لسنا نعتقد أن هناك مُتابعٌ إعلامي أو ناقدٌ أدبي بإمكانه أن يجعل من إطلالة أو مقابلة للسيِّد حسن نصرالله مادة للتحليل السياسي،
أمين أبوراشد
لسنا نعتقد أن هناك مُتابعٌ إعلامي أو ناقدٌ أدبي بإمكانه أن يجعل من إطلالة أو مقابلة للسيِّد حسن نصرالله مادة للتحليل السياسي، لأن كلام سماحته، بأدبياته الراقية، واضحٌ وصريح، بحيث لا يُمكن أن تكون هناك كلمة واحدة تحتمل التأويل أو التفسير أو الإجتهاد، وما يرغب سماحته في قوله يُجاهر به، وما لا يراه مناسباً للشرح في الوقت الحاضر يُعلن تأجيله لمرحلةٍ لاحقة.
هذا ما يُدركه الخصوم قبل الحلفاء في لبنان والخارج، بمن فيهم الإسرائيليون، الذين ينتظرون إطلالته بشغفٍ مُلفت لأنهم يصدقّونه ولا يصدِّقون حكومتهم وقيادة جيشهم – على حدِّ تعبيرهم – خاصة بعد العام 2000، ولو أنهم يترقَّبون بعد كل إطلالة، نتائج ما يُعلنه خبراء لغة الجسد لديهم عن تحليل قوَّة إنفعال السيِّد وحركات اليد، وبخاصة عندما يرفع السبابة، وعدد المرَّات التي يلوِّح بها إنسجاماً مع نبرة الرسالة التي يرغب بإبلاغها.
إذاً فإن إطلالات السيِّد وكانت آخرها يوم الجمعة الماضي عبر قناة "المنار"، هي بالنسبة لنا كلبنانيين، دائماً الأوضح والأصرح وتسمِّي الأمور بأسمائها، لأنه لا يكتفي بالعموميات بل يدخل في صلب المواضيع ويسهب في التفصيل عند الحاجة، إنطلاقاً من مسؤوليته الشعبية أمام "أهله وناسه" ويعني بهم الشعب اللبناني كل الشعب اللبناني، وكلمة المسؤولية الشعبية هي أقرب الى فكر السيِّد من المسؤولية السياسية، بعد أن غدا مصطلح السياسة في لبنان يبتعد عن احتضان الناس وإدارة شؤونهم العامة وفق الأصول وضمن المؤسسات، وبات مصطلحاً للصراعات الحزبية وتمترس الزواريب وتناحر الفرقاء، ومن كان الوطن المُحرَّر ميدانه يربأ بنفسه عن الدخول في الزواريب.
ولأننا نرغب بمخاطبة السيِّد من منطلق حيثيته الشعبية بالنسبة للبنانيين بمختلف شرائحهم، نتوقَّف عند قوله في مقابلته الأخيرة :"المشكلة في لبنان هي أن الدستور لم يتحدث عن استفتاء، وهذا عكس ما تنص عليه أغلب الدول التي لديها دساتير وانتخابات، وأن المدخل للحل في البلد هو قانون انتخابات جديد يقوم على النسبية، مشيراً الى أن من يرفض النسبية هو ديكتاتوري لأنه يرفض في منطقته وفي طائفته شريكا له، بينما النسبية تتيح ان يكون له شريك".
في إحدى المظاهرات الرمزية التي انطلقت من المتحف الى ساحة رياض الصلح، حمل المشاركون شموعاً والتزموا الصمت، لكن أحد المشرفين على التحرُّك أدلى بتصريحٍ جاء فيه: "نحن نطالب السيِّد حسن نصرالله، كما حرَّر الوطن أن يستعيد لنا الدولة بمؤسساتها".
ولأن سماحة السيِّد أوضح في مقابلته الأخيرة "أنه عندما بدأت التحركات في الشارع ظهر لنا أن ما تطرحه من عناوين هي محقَّة، وأن أية شريحة شعبية تطرح مطالب محقَّة وتتحرك لخدمة هذه المطالب فهذا جيد ولا نقف بوجهها..، وأن اهتمام حزب الله بالشق الاجتماعي ليس جديداً، ونحن اول مقاومة بالتاريخ اعتنت برجالها وشبابها وجرحاها وتعمير المنازل المهدمة وترميم المنازل وتقديم الخدمات الاجتماعية بمعزل عن الدولة، ونحن في حزب الله من أكثر القوى السياسية اهتماماً وعطاء بالشأن المعيشي".
من قلب معاناة الشعب صرخة: إذا كان الدستور هو ضابط المؤسسات، وطالما أنه عُدِّل عدة مرات لظروف استثنائية، وأحياناً لمصلحة أشخاص، فإن أُولى المطالب الشعبية أن يُعدَّل هذا الدستور ليتضمَّن حق اللبنانيين بالإستفتاء وخاصة في الأمور المصيرية والقضايا الوطنية، وهذا التعديل يتقدَّم على ما عداه من الحقوق الشعبية، لأن هناك أحداثاً خطيرة طرأت على الوضع الداخلي اللبناني منذ خمس سنوات وحتى الآن تغيَّرت معها مفاهيم الناس، وباتوا يُطالبون بدولة قادرة عادلة تحفظ وطناً محرراً وشعباً طالت عذاباته، والمزاج الشعبي اللبناني تخطَّى محوري 8 و 14 آذار، وباتت الغالبية الساحقة من هذا الشعب مع الخيارات الضامنة للمصير والحياة الكريمة، ولهذه الأسباب يرفض أصحاب الرهانات الخاطئة فكرة أي استفتاء، وسماحة السيِّد خير العارفين.
وكما يرفض البعض قانون النسبية لإستمرار استحواذهم غير المشروع على حقوق الغير، يرفضون فكرة الإستفتاء، ليس خوفاً من آراء "البيئة الحاضنة" اللصيقة بالمقاومة لأن رأي هذه البيئة معروف، بل من أنصار المقاومة على امتداد المناطق والطوائف والإنتماءات، ولأن رافضي الإستفتاء من السياسيين سقطوا أمام أرقام كل العينات الإحصائية التي أجريت سابقاً، والتي أثبتت على سبيل المثال الواقعي أن 80% من اللبنانيين هم مع وجود حزب الله في سوريا حمايةً للبنان، وأن أكثر من 80% هم مع النسبية التي تؤمِّن عدالة التمثيل، لذلك يرفض هؤلاء السياسيون فكرة الإستفتاء وسوف يستمرون بالرفض، لأن المتغيرات حصلت في شوارعهم الشعبية والإنتخابية وليست في شوارع المقاومة وحلفائها، وإذا كان سماحة السيِّد يُمارس السياسة في السنوات الخمس الأخيرة، من مُنطلق استيعاب ردود الفعل غير المسؤولة أحياناً، فلأنه أراد تجنيب الوطن فِتَناً أرادها الآخرون للوطن وللشعب وسيلة لتستجلب الفتن الإقليمية، علماً بأن المقاومة خلال السنتين الأخيرتين خاصة، كانت منهمكة بحماية أطول حدود برِّية للبنان من ناحية القلمون، مع وجود تهديد إسرائيلي لا يجوز إغفاله جنوباً.
إن طرح تعديل الدستور على طاولة الحوار لجهة جواز إجراء إستفتاء شعبي شامل، يجب أن يتقدَّم على ما عداه من المواضيع، لكن أية دعوة من حزب الله لتعديل دستوري يُجيز استفتاء الشعب الثائر التائه بين حراكٍ وآخر، قد يتمّ تفسيره وكأن الحزب يرغب الإستقواء بقاعدة شعبية مضمونة داخل بيئته الحاضنة أو على مستوى أنصار المقاومة وحلفائها من سائر الطوائف، وهذا ما لا تراه قيادة المقاومة مناسباً في الوقت الحاضر رغم حرصها على رأي الشعب، منعاً لموجات التباكي و"الإستبكاء" ممّن ليس من مصلحتهم العودة الى الشعب لا الآن ولا في المستقبل، والوضع اللبناني بغنى حالياً عن الإهتزاز الداخلي الذي تعبُر من خلاله أدوات زرع الفِتَن.
في الخلاصة، على اللبنانيين الإنتظار والحوار في الوقت الضائع، لأن للحوار إيجابياته ولو بقي من دون نتائج، ويبدو أن من راهنوا على متغيّرات إقليمية ما زالوا يأملون أن تنتصر رهاناتهم ليعودوا مظفَّرين، وهُم مستمرون في رهاناتهم، ولا بدّ للبنانيين وللمقاومة تحديداً من الإستمرار في استيعاب المغامرين حرصاً على الوطن والشعب والإنجازات العظيمة، بانتظار ما يبدو أنه نهاية اللعبة وسط الرياح الدولية القادمة التي لن تكون لصالح الإرهاب والمراهنين عليه...