21-11-2024 10:47 PM بتوقيت القدس المحتلة

تسيبراس يعود منتصراً على الجميع: فوز في رصيد اللاجئين!

تسيبراس يعود منتصراً على الجميع: فوز في رصيد اللاجئين!

ما قصة هذا البطل الإغريقي المعاصر؟ اليكسيس تسيبراس يفاجئ جميع من راهنوا على سقوطه إلى نهاية تراجيدية. ها هو يعود إلى الحكم، وأي عودة!


وسيم ابراهيم

ما قصة هذا البطل الإغريقي المعاصر؟

اليكسيس تسيبراس يفاجئ جميع من راهنوا على سقوطه إلى نهاية تراجيدية. ها هو يعود إلى الحكم، وأي عودة!

تخلص من الجناح المتصلب في حزبه «سيريزا»، اليساري الراديكالي، ليعبر تحت أنقاض وعوده المنهارة، ثم يفوز تقريباً بالنسبة ذاتها التي جلبته للحكم في بداية السنة.

هكذا يكرّس السياسي الشاب (41 سنة) السابقة الأوروبية: الزعيم اليساري الوحيد في التكتل الأوروبي يعد بأنه سيواصل «الكفاح»، الواقعي هذه المرة.

لا ينتظره فقط امتحان التعافي من الأزمة المالية، بعدما اضطّر لقبول خطة انقاذ مالية بشروط تقشّف قاسية. بلاده باتت محطة مفصلية في أزمة أوسع. إنها البوابة الأوروبية لسيل اللجوء، المستمر في التدفق وفي شغل صناع السياسة المشتركة.

انتصار الزعيم اليساري يمكن أن يحتسب لصالح اللاجئين أيضا، خصوصا حين رؤية ما الذي يمكن أن يفعله فجور بعض زعماء اليمين الأوروبي، كما يحصل في المجر. آخر فصول رئيس وزرائها، فيكتور أوروبان، تمرير قانون يسمح للجيش بصدّ اللاجئين، في حال الحاجة، عبر التدخل «غير القاتل!».

لن يكون دقيقا تكرار القول إن اليونانيين أعطوا تسيبراس «فرصة ثانية». ما أعطوه إياه، بالأحرى، هو «فرصة ذهبية» للحكم. حينما فاز في انتخابات بداية العام، كان تسيبراس في عنق زجاجة لا يحسد عليه. كانت لديه تركة ثقيلة من شروط التقشف، بعد خطتي انقاذ لبلاده التي عصرتها الأزمة المالية منذ 2010. أطلق وعودا ثورية برمي التقشف في سلة مهملات «الشعب يريد»، لكنه اصطدم ببناء كامل صممته بروكسل والمانيا للانقاذ.

خلال مرحلة تحديه لإرادة كهنة القرار الأوروبي، اكتشف الزعيم الشاب أن محاولاته عابثة.

قال مرة إنه جاب الأرض تقريبا، لكن لا بديل عن قروض الانقاذ الأوروبية. اختار المواجهة، فذهب الى استفتاء رفض فيه الشعب التقشف، لكنه تقهقر بعدما وُضع أمام احتمالين: مغادرة منطقة اليورو، أو القبول بالانقاذ لكن بشروط تقشف أكثر قسوة مما رفضه الشعب.

حينما قبل خطة الانقاذ وشروطها التعسفية، كان التعليق الأكثر تكراراً أن الرجل انتحر سياسياً. استند هذا التقدير أيضا إلى ازدياد وضوح التشقق في حزبه. الخلافات لم تكن جديدة داخل «سيريزا». اللجنة السياسية للحزب كانت منقسمة أصلا، خصوصا حينما جرى انتخاب من سيتزعمه. وقتها فاز تسيبراس بأصوات نحو 70 في المئة من أعضاء الحزب. وكان خصمه الداخلي هو زعيم الجناح المتشدد في «سيريزا»، بانايوتس لافازانيس. الرجل اختاره تسيبراس ليكون وزير الطاقة في حكومته السابقة، لكنه انقلب ضده مع 25 نائباً من الحزب خلال إقرار خطة الانقاذ المثيرة للجدل.

كان من الصعب جداً مواصلة الحكم وسط هذه الظروف، فاختار تسيبراس المخاطرة بالدعوة الى انتخابات مبكرة. رهانه كان ناجحا بشكل فاجأ جميع المعلقين، وكذا استطلاعات الرأي.

كانت التقديرات تقول إن المنافسة شرسة: المزاحمة على أشدّها، و «سيريزا» يسير كتفا لكتف مع حزب «الديموقراطية الجديدة» (اليمين الوسطي).

وسط أجواء كهذه، جاءت المفاجأة كبيرة: تسيبراس نال 35.5 في المئة من الأصوات، أقل أعشار بالمئة من نتيجة الفوز الأول، متجاوزا بأريحية غريمه الذي حصل على 28 بالمئة.

هكذا حصل «سيريزا» على 144 مقعداً، من أصل برلمان يضم 300 نائب. عاد للتحالف مع شريكه السابق، حزب «اليونانيين المستقلين» الحائز على عشرة مقاعد برلمانية. المنشقون عن حزبه، ليشكلوا حزب «الوحدة الشعبية»، لم يحصلوا على ثلاثة في المئة لدخول البرلمان.

كان واضحاً أن اليونانيين، من ملّوا الزعامات التقليدية التي أوصلتهم إلى قاع الأزمة، فصوتوا لزعيم بات محصّنا بشعبية كبيرة.

تسيبراس كان يراهن على ذلك، لكنه بات أمام كل الخصوم. قال بعد ظهور النتائج إن الفوز هو «تفويض بوضوح الشمس» منحه إياه اليونانيون «لمواصلة الكفاح داخل وخارج البلاد». إنه «الكفاح» تحت سقف الممكن، هذه المرة، وليس سماء سرج الأحلام. قال تسيبراس إن «التفويض» واضح لتطهير بلاده ونظامها من «الابتزال والفساد». تفويض من أجل تحقيق الممكن: «التعافي من الأزمة لا ياتي بطريقة سحرية، لكن يمكن أن يأتي عبر العمل الشاق».

رفض القول إن معركته ضد التقشف كانت عبثية. ذكّر اليونانيين، من تعاطفوا معه ومحضوه ثقتهم مجدداً، بأنهم خاضوا معركة «مشرفة» لصورتهم: «في أوروبا اليوم، اليونان والشعب اليوناني هما مرادف للمقاومة والكرامة». لا مفر أمام تطبيق شروط الانقاذ، لكنه شدد على أنه سيحاول تخفيف وطأة التقشف على الفئات الأشد فقرا. حاجج بأن الاتفاق مع الدائنين لا يزال فيه أمكان للتفاوض. تحديدا لجهة من يمكن أن يتضرروا من تعديل قوانين العمل، وأولئك الملاحقين بالطرد من بيوتهم بسبب قروض مصرفية متعثرة.

التحدي الأساسي سيكون المضي في تطبيق خطة الانقاذ، مع كل الآلام الاقتصادية التي ستلازمها. سيكون التطبيق سيفا مسلطا للحصول على قروض الانقاذ، من خطة حجمها 86 مليار يورو، مع مراجعة دورية. هناك مهانة بيع، أو خصخصة، عشرات المليارات من الأصول العامة، زيادات الضرائب وتقليص الرعاية الاجتماعية. الضغوط لا تأتي فقط من ملاحقة التطبيق، بل من ضرورة النهوض باقتصاد تقلّص 25 في المئة بفعل الأزمة. الضرر مستمر مع تواصل حالة الطوارئ في النظام المصرفي، والقيود المستمرة على حركة رؤوس الأموال.

«ازمة اللاجئين»، كما يسمّيها التكتل الأوروبي، هي قضية ساخنة على تسيبراس الانخراط في معالجتها. سيكون بين الزعماء الأوروبيين الذين يعقدون قمة طارئة غداً، في محاولة جديدة لإقرار سياسة موحدة. الاجتماع سبقه اليوم التمام طارئ أيضاً لوزراء الداخلية الأوروبيين. الخلافات متواصلة بين مؤيدي ومعارضي توزيع اللاجئين وفق نظام «الحصص الالزامية»، بحسب خطة اقترحتها بروكسل.

وزراء معسكر الرفض، بقيادة المجر، التقوا أمس لتنسيق مواقفهم. لا يريدون «الالزام» بأي شكل كان. مستعدون لقبول حصص «تطوعية». جمهورية التشيك بعثت رسالة رسمية إلى بروكسل تحاجج بأن فرض «الحصص الالزامية» سيكون «غير قانوني» وفق المعاهدات الأوروبية. هذا التصلب تتشاركه أيضا سلوفاكيا وبولندا بمؤازرة صريحة الآن من رومانيا ولاتفيا.

وسط هذا الانقسام يحضر فوز تسيبراس ليكون في رصيد سيل «اللاجئين». حكومة يسار راديكالي لا يتوقع أن تخاطر، حتى لو حوصرت سياسيا، بصد اللاجئين والمواجهة معهم. حكومات اليمين تتدرج مواقفها، لكن بينها حكومة مجرية لم تمانع في شن حملة قمع شرسة، مخجلة لدرجة أن بعض شركائها في الاتحاد اضطروا للتنديد بها.

ينشر أوروبان وعيده في كل مكان. طنجرة تبحث دائما عن أغطيتها لبث التهديدات. البرلمان الذي يهيمن عليه حزبه، مرر قانونا يعطي الجيش الحق في التدخل ضد اللاجئين. يواصل إيصاد حدود المجر مع صربيا، لكنه ينخرط مع كرواتيا لشحن اللاجئين بعيدا. لا يريد صدامات مع السيل بين أراضي دولتين في الاتحاد، ولذلك ترسل المجر الباصات لنقلهم إلى الحدود مع النمسا.

المانيا تقول إن التصلب لن يفرض رأيه. مستشارتها أنجيلا ميركل قالت أمس «نحن بلد كبير، نحن دولة قوية... (لكن) على أوروبا التحرك معنا وتحمل المسؤولية، المانيا لا يمكنها أن تتنكب هذه المسؤولية لوحدها».
تصر برلين على توزيع 120 ألف لاجئ، وفق نظام «الحصص الالزامية»، ليكون ذلك الحجر الأساس لسياسة دائمة على ذات المنوال. هذا العدد سيكون مجرد خطوة أولى، وسيتكرر كلما طلبت دولة تشهد اكتظاظا تفعيل الآلية. لهذا السبب، يحاول معسكر الرفض فعل كل الممكن لعدم تثبيت آلية العمل هذه، أو على الأقل تعديل سقفها بقدر الامكان.

وجود حكومة يقودها اليسار الراديكالي سيكون لها تأثير مهم في هذه المعمعة. بعض الرأي العام اليوناني يتأثر بالأزمة لغير صالح اللاجئين. مثلا، حزب النازيين الجدد، «الفجر الذهبي»، حل ثالثا في الانتخابات اليونانية، مع 7 في المئة تقريباً من الاصوات، أعطته 18 نائبا في البرلمان. هذا الحزب نال مزيدا من الدعم في الجزر اليونانية التي يصلها سيل اللاجئين، في جزر ليبسوس (ارتفع الدعم إلى 13 في المئة) وكوس وساموس.

الامتحان يقترب من محطة جديدة، فجموع من اللاجئين باتت تريد سلوك الطريق البري. البعض يتحدى العبث في الخضوع للمهربين، تحت عين سياسة «النعامة» الغامضة في تركيا. هؤلاء يأخذون طريقهم الآن متوجهين إلى المعابر البرية بين اليونان وتركيا. أصلاً العلاقة بين الدولتين متوترة تاريخيا، بسبب الخلاف حول قبرص التي فرضت أنقرة عسكريا تقسيمها إلى تركية ويونانية. لو كان الفائز في الانتخابات اليونانية حكومة يمين، لكان على سيل اللاجئين التفكير مليّا قبل محاولة تجاوز حدود يحصّنها شقاق تاريخي!

assafir.com

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه