعودية، هي اليمن الذي تحاول أن تتلمّس الخروج منه بإنجاز واضح، وتبعاً لذلك تفضّل بقاء الوضع في لبنان على ما هو عليه الى حين أن ترى هي الظرف مناسباً للتحرك في اتجاهه. وحتى ذلك الحين لا تبدو مهتمة بإنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان. وعلم ان سمير جعجع تبلغ خلال زيارته الأخيرة الى السعودية من المسؤولين السعوديين بما مفاده أن موضوع رئاسة الجمهورية في لبنان لم يحن أوانه بعد، والمرحلة الراهنة ليست مرحلة إنجازه.
ـ الملف السوري يتحرّك بوتيرة سريعة في هذه الفترة، حيث فرضت التطورات المحيطة به على القوى الدولية، وضعه على نار حامية. وبعض الوقائع ترجح إمكان حصول تبدلات جذرية في المشهد السوري، سيكون لها حتماً ارتداداتها على لبنان والمنطقة. ومنها أن الروس اصبحوا في سوريا، ليس على مستوى خبراء بل على مستوى قوات على الأرض، وقد رصدتهم «عيون» في بعض القواعد، وسمعتهم «آذان» مَن «تحادث» معهم والتقط الصور مع بعض الجنود والطيّارين الروس.
لقد بدأت عملياً إعادة تموضع غربية حول سوريا والنظام، ولقد ساهم في تعزيز هذا المنحى ما استجدّ حول موضوع المهاجرين السوريين الى اوروبا. فها هو وزير خارجية اسبانيا يدعو الى التفاوض مع الرئيس بشار الأسد من أجل مواجهة «داعش»، وكذلك فعل وزير خارجية السويد.
لقد كان الغرب قلقاً جداً من الإرهاب الذي ضرب أولاً «شارلي ايبدو» في فرنسا، وهدّد روما، وكذلك دولاً اوروبية اخرى. اليوم زاد القلق لدى الأوروبيين، هم خائفون من «داعش النائمة» المتغلغلة بين آلاف المهاجرين السوريين الذين قصدوا اوروبا. هم في الأساس سمحوا لمن هم عندهم أصلاً بالانتقال من دولهم الى سوريا والقتال الى جانب المجموعات الإرهابية ضد نظام الرئيس بشار الاسد، فإن خرجوا من تلك الدول أمر جيد، وإن قتلوا في سوريا أمر جيد أيضاً.
واما اليوم فقد انقلب السحر على الساحر وبات الأوروبيون قلقين من أن تكون مواكب المهاجرين الوافدة الى دولهم محملة بـ «الدواعش الأصليين»، ومن هنا جاء قرارهم مجتمعين بأن يشاركوا مباشرة، والى جانب النظام السوري ـ من دون أن يعلنوا ذلك ـ في قتال «داعش» ويحاربوها في عقر دارها، حماية لدولهم.
تلك الملاحظات الواردة في القراءة الديبلوماسية لا تعني أن التموضع قد تمّ، بل تؤشر الى بدايات تموضع، واما اكتمال الصورة فيتطلّب وقتاً طويلاً، ربما أشهراً، وربما سنة أو أكثر.
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه