لم يجد زعيم المختارة حرجاً في أن يعلن على الملأ أنه يترشح للمرة الأخيرة لرئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي
عماد مرمل- جريدة السفير
سواء أكنت مع وليد جنبلاط ام ضده، فإنه لا يسعك إلا أن تعترف بان هذا الرجل يملك قدرة فائقة على ان يصنع المفاجآت باستمرار، وان يُخرج من كمه الأرنب تلو الآخر.
ولأنه من هذه «الطينة»، لم يجد زعيم المختارة حرجاً في أن يعلن على الملأ أنه يترشح للمرة الأخيرة لرئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي التي يُفترض ان تؤول بعد سنة الى شخص آخر، لا يشتق نسبه من السلالة الجنبلاطية، وهو قرار اعتبره البعض جريئاً وغير مألوف في الحياة السياسية اللبنانية، بينما رأى البعض الآخر أنه ليس سوى «مناورة استعراضية»، لأن جنبلاط سيبقى ممسكاً بخيوط اللعبة.. ولو كان يحرّكها من خلف الستارة.
أما جنبلاط نفسه، فيبدو قاطعاً في تأكيد جدية خياره بالتنحّي عن رئاسة الحزب، بعد سنة، مؤكداً لـ«السفير» أن قراره المعلن في الجمعية العمومية الاشتراكية الأحد الماضي، هو قرار نهائي ولا رجعة عنه، ومشدداً على ان لا مجال لمناقشته في هذا القرار، حتى لو تعرّض الى ضغوط من القاعدة الحزبية لدفعه إلى إعادة النظر فيه.
ويوضح جنبلاط أنه سيعود عضواً عادياً في الحزب بعد انتخاب رئيس جديد له، «بما يتيح تداول السلطة بعيداً عن منطق الزعامة الأبدية او التوريث العائلي».
واستباقاً لما يمكن ان يُحكى علانية أو همساً، يشير جنبلاط الى ان رئيس الحزب المقبل لن يكون صورياً، بل سيتولى إدارة الشؤون الحزبية والسياسية، «أما زعامة المختارة فلها حيثية خاصة وستتم مقاربتها على هذا الأساس».
ويوحي جنبلاط بأن مغادرته رئاسة الحزب لا تعني انسحابه من الحياة السياسية، بقوله إن «موقعه في الحياة السياسية شأن آخر، وسنجد الصيغة المناسبة للتعامل مع هذا الأمر».
وإذ يشدد جنبلاط على ان دينامية التغيير الحزبي قد انطلقت، بما يواكب نبض التحولات الحاصلة في المجتمعات العربية، يطيب له ان يصف المرحلة المقبلة بـ«ربيع» الحزب التقدمي الاشتراكي، تماهياً مع الربيع العربي الذي «لا يجوز أن نبقى بمنأى عن مفاعيله العابرة للحدود».
وإذا كان «التقدمي الاشتراكي» قد قطع الأشواط الأولى على طريق التغيير عبر انتخاب مجلس قيادة جديد، ارتفع فيه منسوب الوجوه الشابة على حساب «الحرس القديم»، إلا ان المحك الحقيقي لـ«التحول الديموقراطي» يتمثل بالنسبة الى الكثيرين في وصول شخصية من خارج دائرة آل جنبلاط الى رئاسة الحزب بعد عام، علماً ان البعض داخل الحزب وخارجه ما زال غير مقتنع بأن هذه النقلة النوعية ستتم فعلاً في التوقيت المحدد، وذلك على قاعدة أن الفترة الفاصلة عن موعد التسلم والتسليم قد تشهد من التطورات وخلط الأوراق ما يتيح لوليد جنبلاط ان يؤجل عملية «خصخصة» السلطة ونقلها من العائلة الى «العموم».
والى ان يحين موعد الاختبار الحاسم، هناك في الاوساط الدرزية من يقرأ خطوة جنبلاط بالترشح للمرة الأخيرة، من زوايا مفتوحة على أكثر من تأويل واجتهاد. يعتقد أصحاب هذه القراءة أن جنبلاط أدرك انه لم يعد ممكناً ان يبقى وضع الحزب التقدمي الاشتراكي على حاله، في عصر يحمل توقيع جيل «الفايسبوك» والانترنت الذي ساهم بشكل رئيسي في إطلاق الثورات والانتفاضات على أنظمة القائد الواحد، وبالتالي فهو أراد أن يتكيف مع هذه الحقيقة ويأخذ المبادرة، لا سيما ان الحزب يعاني من ترهل مزمن، وبات يحتاج الى صدمة مضادة تعيد الاعتبار الى مفاهيم «الحزبية» و«التقدمية» و«الاشتراكية»، التي تتعارض مع أعراف العائلية والوراثة والقيادة الشخصية.
وهناك في الأوساط الدرزية نفسها من يعتبر ان ما ساعد جنبلاط على ان يتخذ خياره بالتنحي معرفته الجيدة بأنه لن يخسر شيئاً في نهاية المطاف، «وهو إذا كان سيتخلى عن الرئاسة، فإن الأكيد ان الحزب كله باق معه وله، لان اعتبارات الولاء لآل جنبلاط عموماً ولأبي تيمور خصوصاً، تتجاوز معيار التراتبية الحزبية، لا سيما ان الأخير نجح ـ برغم ما يؤخذ عليه من تقلبات وتموجات ـ في ان يملأ خانة الرقم الصعب داخل طائفته منذ ان حفظ وجودها في حرب الجبل، وما تلاها من محطات، الأمر الذي كرّسه «زعيماً تاريخياً» لـ«التقدمي الاشتراكي» وللطائفة، سواء أكان رئيساً للحزب أم نائباً أم وزيراً .. أم لم يكن».
وبهذا المعنى، فإن الرئيس الجديد للحزب سيملك بالتأكيد صلاحية التعيين والعزل والترفيع والثواب والعقاب وترؤس الاجتماعات وإلقاء الكلمات وإصدار البيانات، ولكن الجمهور الدرزي سيظل مشدوداً الى مرجعية وليد جنبلاط الذي لا تنحصر قاعدته في الحزب، بل لعل عدد مناصريه من غير المحازبين هو أكبر بأضعاف من عدد أولئك الذين يملكون بطاقات تنظيمية، وبالتالي فإن من ستؤول اليه رئاسة الحزب سيكون في موقع صعب، أولاً لأنه سيخسر تلقائياً المقارنة مع الرئيس السابق، وثانياً لأنه سيكتشف سريعاً ان ظل جنبلاط سيكون أقوى من الأصل.
ويذهب بعض «الخبثاء» في تفسيرهم لخطوة جنبلاط الى حد تصويرها بأنها «ضربة معلم» تهدف الى تحضير الظروف الملائمة لكي يتولى تيمور لاحقاً رئاسة الحزب بسلاسة، بعدما تكون المرحلة الانتقالية قد أخذت مداها الديموقراطي اللازم، بحيث يأتي استلام تيمور لمسؤولياته القيادية بعد حين، في مناخ ديموقراطي وتعبيراً عن إرادة حزبية، وليس نتاج التوريث العائلي الذي لم يعد يتلاءم مع معايير هذا الزمن ومواصفاته.
ويعتقد هؤلاء أن جنبلاط يدرك أن تيمور ليس جاهزاً أصلاً في الوقت الحاضر لتولي رئاسة الحزب، وبالتالي فهو يحتاج الى فترة تدريب وتأهيل، ستكون متاحة له خلال «المرحلة الانتقالية» التي ستمنح الأب والإبن الفرصة الضرورية لاستكمال شروط الجهوزية، وربما يجد جنبلاط انه من المفيد ان يترشح تيمور الى الانتخابات النيابية المقبلة، في إطار إخضاعه الى «معمودية النار» التي تمهّد لحمل «كرة النار»، على أن تكون الأرضية الحزبية جاهزة لتقبله، ومن غير المستبعد أن يكون عنوان الوجوه الجديدة في قيادة الحزب، وكلها شاركت بفعالية، في «ثورة الأرز»، من ضمن المقدمات الجنبلاطية، للخيارات القيادية المقبلة.