بدعوة من دار الأمير، شهد قصر الأونيسكو مساء الإثنين، ندوة عن كتاب "شاعر الحياة.. دراسة في شعر العلّامة السيّد محمد حسين فضل الله"، لمؤلّفه الدكتور رامز حوراني
بدعوة من دار الأمير، شهد قصر الأونيسكو مساء الإثنين، ندوة عن كتاب "شاعر الحياة.. دراسة في شعر العلّامة السيّد محمد حسين فضل الله"، لمؤلّفه الدكتور رامز حوراني، تكلّم فيها كلٌّ من رئيس اتحاد الكُتّاب اللّبنانيّين الدكتور وجيه فانوس، والدكتور مفيد قميحة، والدكتور رامز حوراني، ومدير عام دار الأمير الدّكتور محمد حسين بزي، وأدار النّدوة التي تلاها توقيع الكتاب، الأديب الأستاذ عماد شرارة.
شرارة
الحفل الذي حضره جهور كبير من المهتمّين، ولفيف من العلماء والأدباء والشّعراء والسياسيّين والدبلوماسيّين والإعلاميّين، بدأ بالنّشيد الوطني اللّبناني، ثم افتتح مدير النّدوة الأستاذ عماد شرارة الحفل بكلمة أدبيّة وجدانيّة، وممّا جاء فيها:
"إنّنا هو ...
نحنُ النّاسُ الذينَ نزرعُ الأحلامَ في حقولِ اللَّيل، والأذانَ في فجر صباحات الغد ..
والشّمسَ في مشاويرِ النّهار، ودعاءَ الأمّهاتِ في تغريباتِ الحقول ..
إنّنا هو ...
نحن الّذينَ كتبْنا شتولَ التّبغِ على صفحةِ دفترِ الجنوبِ وعكّار ..
والقمحَ على اتِّسَاعِ السّهلِ الممتنعِ في البقاع، والتّفاحِ في أعلى جُرودِ جبلِ لبنان ..
والنّوارسَ على كفِّ بحرِ لُؤلُؤةِ المتوسّطِ بيروت ..
إنّنا هو ...
السّجُودُ في صلاتِهِ، والدُّعَاءُ في مشوارهِ الدّائِم إلى اللهِ سُبْحَانَهُ، وسُكونُ قصيدتِهِ، ولغةُ لغتِهِ ودوائرُ كلامِهِ ..
إنّنا هو ...
خفقةُ قلب محبَّتِهِ وقد شَجَّهُ الحزنُ نصفين؛ نصفًا على هِجْرَتِنَا، ونصفًا على هَجيرنا، إنّهُ تُهمتُنا بالحبِّ والحربِ، مكتبتُنا وكتابُنا، حقلُ زيتُونِنا وتِينِنا، حديقةُ أفراحِنَا وأزاهيرُ ضحكتنا ...
علّمنا كيف نحْيا مع كُلِّ النّاسِ.. كيفَ نقاوِمُ ونعترفُ بالآخرينَ ونُشارِكُ.. كيفَ يكونُ لبنان ومعهُ العربُ والإسلام.. كيف نُصَلِّي للهِ وليس للحاكم وللأوثان، وعلّمنا كيف يُنْكِرُنَا الحَاكمُ في عَطَشِنَا، وأنْ نذكُرَ الله في الماءِ، وأنْ لا نُعطِيَ إعطاءَ الذَّليل.
إنّنا هو ...
صاحبُ السّماحةِ العالمُ الفقيهُ المرجِعُ الأستاذُ الإمامُ، إمامُ الفقراءِ تأسيسًا في النّبعةِ، الخطيبُ، الواعظُ الباحثُ، وأخيرًا لا آخِرَ، الشّاعِرُ الجميل.
وَبِما أنّها كثيرةٌ الرّوافِدُ التي تتفرّعُ من نهرِ السّدّ، وكُلٌّ منها تحتاجُ السّباحةَ فيه مهارةً وخبرةً ولياقةً أدبيّةً وفكريّةً ونقديّةً عميقةً وواسعةً، وبما أنّهُ من الكبار الّذين لا يدعونَكَ تَمْتَشِقُ عيونَ الذّاكرةِ، فهو دائمًا أمامَ ناظِريكَ، ونتاجُهُ بين يديك، من هنا اندفعَ الصّديق الأديب والنّاقد الدّكتور رامز الحوراني، مُقتحِمًا الظّهِيرةَ المُشتعِلَةَ، واثقًا بما لديهِ من إلمامٍ وتمكُّنٍ وحرفيَّة بحثيّةٍ ونقديّةٍ، رافعًا بيرق العلاّمة السيِّد "شاعر الحياة "، لإيمانِهِ بأنّ شِعْرَهُ مثْلُ فكُرهِ، يصلحُ معراجًا إلى الله."
بزّي
الكلمة الأولى كانت لمدير عام دار الأمير الدّكتور محمد حسين بزّي، وممّا جاء فيها:
"في محضر العلّامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، يتدافع حضور السيّد أكثر من الكلام عنه، لهذا أردتُها كلمات بسيطة بساطة الحقيقة.. وتعمّدتُها عبارات تضيفُ ويُضاف إليها، لأنَّ من ادَّعى كمالاً ليس على فطرتنا، ولا هو من عشيرتنا.
أمّا قبل، كانت الكلمة، وكان الشّعور، فكان الإنسان.
وأمّا بعد، كانت إرهاصات الاجتماع البشريّ، وكان الأنبياء والأولياء، العشق النّازل من السّماء إلى الأرض، والصّاعد منها إليها، وكان بينهما الشّعر.
كان الشّعر ولم يزل؛ خبزاً للوجع، للحبّ، للآمال، للمسؤوليّة والقيام.. فالشّعر أجمل الطّرق للغايات الرّفيعة، وأسرعها وصولاً واستواءً في القلب.
في آخر لقاءٍ جمعني بسماحة السيّد فضل الله، وكان المرض قد نال منه؛ حدّثني أيضاً عن الشّعر، وعن الفكرة النّبيلة ومسؤوليّة بثّها بين النّاس، حدَّثني عن الحياة، عن حياته فينا وعياً وحبّاً ورحمةً حتّى بالأغيار.
المرجع السيّد فضل الله كان شاعر الحياة بكلّيات المعنى، وغائيّات الرّسالة، لأنَّ شعره كان نِتاج فكره وثورة همّه، فلعَمري كان مفكّر الحياة القائمة على أصالة الإنسان وكرامته، حيث نظَّرَ وأسَّس ودافع وحارب وحورب؛ لأنّه أيضاً فقيه الحياة.. ولم يزل.
وكتابنا المحتفى به يبشّر بآفاق ثريّة، ومنهجيّة مشهودة في السّبك والهضم والتّأويل. ولقد استوقفتني الحيويّة المستمرّة في الكتاب، في التّفكيك والرّبط بين لحظة الشّعر واستشراف المستقبل المنشود، كأنَّ المؤلِّف أمسك بقارورة الوجدان الشّعري للسيّد، ففاح فينا المدى الخلّاق للرّؤى. لقد أضاء لنا الدّكتور رامز حوراني من نور قلبه في النّصّ، فأتى نثره كما الشّعر، وأحياناً أرهف".
فانوس
تلاها كلمة رئيس اتّحاد الكُتّاب اللّبنانيّين الدّكتور وجيه فانوس، وممّا جاء فيها:
"هي جرأةٌ مبدعةٌ ومحمودةٌ تلك الَّتي قام بها الصَّديق الدّكتور رامز حوراني، إذ قرأ العلامة المجتهد سماحة السيِّد محمَّد حسين فضل الله(رض) شاعراً! أمَّا جوهر الجرأة، فيكمن في أنَّ الصَّديق رامزاً، كان يسعى إلى تحيقٍ في عين الشَّمس المشرقة المتوهّجة رؤىً. وأمَّا الإبداع، ففي أنَّ الدّكتور حوراني سعى لأن يقرأ شعر سماحة السيِّد(رض)، ويتحمَّل مسؤوليَّة ما فهمه من إبداعاته الرّؤيويَّة إلى الآخرين. وأمَّا المحمود في الأمر، فهو في كلِّ ما قام به الدّكتور رامز حوراني في هذا المجال، إذ ساهم في أن يكون من ضمن الأصوات الّتي ما انفكَّت تصدح برؤى سماحة السيِّد(رض)، وتسعى إلى التعمُّق في عالم شاعريّته.
وليس الخوض في غمار عطاءات سماحة السيِّد فضل الله(رضي) بالأمر اليسير؛ فعطاءاته، الأدبيَّة، كما تلك المعيشيَّة، بنت تعمُّقٍ لحياةٍ تبدأ من رحاب عاملة في لبنان، لتنعم بفيوضات العرفان ومناهله في حوزات النجَّف الأشرف، وتعود إلى لبنان تعبُّ من ثقافة عالميَّة كونيَّة منفتحة ضمن أصول الرُّؤى الدينيّة والإلهامات الرحمانيّة. ولذا، كان على الدّكتور رامز حوراني أن يعرف كيفيَّات الغوص في هذه المنابع الثّقافيّة جميعها، ليتمكَّن من دراسة ما فاضت به العطاءات الشعريَّة لسماحة السيِّد(رض)، وليقدر، تالياً، على توصيل نتائج دراساته هذه إلى الآخرين.
إنَّها تحدّيات يثبت رامز حوراني من خلالها تلك الجرأة المبدعة والمحمودة، إذ يقرأ شعر سماحة السيِّد فضل الله(رض)؛ ويؤكِّد، عبر هذه القراءة، أنَّ الحياة الثَّقافيَّة والأدبيَّة في لبنان، ما انفكَّت تسمو على ترّهات العيش وخزعبلات السياسة؛ وما زال الإنسان سيِّد القيم الحقيقيَّة بوعيه وطاقاته الإيمانيَّة وإمكانيَّات تفاعله العرفانيَّة".
وتحدّث الدّكتور مفيد قميحة، وممّا قاله:
"يشرّفني في يوم الاحتفاء بالكلمة، وبالكتاب الَّذي يحفظ الكلمة، أن أقف بينكم في هذا الصَّرح الثَّقافي الوطنيّ، مرحِّبًا بأهل الفكر والكلمة، مثمِّنًا للصَّديق العزيز الدّكتور رامز حوراني كتابه الجديد "شاعر الحياة" الصَّادر عن دار الأمير، والّذي تضمَّن فصولاً ستّة وعناوين لموضوعات عدَّة، تناولت بالقراءة والدَّرس والتَّحليل شعر شخصيّةٍ من أعظم شخصيَّات الأمَّة الإسلاميَّة فكرًا وأدبًا وحضورًا وجهادًا واجتهادًا وبذلاً وعطاءً، هو سماحة العلامة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله (رضي الله عنه وقدّس ثراه)...
لقد كان شعر السيِّد شعر الإنسان، ونسيج الذَّات والمعتقد، نسيج القلب والجوارح، نسيج الحياة الّتي اعتقد أنَّ الموت جزءٌ منها، فلو كان الموت نهايةً، لكانت الحياة فراغًا وباطلاً، ولما كان لهذا الوجود الّذي نكابد من معنى، فالموت مرتبطٌ بالحياة وطريقٌ إليها، والكلمة هي فيض هذه الحياة وصورتها.
أمّا أنت يا أخي رامز، فقد أبليت في كتابك "شاعر الحياة" البلاء الطيب، واجتهدت اجتهاد المتمكّن، ودرست فيه شعر عَلمٍ من أعلام هذه الأمّة، ومصلحٍ من كبار مصلحيها، ومجتهدٍ من أعاظم مجتهديها، واستطعت أن تلج إلى بنية ذلك الشّعر فكرًا وفنًّا، وتقف على بداعته الوجدانيّة والفكريّة والروحيّة، من خلال سوح معمَّق في تلك البواعث التي لا يستطيع سبر أغوارها إلاّ من أوتي حسًّا أدبيًّا مرهفًا، وصفاءً ذهنيًّا عاليًا، وثقافةً قادرةً على الإضاءة والكشف، فالعالم الرّوحيّ لسماحته عالم غامضٌ، لا تتراءى منه إلاّ أطياف عابرة، تخطر مسرعةً سرعة البرهة واللّحظة والومضة، وترفض الإقامة في الفضاء المادّيّ الصّرف، مفتّشةً عن مكانها في أرواحٍ ارتضت أن تحلِّق بعيدًا في ذرى الوجد وفناءات العشق وأبعاد الحلول والاتحاد".
حوراني
وكانت كلمة مقتضبة لمُؤلّف الكتاب الدّكتور رامز حوراني، الّذي شكر فيها المنتدين والحضور، وممّا جاء فيها:
"لماذا هذا الكتاب؟ في هذا الزّمان الأغبر الَّذي تشظَّت فيه الأمَّة العربيَّة والإسلاميَّة إلى طوائف ومذاهب، وكادت فيه الوحدة تكون مستحيلة، وجدنا من واجبنا تسليط الضَّوء على الفكر الإسلاميّ الصَّافي الّذي يدعو إلى التَّكاثف والتَّضامن والانفتاح. وهذا التَّفكير يتألّق في شعر العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، وهذا ما دفعنا إلى تناول هذا الموضوع في هذه الظّروف الصّعبة."