21-11-2024 05:04 PM بتوقيت القدس المحتلة

مناقصة الخلوي: من يحمي «داتا» اللبنانيين من الاختراق الإسرائيلي؟

مناقصة الخلوي: من يحمي «داتا» اللبنانيين من الاختراق الإسرائيلي؟

في الثامن من تشرين الأول، تنتهي مهلة تقديم عروض الشركات المهتمة بإدارة قطاع الهاتف الخلوي في لبنان.


ايلي الفرزلي

في الثامن من تشرين الأول، تنتهي مهلة تقديم عروض الشركات المهتمة بإدارة قطاع الهاتف الخلوي في لبنان.

ست شركات سُمح لها بالاستمرار في المناقصة بعد رفض مشاركة «أوراسكوم»، هي: «فودافون» (إنكليزية)، «أورانج» (فرنسية)، «ماكسيس» (ماليزية مملوكة جزئياً من شركة الاتصالات السعودية)، «زين» (كويتية تشغل حالياً شركة «تاتش»)، «داتاكوم» (ألمانية) و «توركسيل» (تركية).

يحمل الأسبوع الفاصل عن موعد فض العروض في طياته الكثير من التعقيدات. وبالرغم من أن الفترة بين فتح غرفة «الداتا» أمام مشتري دفتر الشروط في تموز وموعد المناقصة، الذي تأجل من 8 أيلول إلى 8 تشرين الأول بطلب من الشركات المتقدمة، إلا أنه يتوقع أن يكون فض العروض مناسبة لاستئناف الاشتباك السياسي.

وبحسب مطلعين على الملف، فإنه «مخطئ من يظن أن الخلاف بشأن دفتر الشروط قد تم حله أو أنه الوحيد الذي سيعرقل سير المناقصة على الطريق السريع».

المطبات كثيرة في السياسة والاقتصاد، لكن أخطر هذه المطبات على الإطلاق هو المطب الأمني، الذي غالباً ما يسقط من حسابات اللاهثين وراء الإنجازات.

حماية أمن المعلومات أهم بمراحل حتى من الحصول على خدمة ذات جودة عالية. أضف إلى أنه في الأساس لا قيمة لجودة اتصال يصب في النهاية في أحضان استخبارات العدو، على سبيل المثال. مناسبة الكلام هي تقارير أعدها عدد من المنظمات، ولا سيما حملة مقاطعة داعمي إسرائيل عن مدى تطابق أعمال الشركات المشاركة في مناقصة الخلوي بقانون مقاطعة إسرائيل. وهو أمر لا بد من التوقف عنده مطولاً، فهل يتم اختيار الشركات بمقدار التزامها بدفتر الشروط وتقديمها الاسعار الأنسب فقط؟ ثم ماذا عن معيار الأمن القومي، وهل له دور في الاختيار أيضاً؟

شركة واحدة في لبنان وإسرائيل؟
بدأ معنيون في القطاع في رصد حركة مستجدة لأحد المدراء في «أورانج» على خط التواصل مع موظفين سابقين في «سيليس»، التي كانت تشغلها «فرانس تيليكوم»، بما يوحي أن المسؤولين عنها صاروا متيقنين من أنهم سيفوزون بالمناقصة لتشغيل «ألفا» تحديداً. ولذلك توقف المراقبون، ولا سيما مكتب مقاطعة إسرائيل، عند نقطتين أساسيتين، أولاهما، أن «فرانس تيلكوم» سبق وتقدمت بشكوى ضد الدولة اللبنانية بعد فسخ العقود في العام 2002، حيث تمكنت من الفوز بها والحصول على تعويض بقمية 180 مليون دولار من الدولة، فهل يعقل أن يعاد التعامل معها أقله من زاوية ما تبقى من أخلاق و «كرامة وطنية»؟

أما النقطة الأساسية الثانية، فتتعلق بكيفية التعامل مع شركة تعمل في إسرائيل.

من المعروف أن شركة «أورانج» تدخل في عقد شراكة مع شركة «بارتنر» الإسرائيلية التي تستحوذ على 28 بالمئة من سوق الاتصالات في إسرائيل، وتساهم مباشرة في دعم النشاطات الاستيطانية، أضف إلى أنها ساعدت وحدات من الجيش خلال عملية «الجرف الصامد» التي شنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة العام الماضي.

«أورانج تحب إسرائيل»
في حزيران الماضي، أعلن الرئيس التنفيذي لـ «أورانج» ستيفان ريشار، من القاهرة، استعداده «للتخلي ابتداء من صباح الغد» عن علاقاته مع شركة «بارتنر» (حملات مقاطعة إسرائيل في مصر كانت قد تمكنت من التأثير على نشاط شركة «موبينيل» التي تديرها «أورانج»). لكن هذا التصريح سرعان ما أثار جدلاً في إسرائيل، حيث دعا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الحكومة الفرنسية التي تملك أكثر من 13 في المئة من أسهم شركة «أورانج» إلى التدخل، كما دعا أصدقاء إسرائيل «للتعبير عن معارضتهم لمقاطعة إسرائيل». وجاء ذلك رداً على نجاح حملات مقاطعة إسرائيل في أوروبا في التأثير على الرأي العام، علماً أن «الاتحاد العالمي لحقوق الإنسان» وهو منظمة غير حكومية مقرها باريس، كان قد أشار إلى أن شركة «بارتنر» تقوم بإنشاء بنية تحتية على أراض صادرتها السلطات الإسرائيلية من فلسطينيين، وانها تقدم خدمات للجيش الإسرائيلي والمستوطنين». في النهاية، اضطر ريتشارد إلى التراجع، معلناً أن «أورانج دخلت السوق الإسرائيلي لتبقى». كما نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية تصريحا له قال فيه «نحن نحب إسرائيل».

بعيداً عن المقاطعة التي تؤلم إسرائيل عالمياً، في الوقت الذي يخرج في لبنان من يعتبر المقاطعة «موضة قديمة» أو «مجرد وجهة نظر»، خلافاً للقانون الذي يجرّم من لا يلتزم بها، وبعيداً عن عواطف «أورانج» تجاه إسرائيل، تطرح أسئلة كثيرة أبرزها:
- هل ثمة من هو قادر على ضمان عدم تداخل عمليات «أورانج» في لبنان و «أورانج» في إسرائيل أو في جزء منها؟
- هل ثمة من يضمن أن «داتا» الاتصالات اللبنانية لن تنتقل إلى إسرائيل، في ظل عدم وجود أنظمة حماية أو رقابة فاعلة؟
- إذا كانت «أورانج» إسرائيل تملك مقويات للبث في شمال فلسطين، وكثر من أبناء الجنوب يستطيعون التقاط إرسال الشركة من قراهم بسهولة، فهل ثمة من هو مستعد للمجازفة في تسليم القطاع أو فتح الأثير اللبناني أمام شركة شقيقة لشركة إسرائيلية تحتل جزءاً من الأثير اللبناني؟

ليست «أورانج» الوحيدة التي تعمل داخل إسرائيل. شركة «فودافون» لها فرع هناك أيضاً. كما تقدم خدمات الملاحة لعدد من الشركات الإسرائيلية. أما شركة «داتاكوم» («داتش تيليكوم») فتتعامل من جهتها مع جامعات إسرائيلية، ولا سيما جامعة بن غوريون. لكن الأهم بالنسبة للبنان، أنه عايش تجربة مباشرة مع الشركة التي كانت تدير «ألفا»، خصوصا أن المديرة التنفيذية لشركة «فال ديتي» وممثلة الشريك الألماني «داتش تيليكوم» انيكي بوتر غادرت في العام 2008 لبنان، من دون إبلاغ وزارة الاتصالات وإدارة الشركة والموظفين. حينها تردد أن قسماً من «الداتا» قد اختفى، كما تم التطرق إلى دور مشبوه لها في حرب تموز 2006.

وإذا كانت الشركتان الباقيتان، أي التركية والماليزية ـ السعودية، لا تربطهما أي علاقة بإسرائيل، فإن ذلك لا يعفي الدولة من إعطاء الأولية المطلقة لحماية أمن المعلومات من التسرب إلى أي جهة.

وإذا كانت القوى الأمنية اللبنانية تعتمد اعتمادا شبه تام على الاتصالات بكل تقنياتها في مهامها الاستخبارية، فكيف بإسرائيل التي لا تألو جهداً في إحصاء أنفاس اللبنانيين؟

«زين» باقية؟
تبقى شركة «زين». هنالك شبه قناعة لدى العاملين في القطاع بأن الشركة الكويتية خارج المنافسة، نظراً لخبرتها القديمة في إدارة «تاتش». لكن بعيداً عن عدم قدرة الشركات الباقية على منافستها «في ملعبها»، ثمة من يتوقف عند طلب وزير الاتصالات بطرس حرب من شركة «زين» رعاية مهرجان تنورين الصيفي، حيث قدمت الشركة نحو 200 ألف دولار إلى إدارة المهرجان. ويرى أحد المتابعين أنه بالرغم من أن إدارة المناقصات هي التي تدير مناقصة الخلوي، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أنها تديرها لمصلحة وزارة الاتصالات، المعنية أولاً وأخيراً بالمناقصة ونتائجها.

وبعيداً عن أية اتهامات، يبدو بديهياً بالنسبة للمتابع نفسه، أخذ الجهة المعنية، أي وزارة الاتصالات، مسافة متساوية من كل الشركات المتقدمة للمناقصة، إلى حين انتهائها، حتى لا تفهم هذه العلاقة في غير موضعها، فكيف إذا كان في الأمر رعاية مالية؟

الحكم في مجلس الوزراء
لا أحد ضد تطوير قطاع الاتصالات، لا بل ان التطوير «صار ملحاً جداً، لكن المطلوب أن تكون المعايير واضحة وشفافة» على حد تعبير أحد المعنيين بالقطاع. لكن السؤال المطروح: هل التطوير يختصر بتغيير الشركتين الحاليتين، أم أن المطلوب قبلاً استراتيجية وطنية واضحة للقطاع الخلوي تحاول استشراف مستقبله، بوصفه أهم موارد الدولة وبوصفه بوابة العبور إلى عصر التكنولوجيا؟

8 تشرين الأول المقبل هو موعد إعلان نتائج المناقصة. أما تثبيتها، فلن يكون ممكناً إلا في مجلس الوزراء، وهو ما يتفق عليه وزراء «تكتل التغيير والإصلاح» و «حزب الله»، وعليه، فإن التوقعات تشي بأن تسلك مناقصة الخلوي درب مناقصة النفايات، التي سقطت في مجلس الوزراء.

في هذا السياق، ثمة من يتوقع أن يكون «التيار الوطني الحر» و «حزب الله» بالمرصاد، أولاً، في ما يتعلق بالخلاف الذي ما يزال عالقاً بشأن دفتر الشروط، وثانياً، في ما يتعلق بضمان أمن المعلومات، الذي سبق وأثاره وزراء «حزب الله» و «أمل» على طاولة مجلس الوزراء مرارا.

«أوراسكوم» تنتظر مجلس الشورى
في «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» إصرار على أن وزير الاتصالات يخالف قرار الحكومة المتعلق بدفتر شروط مناقصة الخلوي. وهما ينتظران إعادة الملف إلى طاولة مجلس الوزراء لاستكمال معركتهما، خصوصا أنهما تقدما باعتراض خطي إلى رئيس مجلس الوزراء، يؤكدان فيه أن وزير الاتصالات عدّل في دفتر الشروط، بما يسمح بالتأثير على مجرى المناقصة. فدفتر الشروط ينص على وجوب أن يكون المتقدم قد قدم الخدمة إلى ما لا يقل عن 10 ملايين مشترك، خلال السنوات الخمس الأخيرة، بالإضافة إلى وجوب أن لا يقل العدد عن 3 ملايين على شبكة واحدة، وهو ما اعتبره المعترضون مخالفاً للاتفاق الذي لم يحدد السنوات الخمس الأخيرة كشرط للتقدم لمناقصة، بل اكتفى بالإشارة إلى وجوب أن يكون المتقدم قد قدم الخدمة إلى أكثر من عشرة ملايين مشترك خلال خمس سنوات متواصلة (ليس بالضرورة أن تكون الأخيرة).

بعيداً عن الخلاف في المواقف بين الوزير بطرس حرب والوزيرين محمد فنيش وجبران باسيل، فإن النص الذي اعتمدته وزارة الاتصالات، يؤدي عملياً إلى إقصاء «أوراسكوم» المشغّلة لـ«ألفا» عن المنافسة، لأنها في الفترة الأخيرة، وبعد أن باعت حصتها في شركة «موبينيل» المصرية في العام 2012 وباعت شركة اتصالات روسية كانت تملكها في العام 2014، انحصرت أعمالها في السنة الأخيرة في لبنان وكوريا الشمالية فقط.

وبالرغم من أن تفاصيل دفتر الشروط جاءت لتقصي «أوراسكوم» خلافا لحق الشركات في الحصول على فرص متساوية، إلا أن الشركة آثرت سحب دفتر الشروط، تمهيداً للدخول في المناقصة، لكن المفاجأة كانت في رفض مشاركتها حتى قبل فض العروض وتبيان مدى مطابقتها لدفتر الشروط.

فقد استبعدت «أوراسكوم» بحجة أنها لم تتقيد بالمهل المحددة في دفتر الشروط لتقديم الوثائق التمهيدية»، إذ أشار الوزير بطرس حرب في مؤتمره الصحافي في 7 آب الماضي أن «أوراسكوم» قدمت «التعهد بعدم الإفشاء والتعبير عن الاهتمام» بعد الساعة الرابعة من تاريخ 31 تموز 2015 (عند الخامسة و15 دقيقة)، أي خارج المهلة المحدّدة في دفتر الشروط.

لم تسكت «أوراسكوم» انطلاقاً من أن المهلة كانت محددة بـ31 تموز من دون ذكر الوقت، وهو ما يعني بحسب العرف أن الوقت ينتهي مع نهاية النهار، أي في منتصف الليل. كما أن ممثل الشركة مروان حايك كان اتصل بإدارة المناقصات عند الثالثة والنصف، لإعلام المعنيين بأنه سيذهب لإيداع المستندات المطلوبة فقوبل بالترحيب ولم يعلمه أحد أن الوقت شارف على الانتهاء. وعليه، فإن «أوراسكوم» تقدمت بشكوى إلى مجلس شورى الدولة اعتراضاً على طريقة التعامل مع ملفها، حيث يفترض البت بها قبل 8 تشرين الأول.

لم تنكر مصادر وزارة الاتصالات رغبتها في إقصاء «أوراسكوم» انطلاقاً من أنها شركة صغيرة لا يمكن أن تحقق الأهداف التطويرية التي تطمح لها الوزارة.

في المقابل، فإن معترضين على محاولات حرب إقصاء الشركة عن المنافسة، اعتبروا أن المطلوب كان استبدال الشركتين الحاليتين بأخريين، بما يسمح للوزير بالإبقاء على مركز نفوذ له في القطاع، لكن ما حصل أنه كان صعباً عليه مواجهة الكويتيين، ففضل إقصاء الشركة المصرية، علماً أن الإبقاء على المشغلين الحاليين ضمن المنافسة كان ليؤدي إلى إفشال المناقصة، لأن الشركات الجديدة لن تتحمس لمزاحمة مشغلين يعرفان طبيعة القطاع أكثر من غيرهما وقادرين على حسم النتيجة لمصلحتهما.

assafir.com

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه